Author

طموحات .. وقودها دول وشعوب

|
في النصف الثاني من القرن الميلادي الماضي شهد عالمنا العربي موجة من الانقلابات التي كانت ترفع شعارات براقة خدعت كثيرين، وأدت إلى تحكم مجموعات من الطامحين برقاب عديد من الشعوب العربية، وملئت شوارع مدن تلك الدول بالشعارات، وصور زعامات ما تلبث أن تتبدل بعد أن يطاح بها عبر انقلاب آخر يرفع الشعارات نفسها، وكانت النتيجة أن استأثرت تلك الزعامات بمقدرات دول ومصائر شعوب، فخاضت في الدولة والشعب مغامرات انتهت بإنهاك الدولة وتحطيم معنويات الشعب، ونقل البلد بمن فيه من وضع معيشي متوسط إلى فقر مدقع، ولم يبق من تلك الثورات سوى شعاراتها، التي ما يزال البعض يرفعها في كل مناسبة. أما الدول التي كانت توصف بالرجعية والتأخر فهي الآن الأفضل معيشة، والأكثر استقراراً، وحفظاً لكرامة المواطن، في حين تحولت تلك الدول إلى ما يمكن أن يطلق عليه الآن الدول ''الجملكية'' أي الجمهوريات الملكية. هذا الوضع الذي عاشته أجزاء من عالمنا العربي في تلك الحقبة ولا تزال شعوب تلك الدول تعاني تداعياته، لم ينقطع من العالم، بل أصبحنا نرى نماذج من طموحات أفراد وزعامات معارضة تسعى للوصول إلى أهدافها عبر إراقة الدماء ودفع البسطاء إلى الاصطفاف خلف شعارات خادعة، تكون الخسارة فيها لمن تم سوقهم ثمناً لتلك الطموحات. والأخطر من ذلك حينما تغلف الطموحات السياسية بطابع ديني فيصدق كثير من الناس ذلك، دون إدراك لما خلف تلك الشعارات من صفقات يعقدها من يرفعها مع قوى لا تريد ببلده الخير، خاصة حينما تكون نتيجة تلك الطموحات التأثير في وضع أقلية دينية أو عرقية تعيش في سلام، ثم تصبح محل توجس من قبل الأغلبية. في عالمنا اليوم أمثلة كثيرة تدل على أن كثيراً من الشعارات التي ترفع تخلف مصائب تكتوي بها الشعوب سنوات طويلة. وإذا تجاوزنا الصومال كشاهد حي على ما ينتج من فوضى ودمار وفرقة بسبب صراع مختلف الأطراف التي تسعى للوصول إلى السلطة، حتى ولو رفعت شعاراً واحداً كل يدعي أنه الأصدق في رفعه، نجد أن ما حصل في تايلاند من مواجهة بين قوى المعارضة التي حرضت البسطاء من الناس على التظاهر والقوات الحكومية، كانت نتيجته مقتل العشرات من الناس البسطاء، أما قوى المعارضة فحققت هدفها، وهو إثبات قوتها. مشهد آخر رآه الجميع عبر مختلف وسائل الإعلام، وتمثل في أولئك النسوة والأطفال الذين فروا من مساكنهم بعد الاضطرابات التي شهدتها قرغيزيا، وما تحدثوا عنه من عمليات قتل واغتصاب، وهم في طريقهم للبحث عن ملجأ آمن. كل هذا يجري ولم يغب عن ذهن الناس بعد ما حدث قبل عقدين من الزمن في رواندا عقب اغتيال الرئيس جوفينال هابياريما عام 1994م، حينما شهدت رواندا فوضى نتج عنها حرب إبادة عرقية استهدفت أقلية التوتسي وكانت محصلتها مقتل أكثر من 800 ألف شخص. فهل شعوب عالمنا العربي استفادت من الدروس المريرة التي عانتها في تلك الفترة، فأصبحت أكثر وعياً من شعوب أخرى لا تزال تكرر الخطأ نفسه، فتصبح أسيرة لطموحات مدمرة؟
إنشرها