( أبو) ريالين .. والفكر الإستراتيجي !!

( أبو) ريالين .. والفكر الإستراتيجي !!

عنوانٌ غريبٌ، يجمع بين كلمتين متباينتين: كلمة (أبو ريالين) وهي محلاتٍ توصف بأنها محلاتٌ للطبقة الكادحة، وكلمةٍ رنانةٍ يتشدق بها الكثيرون .. فيا ترى ما هذا الربط المتأرجح بين هذا اللون (الساذج) من التجارة و(الإستراتيجية) ؟ مع بداية كل فصل دراسي وفي المواسم والجمع ..بل لا نبالغ إذا قلنا كل يوم نجد‘ زحاماً عند محلات ( أبو) خمسة ريال و( أبو ) ريالين فما سبب هذا الزحام؟ هل هي تقدم بضاعة (استثنائية)؟ لماذا انتشرت ونجحت هذه المحلات ؟؟لماذا هذا الهجوم عليها من محلات القرطاسية ؟ كل هذا يولد لدينا سؤال - ربما هو مفتاح الإجابة - ألا وهو : ما هي سياسة هذه المحلات ؟ ولنقرن هذا السؤال بسؤال قد يفتح آفاقاً للإجابة ألا وهو لماذا بالمقابل محلات الساعات الفاخرة (luxury watch) تبيع باليوم الواحد ساعة واحدة فقط و مع ذلك تربح ؟ مع فارق البضاعة وفارق السعر! إن ( التشخيص) الأمثل لهذه الحالة هو أن هذه النوعية من المحلات قدمت قيمة للعميل. فالسلع متشابهة عند هذه المحلات وعند من يبيعها ب20 فما فوق..الجودة يمكن مقارنتها بما هو موجود في المحلات العادية ولكن السعر اقل! فكيف كان هذا الفرق وكيف كان هذا التميز لمحلات أبو ريالين ؟ مع ملاحظة أنني لا أقر بيع البضائع الرديئة في الجودة والتي قد تسبب مشاكل كالمواد الكهربائية التي تؤدي إلى نشوب حرائق أو ما إلى ذلك، ومثل تلك البضائع الرديئة يجب منعها بصرامة، وإنما حديثي عن البضائع ذات الجودة الجيدة أو المقبولة. لو رجعنا إلى التحليل كي نتعرف على أسرار نجاح محلات أبو ريالين في (اصطياد) الزبائن، فإن البداية يمكن أن تكون من خلال ما يطلق عليه Value) (customer والتي تعني حصول العميل على القيمة التي ينشدها وقدرة المنتج على تلبية حاجاته. لننطلق لمعرفة السر في محلات (أبو) ريالين و(أبو) خمسة ولنحاول معرفة دوافع المستهلك ,التي (اقتنصتها) بذكاء هذه المحلات لتجتذب إليها المستهلكين وتشبع حاجات لديهم..والتي تغريهم بتكرار عملية الشراء وتجعل هذه المحلات محط أنظار المستهلكين وربما قبلهم مختصي الإدارة والاقتصاد. وفق أدبيات الإدارة الاستراتيجية يمكننا القول بأن هذه المحلات تتبع إستراتيجية (التركيز مع خفض التكلفة)، حيث ركزت على مجموعة المشترين متوسطي ومحدودي الدخل مع خفض التكلفة للمنتج.اختارت الشريحة المستهدفة المناسبة في ظل الظروف الحالية والمتمثلة بالركود الاقتصادي . فهي أشبعت حاجاتهم وبسعر يناسبهم أو بالأصح يقدرون عليه. حددت وضعيتها بالسوق(positioning)نجحت في إيجاد علاقة متينة بين منتجاتها وانخفاض السعر. ورغم أن بعض الصحف تنشر أخباراً ومقالات تحذر من تلك المحلات, إمّا لأسباب صحية , مثل أن دكتورة أمراض جلدية تحذر من الأمراض الجلدية – مثلاً - بسب أقلام ( أبو) ريالين وهل هذا التحذير صدر لأسباب دفاعية عن محلات القرطاسية، إلا أن هذه المحاولات فشلت في تغيير اتجاهات الناس نحو تلك المحلات . وكان من المفترض وربما الواجب, التعرف على سلوك المستهلك للحصول على رضاه والتعرف على ثقافة المجتمع واتجاهاته.. فالمجتمع السعودي مجتمع استهلاكي من الدرجة الأولى فما الذي يجبر صاحب الدخل المتوسط أو المحدود على شراء حقيبة مدرسية (ماركة) عالية السعر بسبب الصورة الكرتونية لشخصية (فولا )أ و (سبايدرمان) والحقيبة موجودة بسعر منخفض للغاية عند (أبو) خمسة ريال ( !! ) وحتى نكون عقلانيين ، نكاد نجزم أن هناك فرقا بالجودة لكن هذه الجودة يذيبها الفرق الكبير بالأسعار ، ويقلل أهميتها طبيعة المجتمع الاستهلاكي للشريحة المستهدفة (إستراتيجية التركيز على قطاع في السوق) ، بل, وربما يلغيها, حيث أن البضائع هي بضائع غير معمرة Non Durable بالمصطلح الاقتصادي. محلات (أبو )ريالين رغم بساطة عرضهم وتعاملهم (كما قد يبدو للبعض) إلا أنهم يطبقون بعض أبعاد الإدارة الإستراتيجية تطبيقاً ذكياً.ولنوضح ذلك فإن الإدارة الإستراتيجية بأبسط صورة كما يعرفها كل منPearce و Robinson بأنها "مجموعة من القرارات والتصرفات التي يترتب عليها تكوين وتنفيذ الخطط المصممة لتحقيق أهداف المنظمة" والإدارة الإستراتيجية لها عدة مراحل , منها تحليل البيئة الخارجية والداخلية وانعكاس ذلك على التحليل المشهور وهو تحليل SWOT ,فإدارات (أبو) ريالين درست السوق, واكتشفت أن هناك فرصا في السوق يقابلها تهديدات, ودققت داخلياً بنقاط القوة والضعف, فوجدت أن تواجد منتجات عديدة رخيصة تحت سقف واحد هي نقطة قوة وفرصة جذابة تحتاج للاستغلال. بعدها درست البدائل المتاحة و وتم الاختيار الاستراتيجي, ثم ما تلا ذلك من تنفيذ لهذه الإستراتيجية بأبعادها والتي تعتبر المرحلة ما قبل الأخيرة . ولم تكتفِ محلات أبو ريالين بهذه المراحل بل أكملت عملها بفاعلية فراقبت وقيمت مدى إشباع حاجات عملائها , وتابعت عن كثب التغيرات التي تطرأ على السوق. قبل الختام , هي ليست دعوة للشراء من ( أبو ) ريالين، أو التغاضي عن أخطائها وتجاوزاتها في بيع بعض البضائع الرديئة, ولكنها دعوة لتفحُصٍ وتحليلٍ و" تفكيرٍ أعمق" في التحليل للظواهر الاقتصادية والأعمال التجارية,فان كنت صاحب شركة أو تنوي تنفيذ مشروع تجاري فاعرض ما يحتاجه المستهلك وفق ما يريد هو وليس ما تنتجه أنت.. وفق ما تريد أنت ! ويلخص ذلك باحثان عربيان الدكتور ثابت إدريس والدكتور مرسي بالقول " لا تحاول تعريف مجال نشاطك في ضوء ما تقدمه من منتجات بدلا من ذلك عرفه في ضوء الحاجات الأساسية للمستهلك والتي تحدد سلوكه نحو تلك المنتجات ".
إنشرها

أضف تعليق