Author

«تشفير» الواقع!

|
يكذبُ من يقول: إن الواقع لغزٌ لا أعلم له حلاً.. لماذا؟! ببساطة شديدة.. الواقعُ صناعة بشرية مَحْضَة، وكلٌ له في إنتاجه نصيب، مهما كانت قدراته أو مؤهلاته، بل إن الإنسان ذاته، بما يحمل من مزايا أو عيوب، يمثل ركناً رئيساً في تشكيل هذا الواقع! لكن العجيب في الأمر هو: أن شرائح كثيرة في المجتمعات العربية باتت تعتقد ببراءة جانبها من كل ما يحدث في واقعها من مظاهر سلبية، وتعلن ذلك على الملأ، في تحد سافر لكل قواعد المنطق وتحمل المسؤولية، وكأن خلقاً آخرين جاءوا - وهم لا يشعرون - فصنعوا لهم واقعاً رديئاً ثم قذفوهم فيه.. فأي منطق هذا؟! وهنا تبرزُ بعض الأسئلة: - هل نملك ثقافة مواجهة النفس بعيوبها، وردها إلى الصحيح من القول والفعل، متى تبين لنا ذلك؟! - هل نملك نفس الجدية والحسم في مواجهة نقائص الذات، كما نملكها تجاه عيوب الآخرين؟! - وهل توازنت أقوالنا مع أفعالنا، ونحن نعدد سلبيات المجتمع، بمعنى أن يكون الناقد صورة صادقة لما يدعو إليه؟! الحقيقة نحن أمام تفنيد عيوب الآخرين جهابذة، وأمام تفنيد عيوب النفس تلامذة، وعليه فلن يتغير شيء ما دام كل منا يرى أنه على الصواب المُطلق، وأن ما سواه على الخطأ المُطلق، لأن المجتمع سيتحول إلى فرق من النقاد ينقد بعضها بعضاً، ومن ثم سنتحول شيئاً فشيئاً إلى ظاهرة كلامية لا يترتب عليها أي أثر. ثم إن حالة العويل من مرارة الظروف، أتصور أنها ليست صادقة في بعض جوانبها، وإن كشفت عن حيلة للهروب من مواجهة الحقائق، عبر تقتيم الصورة وتضخيم العيوب وتعقيد المشكلات، بحثاً عن عذر ملائم يتوافق مع السلبية والانهزامية وضعف الإرادة.. وهؤلاء كمن يصرخون عنْ بُعْدٍ من نيران مُحْرقة، حتى لا يتهمهم القادمون للإطفاء بإضرامها! ولعل أبرز صورة لتحويل الواقع إلى لوغاريتم كبير، هي تغييب العقل عن التفكير والإدراك عبر تعاطي المُسكرات أو المُخدرات أو نحوهما، بحثاً عن واقع وهمي يمنح صاحبه شعوراً بخصائص حُرِمَ منها في دنيا الحقائق المجردة. إذن ما الحل؟! (1) شعور المرء بنفسه، واعتزازه بمهنته، ورصده عيوب نفسه، ثلاثية تشكل في رأيي بداية ميسورة لدى كل إنسان يطمح إلى إصلاح حياته وواقعه على نحو ما يتمنى. (2) عقد العزم على الجدية في كل أمر، والإتقان في أي عمل مهما كان بسيطاً، ومهما كان العائد المادي من ورائه، مع اليقين الجازم بأن الإتقان في كل شيء طريق سحري للقضاء على كثير من المظاهر القبيحة. (3) أن يعرف كل فرد حدوده جيداً فلا يتعداها، وأن يعرف دوره فيؤديه بذمة وضمير، وأن ينشغل بالعمل المفيد، وأن يترك الثرثرة والتدخل فيما لا يعنيه. (4) أن يكون الفرد إيجابياً، يتعامل مع ما تفرزه حركة البشر بشيء من الوعي والتحضر والرقى. (5) ضبط النفس على الأخلاق الحميدة، والسلوكيات الرشيدة. لقد سمعت كلمة من عالم جليل في شأن إصلاح الحياة حين قال ''نستطيعُ أن نُصلح الواقع في يوم وليلة''.. كيف يا رجل '' قال: يعقد كل منا النية قبل أن ينام على إتقان ما هو مسؤول عنه إذا جاء الصباح''. ويبقى الشعر.. قال الشافعي، عليه من الله الرضوان: دَعِ الأَيّـــامَ تَـفـعَلُ مــا تَـشـاءُ وَطِـب نَـفساً إِذا حَـكَمَ القَضاءُ وَلا تَــجـزَع لِـحـادِثَةِ الـلَـيالي فَــمـا لِــحَـوادِثِ الـدُنـيا بَـقـاءُ وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً وَشـيمَتُكَ الـسَماحَةُ وَالـوَفاءُ وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا وَسَـرَّكَ أَن يَـكونَ لَـها غِطاءُ تَـسَـتَّر بِـالـسَخاءِ فَـكُـلُّ عَـيبٍ يُـغَـطّـيهِ كَــمـا قـيـلَ الـسَـخاءُ وَلا تُــــرِ لِــلأَعــادي قَـــطُّ ذُلّاً فَــإِنَّ شَـمـاتَةَ الأَعــدا بَـلاءُ وَلا تَـرجُ الـسَماحَةَ مِـن بَخيلٍ فَـمـا فـي الـنارِ لِـلظَمآنِ مـاءُ وَرِزقُـكَ لَـيسَ يُـنقِصُهُ الـتَأَنّي وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ وَلا حُــزنٌ يَــدومُ وَلا سُــرورٌ وَلا بُــؤسٌ عَـلَـيكَ وَلا رَخــاءُ إِذا مــا كُـنـتَ ذا قَـلـبٍ قَـنـوعٍ فَـأَنـتَ وَمـالِـكُ الـدُنـيا سَـواءُ وَمَــن نَـزَلَت بِـساحَتِهِ الـمَنايا فَـــلا أَرضٌ تَـقـيهِ وَلا سَـمـاءُ وَأَرضُ الـلَـهِ واسِـعَـةٌ وَلَـكِن إِذا نَـزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ دَعِ الأَيّـــامَ تَــغـدِرُ كُــلَّ حِـيـنٍ فَـما يُـغني عَنِ المَوتِ الدَواءُ عدد القراءات:1144 * "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"
إنشرها