FINANCIAL TIMES

إضافات وتسريبات «ديب ووتر هورايزن» تهدد مستقبل «بريتش بتروليوم»

إضافات وتسريبات «ديب ووتر هورايزن» تهدد مستقبل «بريتش بتروليوم»

في الوقت الذي تزيد فيه واشنطن من تشديدها على تنفيذيي شركة بريتش بتروليوم، تتزايد الانتقادات بأن الشركة أساءت معالجة ردها بممارسة الضغوط قبل إيقاف التسرب. بالكاد توقعت شركة بريتش بتروليوم التي تتعرض لضغوط، أن تصبح أزمة تسريب النفط في خليج المكسيك أسوأ من ذلك. وفي حقيقة الأمر، حيث إن غطاء الاحتواء على أنبوب القائم المتدفق يجمع الآن نحو 15 ألف برميل من النفط يوميا، ربما كانت تتوقع أكبر شركة نفط في بريطانيا أن تتحسن الأمور. إلا أنها لم تفعل. في الأسبوع الماضي، زاد الرئيس باراك أوباما الذي يتعرض إلى ضغوط عامة بسبب التسريب، من حدة لهجته ضد ''بريتش بتروليوم''، وأفصح عن غضبه بالقول إنه يبحث ''عمن ينبغي أن يعاقبه''. وفي ''كابيتول هيل'' – مقر الكونجرس الأمريكي-، زاد صانعو القانون جهودهم لمعاقبة الشركة، حيث قال 40 عضوا من مجلس النواب إنه يجب ألأّ تدفع ''بريتش بتروليوم'' أية أرباح إلى أن تتم معرفة تكاليف الحادث كاملة. إنسوا شركة تويوتا ودواسات السرعة الخاطئة، وانسوا إيران والمخاوف من أنها تحاول تصنيع قنبلة نووية. فقد أصبحت ''بريتش بتروليوم'' عدو الشعب رقم واحد في الولايات المتحدة. وبالنسبة للشركة التي تعتبر المنتج الأمريكي الرئيسي للنفط والغاز، وتفاخرت بكونها أكثر علامة تجارية تتمتع بالاحترام في أمريكا، فإن ذلك بمثابة تراجع كارثي. وتواجه ''بريتش بتروليوم'' فاتورة يقول المحللون إنها قد تصل إلى 40 مليار دولار (28 مليار جنيه إسترليني، 33 مليار يورو) – وتهديد طردها من البلاد التي توفر ربع إنتاجها، وقرابة ثلث احتياطياتها. منذ أن انفجرت منصة ديب ووتر هورايزن في 20 نيسان (إبريل)، وقتلت 11 رجلاً، وأطلقت لغاية الآن أكبر تسريب نفطي في المياه الأمريكية، انخفض سعر سهم ''بريتش بتروليوم'' بنسبة 39 في المائة، الأمر الذي شطب 47 مليار جنيه إسترليني (68 مليار دولار، 56 مليار يورو) من قيمتها السوقية. ولكن كيف خسرت بريتش بتروليوم، رغم عوائدها التي تبلغ مليارات الدولارات، المعركة في واشنطن بهذا السوء؟ يقول دانيال ويس، وهو خبير بيئي يتميز بالصراحة، ويعمل لدى مركز صندوق العمل التقدمي الأمريكي Center for American Progress Action Fund: ''من المستحيل أن تراوغ طريقك، أو تمارس الضغوط للخروج من كارثة بهذا الحجم.'' وعلى الرغم من ذلك، فشلت ''بريتش بتروليوم'' في ردها الجماهيري. ويشير بعض المحللين إلى عدم الانتباه الكافي من جانب المجموعة إلى العلاقات في العاصمة الأمريكية طوال عدة سنوات. ويقول آخرون إن المجموعة بقيت شديدة التركيز على لندن، حتى حين أصبحت الولايات المتحدة أكبر أسواقها. يقول جون هوفمستر، الرئيس السابق للفرع الأمريكي لشركة رويال دوتش شل، ومؤلف كتاب ''لماذا نكره شركات النفط Why We Hate the Oil Companies'' في هذا الصدد: ''أعتقد شخصيا أن شركة بريتش بتروليوم كانت تحاول إدارة شؤونها في واشنطن من لندن، وهذا أمر لا ينجح على الإطلاق. فالمجموعة بحاجة إلى أشخاص في الولايات المتحدة ممن بمقدورهم تطوير علاقات نوعية مع الأشخاص المؤثرين، وبإمكانهم شرح الظروف إلى جهات خلف الأبواب المغلقة. وما تفتقد إليه شركة بريتش بتروليوم هو وجود أصوات دعم قوية من النخبة السياسية وقطاع الأعمال''. يتم استهداف الشركة الآن على أساس منشئها، حيث يشير السياسيون، وكبار المسؤولين الإداريين بشكل متكرر إليها باسم ''بريتش بتروليوم''، على الرغم من أن اسمها لم يكن كذلك منذ عام 1998. وفي برنامج حواري إذاعي، يسأل المتصلون بشكل متكرر لماذا تم السماح لشركة أجنبية بأن ''تأتي وتأخذ نفطنا''، ويحثون الحكومة على إيقاف الشركات غير الأمريكية العاملة هناك. يتفق الجميع تقريباً على أن التسرب النفطي هو بحجم من شأنه أن يدمر أي شركة. ولكن حيث أن الحل الدائم ما زال بعيداً لعدة أسابيع، وانتخابات الكونجرس النصفية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) تشكل كل قرار سياسي، أصبحت ''بريتش بتروليوم'' مكشوفة أمام أهواء العملية السياسية الأمريكية. ومن المتوقع أن يكون باقي العام صعباً للغاية. بلغ الغضب بشأن التسرب ذروته الأسبوع الماضي مع قيام الرئيس أوباما باستدعاء كارل- هنريك سفانبيرغ، رئيس ''بريتش بتروليوم''، إلى البيت الأبيض. وأما توني هايوارد، الرئيس التنفيذي للشركة – والذي أمضى كل الوقت في المناطق الساحلية المتأثرة، ويوصف باستمرار على أنه ''الرجل الأكثر كراهية، والأغبى، في أمريكا'' – فلم يتم ذكره بشكل مقصود في الدعوة الرسمية، ولكن من المتوقع أن يكون حاضرا. للهروب من الانتقادات بشأن رد الرئيس على التسرب، حاولت الإدارة أن تبقي الغضب العام مركزاً على ''بريتش بتروليوم''، وتتمحور لهجتها الخطابية حول مواصلة الضغوط على عنق الشركة. ويبدو أن تلك الجهود حققت بعض النجاح. وفي حين كان ينظر إلى الرد المبدئي من جانب أوباما على أنه لم يكن قوياً بما يكفي، سواء من حيث العمل أو التقديم، كانت المشاعر العامة المناهضة لشركة بريتش بتروليوم أقوى من ذلك. تم تشويه بعض محطات الخدمة الأمريكية، وأقام ناشطو البيئة محاكمات ساخرة خارج مكاتب المجموعة في واشنطن، حيث تستعرض دمية لهايوارد تلبس زي السجناء، وعبارة تصفه بأنه ''مذنب بالتهم الموجهة إليه'' بسبب الجرائم البيئية. وقالت إحدى اللوحات التي يحملونها: ''صادروا أصول شركة بريتش بتروليوم''، وقالت أخرى: ''يجب أن تكون شركة بريتش بتروليوم في السجن''. في واقع الأمر، هناك أصوات عالية بشكل متزايد لأشخاص يقودهم روبرت ريك، وزير العمل السابق في إدارة كلينتون، تدعو لكي تستولي الحكومة الاتحادية على الوحدة الأمريكية لشركة بريتش بتروليوم. منذ بداية اهتمام واشنطن بالحادث تماماً، حين أصبح حجم الكارثة واضحاً، بدأت ''بريتش بتروليوم'' بداية خاطئة. ويقول فرانك مايسانو، مستشار الاتصالات الذي يعمل لدى شركات طاقة عديدة، ''هناك ملايين الأشياء'' التي كان بإمكان''بريتش بتروليوم'' أن تنفذها بشكل مختلف من وجهة نظر العلاقات العامة. الشركات الأخرى المعنية، مثل ''ترانس أوشن''، و''هيليبورتون''، التي أرسلت التنفيذيين إلى الكونجرس بأسرع من العديد من صانعي القانون ــ القلقين من أن على ''بريتش بتروليوم'' أن تركز على وضع حد للتسرب ــ هي المطلوبة. ولكن حالما أصبحت هناك، بدأت بتوجيه الاتهامات إلى بعضها البعض، الأمر الذي أثار غضب السياسيين الذين قالوا إنهم غير معنيين ''بلعبة توجيه الاتهامات''. خلال الأسابيع التي أعقبت ذلك، كانت شركة بريتش بتروليوم بطيئة في إدراك المطالب في الولايات المتحدة لعملية الإغلاق القصوى. ويقول موظفو الكونجرس ممن حضروا الاجتماعات الخاصة حين أطلع تنفيذيو ''بريتش بتروليوم'' صانعي القانون على ما حدث في منصة ديب ووتر هورايزن، إن الشركة كانت إنتقائية فيما أخبرتهم. وكان تنفيذيو ''بريتش بتروليوم'' مذنبين ''بخطايا الحذف''، وفقاً لأحد الأشخاص الذين حضروا الاجتماع، على الرغم من أن الشركة أصبحت لاحقاً أكثر تعاوناً. كما أن شركة بريتش بتروليوم ترددت بعد أن طلب صانعو القانون وضع بث فيديو حي مستمر على الإنترنت للنفط المتدفق من البئر. ولكنها لانت في النهاية، وأودعت مشاهد من الكاميرات الاثني عشر جميعها على موقعها الإلكتروني. وكان هذا المشهد يدور على شبكات التلفزيون على مدار الساعة – السحب البنية المنبثقة، كما لو كانت من أنبوب دخان، الأمر الذي أشعل الغضب العام. لم يساعد هايوراد في معالجة المسائل كذلك. وأثارت تصريحاته الأولية بأن ''التأثير البيئي لهذه الكارثة من المحتمل أن يكون متواضعاً للغاية'' الغضب بين مواطني ساحل الخليج تحديداً، وكذلك الأمر تعليقه بالقول ''إنني أريد أن أستعيد حياتي'' التي أصبحت شعار المحتجين. يقول النقاد بشأن رد ''بريتش بتروليوم'' إن المجموعة عانت لأن فيها عدداً قليلاً من الأمريكيين الذين يرأسون استراتيجية الاتصالات الخاصة بها، إذ أن هايوراد، وأندرو غويرز، رئيس الإعلام في ''بريتش بتروليوم''، وكان محرراً سابقاً في ''فاينانشال تايمز''، هما بريطانيان، وكذلك ألان باركر، رئيس شركة برونسويك، مستشار الاتصالات للشركة. ويرى بعض مستشاري إدارة الأزمات مشكلة في الاعتماد على الأسلوب القديم في جعل رئيسها التنفيذي هو وجه الكارثة. يقول أحد المستشارين ممن كانوا يقدمون المشورة إلى الشركات الأخرى المتورطة في التسريب: ''يضع الجميع رئيسهم التنفيذي في الواجهة، ولكن الأمر الأكثر أهمية هو تقييم الضرر أولا، وليس استباق القصة، وتقديم معلومات خاطئة''. جاء أحد الجروح التي ابتلت بها ''بريتش بتروليوم'' نفسها من الإعلانات التي كانت تقدمها على الصفحات الكاملة الملونة في الصحف الأمريكية، فضلاً عن التلفزيون. ويقول إعلان الصحيفة: ''سوف ننجز ذلك، سوف نصوب الأمر''، ويظهر قارباً يضع مرفأً عائماً المقصود منه حماية المستنقع. وقالت لويس كابس، عضوة الكونجرس الديمقراطية من ولاية كاليفورنيا، وواحدة من أولئك الذين يطالبون ''بريتش بتروليوم'' عدم توزيع الأرباح، في الأسبوع الماضي إنه يجب عدم إنفاق ''سنت واحد'' على الإعلانات. ويتفق العديد من المحللين على أن سحب الإعلانات هو أول شيء يجب أن تحاول ''بريتش بتروليوم'' أن تفعله لإصلاح الضرر. قالت ''بريتش بتروليوم'' أنها بنت علاقات في واشنطن، ولكن لا يريد حلفاؤها أن يرفعوا رؤوسهم فوق التحصينات الآن. ويضيف غويرز أن ليس لدى الشركة نية لسحب إعلاناتها. ويقول في هذا الصدد: ''إنها توفر المعلومات بشأن ما نفعله بخصوص عملية التنظيف. ومن الصعب في بعض الأحيان إيصال رسالتنا عبر عاصفة وسائل الإعلام هذه، ولهذا السبب نقوم بتوضيح ما نفعله باستخدام عباراتنا الخاصة''. في هذه البيئة السياسية المحمومة، تحقق وزارة العدل فيما إذا كانت ''بريتش بتروليوم'' قد انتهكت القوانين الاتحادية بالطريقة التي كانت تدير بها البئر. ويمكن أن يورط التحقيق شركة ترانس أوشن، الشركة التي تملك المنصة، وشركة هاليبورتون التي وضعت الإسمنت حول البئر. ويجري حرس السواحل، والشركات أنفسها تحقيقات، إضافة إلى لجنة رئاسية خاصة. وإلى جانب جلسات الاستماع في الكونجرس، فتحت هذه عدة نقاط من الهجوم ضد ''بريتش بتروليوم'' تحديداً. يقول ديفيد أوهلمان، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ميتشيغان، والرئيس السابق لقسم الجرائم البيئية في وزارة العدل: ''سوف يتم توجيه تهما جنائية اعتماداً على التسرب النفطي، ولا أعتقد شخصياً أن هناك مجالاً للشك بشأن ذلك''. وتحقق وزارة العدل في انتهاكات للقوانين ذاتها التي اعتبرت منتهكة أثناء التسرب النفطي من ناقلة شركة إكسون فالديز في مياه ولاية آلاسكا عام 1989. ودفعت ''إكسون'' غرامة جنائية بلغت 125 مليون دولار، الغرامة الأكبر على الإطلاق مقابل جريمة بيئية. يقول أوهلمان في هذا السياق: ''إذا أثبتت جلسات الاستماع، والتقارير أي شيء حاسم، فسوف يكون لدى الحكومة دليل كافٍ للمجادلة بأن شركة بريتش بتروليوم والشركات الأخرى كانت مهملة ــ ولكن على الأرجح سيكون ذلك كل ما في الأمر''. مع ذلك، إذا وجد أن ''بريتش بتروليوم'' انتهكت القوانين الجنائية، فيمكن أن تبلغ العقوبة القصوى مليارات الدولارات.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES