Author

العنف الأسري .. يا هيئات حقوق الإنسان!

|
قبل أيام اضطرت امرأة وأطفالها العشرة أن تخرج من منزل زوجها المستأجر, لتنتقل إلى بيت استأجره لها أحد المحسنين- بارك الله في أهله وماله وولده- وكان سبب انتقالها أن زوجها لم يستطع – كعادته - أن يسدد أجرة المنزل, ما دعا المؤجر إلى أن يقطع عنهم الكهرباء قبيل بدء الاختبارات بأربعة أيام أو خمسة تمهيداً لطردهم من المنزل, ولم تكن هذه أول المأساة, ولا آخرها, فقد كان الزوج - وما زال - سبباً من أسباب الشقاء لزوجته وأولاده العشرة, حيث كان يعاقر الخمرة ويمارس ضدهم بعض أشكال العنف, ومنها الضرب والركل, والسب والشتم, بل التهديد بالقتل, ناهيك عن عجزه المستمر عن تأمين نفقة أهله وأولاده, إضافة إلى تجريد البيت من بعض الأغراض الحاجية؛ من أجل بيعها وشراء ما يغذي شهوته المحرمة! والمشكلة أن المرأة حين تريد أن تضع حداً لهذا العنف عبر السلطات التنفيذية أو القضائية, فإنها تحسب ألف حساب لهذا الإجراء؛ لأن الإجراءات الروتينية تثير الشرور الكامنة في نفس المخمور ومتعاطي المخدر, ولو كان الخصم أقرب الناس إليه, وغالباً ما تكون سبباً في تعميق المشكلة بدلا من حلها! ولهذا يرضى كثير من الأسر المعذبة بواقعها المأساوي, ولا تتطلع إلى معالجة مشكلاتها المتكررة عبر السلطات المختصة؛ خوفاً من عواقب تسلط الأب على الأسرة, الذي يرقب محاولات الزوجة وأولادها عن قرب. وهنا أناشد المسؤولين معالجة تلك المشكلات الكامنة خلف الجدران والأبواب الموصدة؛ وذلك عبر آلية تضمن السرعة في حل المشكلة, وتتخطى الروتين وتحمي الضعفاء من عدوان الأب المخمور. فأما السلطة القضائية فعليها أن تهيئ قضاة مختصين في نظر هذه القضايا, ويجب أن يكون لهذه الحالات القضائية صبغة الحالات الإسعافية, بحيث تتخطى كل الإجراءات الروتينية, وتتجاوز كل التعقيدات النظامية؛ لأن أي تأخير يعني تمكين رب الأسرة من تنفيذ طيشه في أية لحظة. وأما السلطة التنفيذية, فعليها أن تعطي بلاغات العنف الأسري أهمية خاصة, بحيث لا يتولاها من رجال الأمن إلا من لديه خبرة في مجال المشكلات الأسرية, وما تتطلبه من أساليب مناسبة, تراعي الجو الأسري, ومشاعر الزوجة والأولاد؛ لئلا يكون التدخل الأمني سببا في تكريس المشكلة. وأما هيئات حقوق الإنسان, فعليها أن تخرج من الصندوق, وأن تلعب دوراً مميزاً, بحيث تقترب من تلك الأسر المعذبة وتضفي عليها حالة الأمان والاطمئنان بدلاً من نسج الأعذار والتخفي وراء الحجج الباهتة. وكانت تلك العائلة المشار إليها في فاتحة المقال قد اتصلت على هيئة حقوق الإنسان في بلادنا, لكنها لم تجد أذناً صاغية, تسمع المأساة, وتصمد للمشكلة, وتكفكف الدمعة, وهيئات حقوق الإنسان, وإن لم تكن ذات سلطات تنفيذية أو قضائية - كما هو معلوم- إلا أنها قادرة على أن تفعِّل دورها, وأن تضع الآليات المناسبة لعلاج حالات العنف الأسري بأسلوب سريع وآمن, ولو نجحت هيئات حقوق الإنسان في علاج هذا النوع من الحقوق الإنسانية المسلوبة, أو الحد منها على الأقل, فإنها تكون قد وضعت قدمها في الطريق الصحيح؛ لأن حالات العنف الأسري هي الممارسة الأكثر ضرراً, والأوسع خطراً على سلوك المجتمع وأخلاقه, وضياع أبسط حقوقه, برعاية الأب المخمور ذي الصلاحيات الواسعة.
إنشرها