Author

تعبيرات جمالية أم أهداف استراتيجية!

|
«إن خططنا تفشل لأنها تفتقد الهدف, فعندما لا يعرف الإنسان إلى أي ميناء يذهب فلا رياح مواتيه بالنسبة له» الفيلسوف الروماني سينيكا. عندما نتصفح مواقع بعض منظماتنا السعودية في الشبكة العنكبوتية، ونستعرض التوجهات الاستراتيجية لهذه المنظمات - خاصة أهدافها - فلا يخيَل للمتصفح إلا أنه يشاهد عينات لمشاركات مقدمة لمسابقة في التعبير العربي الحر أو فنون الكتابة الإبداعية! .. لما يراه من التنافس الشديد لتضمين كلمات مزخرفة وجمل مطاطية وتعبيرات فضفاضة تضعها المنظمات كأهداف تسعى إلى تحقيقها, ولكنها فقط مجرد أحلام وردية كونها لم تتعد الورق لتترجم كواقع ملموس يعزز كيان المنظمة ويشهد لمصداقيتها مع نفسها وإدارتها وموظفيها قبل مصداقيتها مع بقية جمهورها. إن مهمة الإدارة الاستراتيجية لا تنصب فقط في تحويل رسالة المنظمة إلى أهداف وحسب, بل تكمن مهمتها في خلق استراتيجيات لتحويل هذه الأهداف كنتيجة على أرض الواقع, تماما، كما عرف أ. د. ثابت إدريس، و أ. د. جمال الدين مرسي, مؤلفي كتاب الإدارة الاسترتيجية (مفاهيم ونماذج تطبيقية) الأهداف على أنها «النتائج المطلوب تحقيقها لترجمة مهام المنظمة ورسالتها إلى واقع عملي», الأمر الذي يزيد التأكيد على الإدارات الاستراتيجية في المنظمات لمراجعة أهدافها الموضوعة بعناية, وفرز ما يمكن تحقيقه فعليا ثم تحديده أو إعادة صياغته على حسب ظروف المنظمة الداخلية والمحيطة, ومالا يمكن تحقيقه ثم التخلص منه أو تطويعه على حسب قدرات المنظمة. فمن أهم الأسباب التي تفصل بين أهداف المنظمة وواقعيتها هي صياغة الإدارة الاستراتيجية لهدف لا يتوافق و إمكانات المنظمة من الأساس, ربما الطموح العالي والحلم بمعانقة السحاب هو العذر لمديري المنظمات وراء صياغتهم لمثل هذه الأهداف, لكنه لا يعد مبررا لصياغته كهدف وإنما بالإمكان اعتباره كرؤية, لأن الرؤية كما يعرفها أ. د. نبيل خليل و د.هاني العمري مؤلفي كتاب الإدارة الاستراتيجية المعاصرة (مفاهيم وتطبيقات عملية) «التطلع المستقبلي الذي يحدد توجه ورغبة المنظمة نحو تحقيق جوانب نجاح وتميز مرغوبة مستقبلا».. مثالا على ذلك هي رؤية الشركة العملاقة مايكروسوفت «حاسب آلي لكل مكتب وحاسب آلي لكل منزل» مثل هذه الرؤية لن تتحقق بسهولة ما لم تحدد المنظمة سلما من الخطوات الواضحة والمدروسة المنتهية بتحقيقها. ومن هنا يجب أن تطوع الأهداف إلى الحد الذي تسمح به الإمكانات والقدرات الحالية للمنظمة, وكلما ارتفعت إمكاناتها المادية وحصتها السوقية وقدراتها العامة فإنها تستطيع رفع مستوى أهدافها تدريجيا من خلال التخصيص الجيد للموارد والاستخدام الفعال لها حتى تصل إلى تحقيق الرؤية المنشودة. إدخال قدر من التحدي «المتسم بالواقعية» للأهداف أمر ضروري لتحفيز العاملين لبذل المزيد من الجهد والبحث عن طرق تحسين العمليات الخاصة بالمستويات التنظيمية للتغلب على هذا التحدي ما دام يتصف بقابليته للإنجاز, أما في حالة كان التحدي غير واقعي فإنه يقلل من حماس العاملين وقد يستسلمون لعدم مواءمته مع قدراتهم. إذا كانت أهداف المنظمة متعددة وكثيرة تتشتت الجهود في محاولة تحقيقها، علاوة على وجود فرصة أكبر للتعارض فيما بينها - وهذا سبب آخر لعدم ترجمة بعض الأهداف إلى الواقع - كما هو رأي أب الإدارة الحديثة بيتر داركر: «أنه من الضروري التركيز على عدد محدود من الأهداف والتي تمثل أهم تلك الأهداف», ويميل أيضا أغلبية المديرين إلى إعطاء أولوية لتقديم الأهداف قصيرة الأجل - لأن نتائجها أسرع - مقابل إهمال موقف المنظمة المستقبلي ولأهدافها طويلة الأجل. فيجب على الإدارة الاستراتيجية الواعية ممارسة الضغوط على المديرين لتحديد الأولويات بعدالة بين الأهداف قصيرة الأجل وطويلة الأجل وتحقيق التوازن بينها لضمان تحسين الموقف السوقي للمنظمة والمحافظة عليه, فالشركات اليابانية - على سبيل المثال - غالبا ما تحرص على إعطاء الأولوية لتحقيق أهدافها الطويلة الأجل من خلال التوسع بالنمو, لأنها تراها أكثر أهمية لرفعها للقدرة التنافسية المستقبلية ومركزها السوقي المستقبلي, على حساب تحقيق الربحية في الأهداف القصيرة الأجل. صياغة أهداف فعالة للمنظمة أمر مهم جدا لأنه على ضوئها تتخذ المنظمة كل القرارات الاستراتيجية مع المواقف المختلفة التي تتعرض لها. ومنها فإن المسؤولية تقع على عاتق المديريين الاستراتيجيين لإزالة الضباب عن الهدف الاستراتيجي الفعال للمنظمة وتذليل العقبات أمام تنفيذه على أرض الواقع, وتهيئة المناخ التنظيمي الملائم من خلال خلق بيئة عمل مثالية تخلق لدى العاملين الولاء لمنظمتهم لأنهم سيكونون حتما أكثر إنتاجية في العمل، وأكثر رغبة في التطوير وأكثر حرصا للوصول بالمنظمة إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية. وأخيرا فإن الأهم من التقدم بسرعة هو التقدم بالاتجاه الصحيح والسعي المستمر لتحقيق الأداء المتفوق والميزة التنافسية والسعي إلى صياغة أهداف فعالة واضحة قابلة للتحقق ووضعها في نطاق المستوى التحفيزي الذي يثير التحدي ويستحث الأداء, والحرص على تكيفها مع التغيرات غير المتوقعة في بيئة الأعمال, بدلا من الاعتماد على انتظار تحقق أمنيات النجاح أو التعبيرات الجمالية وخروجها من الورق وحدها.
إنشرها