أوباما في مرمى نيران رجال الشركات

أوباما في مرمى نيران رجال الشركات

تحوَّل رؤساء الشركات الأمريكية الذين كانوا يظنون بالرئيس أوباما ظناً حسناً إلى التذمر. وفي أيامنا هذه لا يثنون عليه، بل يتهمونه بالتشتت وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة. ويقولون إن ما يقلقهم هو الوضع المستقبلي للضرائب والتنظيم. وهناك كثير من عوامل عدم اليقين، الأمر الذي يعيق الاستثمار والنمو.
لقد اتخذت هذه التوجهات أهمية بارزة بعد أن ألقى إيفان سايدنبيرغ، خطابا في الشهر الماضي، بصفته رئيساً للمائدة المستديرة للأعمال، التي هي ناد لقادة الشركات الأمريكية. وقال في خطابه: "إن الحكومة التي تمد أيديها تقريباً إلى كل قطاع من الحياة الاقتصادية تضخ عدم اليقين في الأسواق، وتجعل من الصعب جمع الأموال وتوليد نشاطات جديدة". وكان ينظر إليه في السابق على أنه حليف لأوباما.
كذلك يبدو أن جيفري إيملت، رئيس شركة جنرال إلكتريك، مصاب بخيبة أمل. ففي الفترة الأخيرة خاطب جمهوراً بقوله إن على الولايات المتحدة "أن تصبح مركز توليد صناعي مرة أخرى، لكن لا يمكنك أن تكون كذلك حين لا تكون الحكومة ومؤسسو المشاريع في حالة من التجانس". ومن الصعب العثور على رئيس تنفيذي يتفوه بكلمات طيبة عن الرئيس، فهل لشكاواهم معنى؟ وهل أوباما رئيس معادٍ للشركات؟
الفكرة ليست دون أساس. فأوباما، شأنه في ذلك شأن معظم الليبراليين، يشك في حافز الربح ويريد للحكومة أن تلعب دوراً أكبر، وبالتالي يستشعر الحاجة إلى أن يكون التنظيم الأقوى نهجاً دائماً. لكن ما الذي توقعه الرؤساء التنفيذيون من رئيس ديمقراطي؟ وإذا قسنا تهمهم مقابل ما كان يمكن أن يحدث، فإنها تبدو غير عادلة، أو حتى سخيفة. وعليهم أن يشكروا أوباما على ضبط نفسه.
حين تسلم السلطة كانت البلاد على وشك الدخول في كساد عظيم جديد. وكانت الأسباب الرئيسية لذلك عدم كفاءة القطاع الخاص وعدم مسؤوليته، وهو أمر زادت من تفاقمه رخاوة التنظيم. وحتى لو كان أوباما حاد الميول، فإن هذا الوقت ليس هو الوقت المناسب للثناء على المشاريع الخاصة.
كانت هناك حاجة كبيرة للغاية إلى مساعدة النظام المالي، وقام أوباما بذلك – على الرغم من عدم شعبية هذه الإجراءات لدى الناخبين. وأحب كثيرون أن يروا رؤساء كبريات الشركات معلقة على الرماح. ومع ذلك جاءت الإدارة بدعم هائل. فهل هذا أسلوب معادٍ للشركات؟ إن مشروع قانون التنظيم المالي المعروض حالياً على الكونغرس، كما كان تصميم سابق من جانب البيت الأبيض، ليس شديد القسوة. وعلى الرغم من وجود مثالب ونواقص، هذه الإصلاحات خطوة إلى الأمام ولا يستطيع أي مراقب ذي عقلية عادلة وصفها بأنها عقابية، على الرغم من أن الرأي العام ما زال يطالب بالعقوبات. وقد عمل الرئيس أوباما حتى الآن على تهدئة المشاعر المعادية للشركات، وليس تأجيجها.
بالطبع، الإصلاح المالي مجرد قضية واحدة. والقضايا الأخرى ماضية في طريقها كذلك. وربما اعتقد الرؤساء التنفيذيون أن التسرب النفطي في خليج المكسيك كان مناسبة جيدة لأوباما كي يمتدح المشاريع الخاصة ويدافع عن التنظيم المخفف. وكما تكون قد لاحظت، فقد ظل الرئيس أوباما عرضة للانتقاد في الولايات المتحدة على أنه ليّن للغاية مع شركة برتيش بتروليوم. لقد حافظ الرئيس على تصرف منضبط في ذلك، كما فعل إزاء الانهيار المالي في ظل المطالب السياسية الملقاة على عاتقه. وفعل ما يكفي، وما يقرب من الكفاية، بخصوص ذلك لتهدئة غضب الجمهور. ولو أنه قام بأقل من ذلك، لكان رد الفعل الشعبي أسوأ من ذلك. والحقيقة أن أوباما، في ظل هذه الظروف الطارئة، كان صديقاً للشركات.
وكان إصلاح الرعاية الصحية تحدياً رئيسياً ثالثاً. ومن المنطقي تخطئة أوباما بهذا الخصوص – بسبب التفكير المشوش حول دور الحكومة والشركات، وبسبب عدم الحزم في اتخاذ القرارات. ويبقى قانون الرعاية الصحية الذي وقّع عليه نظاما يغلب عليه القطاع الخاص. ومع ذلك يتحدث دون تمييز وبازدراء عن شركات التأمين وحوافزها الأنانية كما لو كان يتفق مع كثير من الديمقراطيين بأن الرعاية الصحية أهم بكثير من أن تترك للأسواق، أو أن تلطخها الأرباح.
مما لا شك فيه أن أوباما يفضل نظاماً تديره الحكومة، لكنه رأى أن البلاد لن تبلغ ذلك. وكان حكيماً في القبول بهذا الأمر والإقرار بما كان ممكناً. ومع ذلك لا يستطيع أن يدعي لنفسه بطولة تحقيق المزايا التي يمكن أن تجلبها شركات التأمين في تقديم الخدمات الصحية، إذا تم تنظيم تلك الشركات على نحو ملائم. وكانت في ملاحظته حول هذه القضية مسحة من معاداة الشركات. وكان ذلك خطأً سياسياً لأنه جعل من أوباما مؤيداً غير فعال للإصلاح الخاص به – الأمر الذي نتج عنه أن نصف الناخبين مستمرون في رفضه.
يتخوف كثير من الرؤساء التنفيذيين من التكاليف التي يمكن أن يفرضها إصلاح الرعاية الصحية على شركاتهم. ويضيف عامل عدم اليقين هذا إلى عوامل عدم يقين أخرى يوجهون اللوم فيها إلى البيت الأبيض: عوامل عدم يقين بخصوص الضرائب، ولا سيما ضرائب الطاقة، وكذلك بخصوص التنظيم المالي (لأن القانون الجديد يتيح للمنظمين كثيرا من فرص التقدير والاختيار الذاتي)، وأيضاً فيما يتعلق بالسياسة التجارية، وكذلك مستقبل الدين العام، وهكذا دواليك. ولديهم منطقاً في ذلك. فعدم اليقين أمر سيء. لكن على المرء أن يتساءل كم هي حصة أوباما من الخطأ بخصوص هذا الأمر؟
إن الكونغرس، وليس الرئيس، هو الذي يتخذ مثل هذه القرارات في نهاية الأمر. والكونغرس، وليس الرئيس، هو السبب الرئيسي في التأخير وحالات عدم اليقين. ويستطيع الرئيس أوباما أن يؤيد ويدعم فيما يتعلق بالسياسات الداخلية، لكنه لا يستطيع إصدار المراسيم. فلنحكم عليه بما يستطيعه.
آمل لو أن الرئيس كان أشد حزماً في تأييده للسيطرة المالية في الأجل المتوسط، وفيما يتعلق كذلك بضريبة الكربون، والتجارة الحرة، والإصلاح الصحي الخاص به. لكن أوباما في ظل هذه الظروف لم يكن قاسياً مع الشركات، بل العكس هو الصحيح. ولا يمكنك إلاّ أن تلاحظ أن الرؤساء التنفيذيين كان لديهم قليل من الأمور الإيجابية التي يتحدثون بها بخصوص قضايا السياسات هذه. وهم كما يقول سايدنبيرغ، يريدون عجزاً أقل في الميزانية، وضرائب أدنى، ومزيدا من الاستثمار في البنية التحتية والتعليم. وإذا كنت تريد التخلص من عدم اليقين، فعليك أن تقوم بأمور أفضل من ذلك.

الأكثر قراءة