Author

مدينة المعرفة الاقتصادية

|
ينتهي غدا الأحد الاكتتاب في شركة مدينة المعرفة الاقتصادية, ويمكن النظر إلى مشروع هذه المدينة من زاويتين: الزاوية الفردية عن جدوى الاكتتاب فيها، والزاوية الوطنية عن مدى مساهمة هذه المدينة في تدعيم اقتصادنا الوطني, فمن حيث الزاوية الأولى، فقد سألني كثيرون عن رأيي في الاكتتاب فيها نظرا لأن هذا الحدث أعاد إلى البعض المخاوف من حكاية المدن الاقتصادية, فبعد أن حظيت فكرة المدن الاقتصادية قبل خمس سنوات باهتمام وزخم كبيرين، خف هذا الزخم لعوامل عديدة وانتهى الأمر بأن ما شاهده الناس على الواقع لم يرق حتى الآن إلى مستوى الآمال التي علقت عليها لا من حيث الإنجازات ولا من حيث الشفافية. قلت لمن سألني إنني اكتتبت في هذه الشركة تبركا لأنها ستكون في خير البقاع بعد بيت الله المحرم, لكن نبهت إلى أنه ينبغي النظر إلى الاكتتاب في مثل هذه المشاريع على أنه استثمار طويل الأجل وليس من أجل المضاربة, فعدد الأسهم المطروحة كبير، وربما ينخفض سعر السهم بعد الاكتتاب، وحينها ستكون الفرصة مواتية للواثق من مستقبل الشركة للتجميع لمن استهدف الاستثمار طويل الأجل، خاصة أن التخصيص ربما لا يمنح الأفراد عدد الأسهم التي رغبوا فيها، وهو أمر متوقع. لكن بجانب العاطفية الدينية، فإن عوامل نجاح هذه الشركة ـ في تقديري - كبيرة ومخاطر الاستثمار فيها متدنية ومدروسة، ذلك أن الجانب العقاري فيها يكفي وحده لتوفير الطمأنينة على الرغم من أن فكرة المدينة أكبر من مجرد إقامة ضاحية عقارية قريبة من المنطقة المركزية في المدينة المنورة، فهي تشمل مشاريع تعليمية وصحية وتجارية. كما أن مشروع هذه المدينة أكثر وضوحا وشفافية حتى الآن من غيرها, فالمؤسسون يوحون بالثقة، وسعر الاكتتاب لم يتضمن علاوة إصدار على الرغم من أن المؤسسين وضعوا الأموال قبل نحو أربع سنوات، ومنها قيمة الأرض المقامة عليها التي قدرت عند التأسيس قبل أربع سنوات بمليار ريال، وهذه الأرض ارتفع ثمنها الآن. وفي كل الأحوال، فإن الشركة لجأت إلى طرح جزء من رأسمالها للاكتتاب العام، ليس عجزا عن تدبير مبلغ الاكتتاب البالغ أكثر من مليار ريال، فالمؤسسون أو أحدهم قادر على تغطية هذا المبلغ، بيد أن القوانين المنظمة لعدالة التوزيع، التي نادينا بها قبل أربع سنوات وتم بحمد الله الأخذ بها من قبل هيئة سوق المال، تفرض على المؤسسين طرح ما لا يقل عن نسبة 30 في المائة من رأس مالها للاكتتاب العام. أما من حيث دور هذه المدن في تدعيم اقتصادنا الوطني، فالواقع أنه حينما أعلن قبل نحو خمس سنوات عن فكرة إقامة مدن اقتصادية بتكاليف أولية فاقت قيمتها 320 مليار ريال سعودي، لقيت هذه الاستراتيجية ترحيبا وقبولا واسعين من المراقبين والمختصين الاقتصاديين باعتبارها تعزز هدفنا في رفع معدل نمو اقتصادنا بما يفوق معدل نمو السكان. واعتبرت فكرة هذه المدن حينها أنها وسيلة من وسائل استثمار فوائض النفط من أجل تنويع القاعدة الإنتاجية وتطوير قطاع الصناعات التحويلية لزيادة صادراتنا غير النفطية. كما كان من ضمن الأهداف التي ستخدمها هذه المدن تنشيط التنمية المتوازنة في جميع مناطق المملكة. خاصة أن تجاربنا السابقة مع تقلبات عوائد النفط اقتضت ضرورة حماية اقتصادنا بتخفيف اعتماده على النشاط الحكومي كمحرك لقاطرة الاقتصاد وكمولد أساسي للوظائف، فعمدت الحكومة على تخصيص منشآتها ذات الطابع الإنتاجي التجاري وتشجيع زيادة مساهمة النشاط الاقتصادي الخاص في الحراك الاقتصادي الكلي. ونظرا لأن قطاع الخدمات أضحى ينظر إليه عالميا كأكثر القطاعات الاقتصادية نموا وقدرة على توفير الوظائف في القرن الأخير، فقد اقتضى الأمر الأخذ بمبادئ الاقتصاد المعرفي والعمل على نقل التقنية وتوطينها من خلال فتح قطاع الخدمات للاستثمار المحلي والأجنبي، والعمل في الوقت ذاته على إعادة هيكلة مخرجات التعليم بهدف توفير الكفاءات الوطنية الملائمة لمتغيرات مرحلة ثورة الاتصالات. وهذا من ضمن ما تهدف إليه مدينة المعرفة الاقتصادية، فهي تعد بإقامة بيئة ذكية, كما تعد بتوفير 20 ألف وظيفة. وهذا مهم, لأن الملاحظ هو انخفاض عدد المواطنين العاملين في قطاع الخدمات في اقتصادنا، وتواضع نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي التي تصل إلى نحو 40 في المائة فقط، وهي من أضعف النسب بين دول العالم، حيث تراوح هذه النسب بين 60 في المائة في بعض الدول النامية كالبحرين، حتى تصل في بعض الدول المتقدمة إلى نحو 85 في المائة في كل من أمريكا واليابان. لا شك أن تطورات أزمة المال العالمية في السنتين الماضيتين أثرت في إجراءات تنفيذ المدن الاقتصادية، والظاهر لنا حتى الآن أن مدينة المعرفة تخطت هذه الظروف وبدأت في الانطلاق، لكني ذكرت أخي الدكتور سامي باروم رئيس مجلس إدارة الشركة وأخي الأستاذ طاهر باوزير رئيسها التنفيذي, بأن نجاح المدن لا يقتصر على إقامة الهياكل الأسمنتية والبنى التحتية Hard ware, بل الأهم هو البراعة التنظيمية والإدارية Soft ware، كما رجوتهما ألا تقتصر دراسات الجدوى على الجوانب الفنية والهندسية والاقتصادية, بل ضرورة أن تضم النواحي الاجتماعية, نظرا لقدسية المدينة.
إنشرها