Author

أزمة الديون السيادية!

|
عند ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008م، اتفقت دول مجموعة العشرين، كما نعلم جميعاً على مواجهة تلك الأزمة بخطط إنقاذ متعددة بلغت قيمتها الإجمالية تريليونات من الدولارات، إضافة إلى خطط التوسع في الإنفاق الحكومي التي مكنت الدول من ضخ أموال جديدة في اقتصادياتها وأسواقها المالية، في حين تم تجاهل مفاهيم الاقتصاد الحر التي قامت عليها اقتصادات الدول الصناعية منذ مئات السنين على الرغم من النتائج التي قد تكون مؤلمة في حال تطبيق هذه المفاهيم، حيث إن ذلك قد يعني إفلاس أو تأميم بعض المؤسسات المالية المتعثرة. تكمن المشكلات في أنه عندما قامت الدول الصناعية بتنفيذ خطط الإنقاذ والإنفاق الحكومي هذه، لم يأت ذلك من احتياطيات كانت تحتفظ بها الدول في خزائنها بل أتي من خلال الاقتراض لأن هذا الخيار مع الأسف يمثل دائماً أسهل الحلول أمام صانعي السياسة المالية منذ عقود من الزمن وهذا بدوره أسهم في تكوين ''فقاعة'' بلغت الآن مستويات خطيرة، وما زاد الطين بلة أن هذه الدول تعاني في السنوات الأخيرة عجوزات في الموازنة مما يزيد من الشكوك حول قدرتها على سداد ديونها أو خدمة ديونها في المدى الطويل أو حتى القصير!!! كنتيجة طبيعية لتكون هذه الفقاعة، ظهرت في 2010م أزمة الديون السيادية في أوروبا التي أصبحت تهدد اقتصادات هذه المنطقة والتي قد تمتد مستقبلاً لتشمل دولاً أخرى خارج منطقة اليورو أو حتى الاتحاد الأوروبي، إلا أن ما يثير الاهتمام هنا أن دول منطقة اليورو اتفقت أخيرا على اتباع خطط مالية ''متقشفة'' تهدف إلى تخفيض المصروفات وزيادة الإيرادات وبالتالي تخفيض عجوزات الموازنة إلى مستويات مقبولة وهو في رأيي تصرف سليم أتى متأخراً جداً لتصحيح الوضع، لكن المهم أنه يؤكد لنا اعتراف هذه الدول بالخطأ الشنيع الذي ارتكبته في تعاملها مع الأزمة الاقتصادية عام 2008م والذي يتناقض تماماً مع تقوم به حالياً. النقطة الأهم التي أود التركيز عليها هنا أنه في الاجتماع الأخير لمجموعة العشرين الذي انعقد على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في كوريا الجنوبية قبل ثلاثة أسابيع، حصل انقسام في وجهات النظر بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية حول السياسات المالية الواجب اتباعها في أزمة 2010م، حيث يرى الجانب الأمريكي ضرورة اتباع خطط مالية توسعية، في حين يرى الجانب الأوروبي ضرورة اتباع خطط مالية تقشفية، وهو ما يعني تعارض السياسات المالية المتبعة فيما بين الدول الصناعية الكبرى وهو ما قد يهدد نمو الاقتصاد العالمي واستقراره في المرحلة المقبلة. بغض النظر عن هذا الانقسام، من الواضح أن الاقتصاد العالمي سيمر في السنوات المقبلة بمرحلة حرجة للغاية نتيجة لأزمة الديون السيادية، حيث إن ما يقلقني كاقتصادي هو أنني قد أقبل (ولو نظرياً) بظهور هذه الأزمة عندما تكون أسعار الفائدة في أعلى مستوياتها، لكن أن تظهر هذه الأزمة وأسعار الفائدة حالياً في أدنى مستوياتها التاريخية فهذا بالتأكيد أمر خطير يجب التوقف عنده كثيراً، والأكثر خطورة منه هو عندما نتساءل: ماذا سيحدث لهذه الديون السيادية فيما لو ارتفعت أسعار الفائدة مستقبلاً؟!
إنشرها