Author

معظم شبابنا لا يتقبلون العمل الميداني الشاق!

|
الشباب هم عماد الأمة, وهم أمل المستقبل, وهم الذين يستطيعون بقوة عزمهم وفي قمة شبابهم أن يستوعبوا من العلوم الحديثة ما يفتح لهم الطريق إلى الإبداع والعمل الجاد الذي يرفع شأن بلادهم وأمتهم إلى مصاف الأمم المتقدمة. ما الذي يمنع من ذلك واليابان قامت من تحت أنقاض الحرب العالمية الثانية لتصبح بعد سنوات قليلة، بسواعد وعقول أبنائها، في مُقدمة العالم صناعيا وتكنولوجيا؟ ولننظر إلى بلاد مثل كوريا الجنوبية التي هي الأخرى خرجت من حرب أهلية مُدمِّرة، وفي خلال عقود قليلة أصبحت دولة صناعية مُتقدمة. وكلتا الدولتين تستوردان معظم ما يحتاجان إليه من مصادر الطاقة، ولم يمنعهما ذلك من توظيف طاقات الشباب الهائلة في الأعمال المُنتجة. لكن ماذا عن معظم شبابنا الذين يبحثون دائماً عن الطريق السهل والمكاتب المكيَّفة والعمل القريب من منزل الأهل، وإذا لم يتوافر لهم ما يُحبون فضلوا الجلوس في البيت وأصبح ليلهم نهارهم ونهارهم ليلا، فيُصابون بالخمول البدني والذهني ويعيشون عالة على أهلهم ومجتمعهم. ونحن هنا لا نُعمم، فهناك قلة من أبنائنا هم مثال للشباب النشيط الجاد ويبحثون عن التحدي ليُمارسوا طموحاتهم التي ليس لها حدود. ولعل من أهم الأسباب التي تجعل شبابنا الأقل إنتاجية بين الشعوب المتحضرة، هي دون أي شك, الرفاهية التي يعيشونها بين أهليهم. فإضافة إلى رغد العيش، الذي وهبنا إياه نحمده على فضله ومنته وكرمه، فهناك أمور كثيرة من وسائل الترف واللهو طرأت على حياتنا خلال السنوات الأخيرة وغيرت سلوكنا ومجرى حياتنا, فأمام الشباب اليوم من خيارات اللهو ما لم يكن موجوداً في عهد طفولتنا منذ 70 عاماً، ولا حتى الجيل الذي بعدنا مباشرة. فقد امتلأ الفضاء اليوم بالفضائيات مُتعددة المشارب والاتجاهات، ومواقع الإنترنت المُشبعة بالغث والسمين وفيها ما لا يُحصى من المعارف والمعلومات المفيدة والماتعة, وفيها أيضا أقبح ما يمكن أن يقرأه و يُشاهده إنسان، وكل ذلك تحصل عليه بلمسة زر وأنت مُرتاح في بيتك. أما الجوالات وأجيالها المُطورة التي لا يخلو منها جيب أحدنا، فتكفي وحدها لإشغال الأمة بأمور جُلها تافهة ومضيعة للوقت. وأصبح الجوال وكأنه قطعة من أبداننا أو عضو من أعضائنا، لا يُفارقنا طوال يومنا ولا وقت نومنا ولا حتى أثناء تأدية صلواتنا. وكثير من الشباب يمتلك الواحد منهم مركبة جديدة، بفضل من الله ثم الوالدين الذين عادة لا يألون جُهداً في إسعاد أولادهم حتى ولو كان لذلك عواقب تربوية غير محمودة ويُعرضهم للوقوع في حوادث مرورية مؤلمة. فإذا كان شبابنا يملكون كل هذه الوسائل الترفيهية بمقادير مُختلفة وعلى مدار الساعة، فما الذي يحملهم على البحث عن عمل لا يتناسب مع رغباتهم، مع غياب الطموح الشخصي، وعلى وجه الخصوص عند ما تكون الأحوال المالية للعائلة مُتيسرة؟ وهكذا أصبح شبابنا ينتقي الأعمال التي يريد أن يلتحق بها، إن تيسرت وإلا فلا عجلة من أمرهم. ولذلك لا تجد مواطناً مهما بلغت به الحاجة يعمل في الوظائف الحرفية و المهنية الشعبية مثل النجارة والحلاقة والسمكرة وأعمال البناء وعمل الخبز والمعجنات وأعمال الخياطة، والأعمال الخدمية بأنواعها، رغم بساطتها ووفرة مدخولها. وما شجع أفراد المجتمع على الابتعاد عن تلك المهن على أهميتها، السماح بجلب أعداد هائلة من العمالة الأجنبية للقيام بجميع أنواع المهن وبتكلفة مُتدنية إذا قورنت بمستوى المعيشة في بلادنا. حتى وظائف البيع والشراء في المحال التجارية الصغيرة التي يشغلها الآن مئات الألوف من الوافدين، وهي لا تتطلب أي مستوى من المهارات الفنية، نُشاهد أبناءنا محجمين عن شغلها، رغم كون معظمها يُؤدَّى في بيئة مُكيفة ومُريحة. وإذا كان من الأسباب التي لا تُشجع أبناءنا على قبول أكثر الأعمال المتوافرة هي تدني المكافآت الشهرية، فهذه قضية من السهل حلها بفرض حد أدنى للأجور بالنسبة للمواطنين. وحتى لا نُلقي كل الملامة على الشباب، فتلك نتاج تربيتنا وقصور في فهمنا وعدم إدراكنا أن التراخي معهم ومنحهم حُرِّيات أكثر من اللازم أساؤوا استخدامها. وقد انفردنا بين دول العالم بعادة قضت على هممنا ونشاطنا وحولت نُزلاء بيوتنا من زوجات وبنات وأبناء إلى مجموعة '' تنابلة '' لا يخدم أحدهم منهم حتى نفسه، ألا وهو استقدام عاملات المنازل وسائقي المركبات. نحن الآباء وأولياء الأمور مسؤولون إلى درجة كبيرة عن سلوك أبنائنا وتوجيههم الوجهة الحسنة، ليس بالإغداق عليهم وهم لا يزالون في سن مبكرة، بل اتباع طرق الاعتدال في جميع شؤون حياتهم وإشعارهم بمعنى تحمل المسؤولية والاعتماد على الله ثم على أنفسهم حتى ولو كنا نملك أموالاً طائلة، فهي ستؤول إليهم. لكننا أبعد ما نكون عن المثالية، فحتى مُتيسِّرو الحال لا يألون جُهداً في تلبية طلبات أولادهم في أمور ليست من ضروريات حياتهم. وأذكر موقفا حصل لي مع أحد الأقارب عندما بدأ أحد الأبناء يلحُّ بطلب شراء مركبة جديدة وهو لا يزال في صف أولى ثانوي، أسوة بأصحاب له في سنه. فتدخلت أنا في الموضوع وأقنعته بأنه لا يزال صغيراً على تملك مركبة هو ليس في حاجة إليها. وسألت أهله عن الأحوال المادية لزميله الذي يملك مركبة وهو لا يزال في سن ابننا. فدهشت عند ما ذكروا لي أن أهل صديقه هذا فقراء وقد اقترضوا بعضاً من قيمة المركبة من أجل إرضاء خاطر ابنهم! ونحن نعلم أن مثل هذا التصرف ربما يؤدي إلى عواقب وخيمة ضد مصلحة الابن، من تعرُّض للحوادث والابتعاد عن البيت لأوقات طويلة وصرف عن مراجعة مُقررات الدراسة، إضافة إلى زيادة النفقات الشخصية إذا كانت حالة الأسرة مُتوسطة. وفي غياب النشاط الذهني والرغبة في الإنتاج وحب الركون إلى الراحة، يتساءل المرء: ما الفرق بين شبابنا وشباب اليابان والصينيين والكوريين وأمم كثيرة من حيث التركيبة البدنية والذكاء الفطري؟ من المؤكد أن شبابنا لا يقلون عن أولئك بأي صورة كانت، ولو قُدِّر لهم أن يعيشوا في تلك البلدان من الصِّغر لما شاهدت فرقاً بينهم وسيقومون بأداء الواجبات كاملة ولا ترى أثراً للخمول والكسل المُتفشي بين أبنائنا. وكثيراً ما نتحدث عن تفشي البطالة بين الشباب دون أن نُعرِّف نوع البطالة التي يُعانيها بعض المواطنين في هذا البلد المُعطاء. ونحن لا نبحث عن تعريف علمي مُوسِّع وشامل يُفسر لنا سبب عدم انخراط كل من يرغب العمل، والجواب سهل ومُتيسر. نحن ليس لدينا بطالة، بل لدينا عطالة كما سماها أخونا الفاضل المُبدع الدكتور أنور أبو العلاء، (3 أبريل 2010، صحيفة ''الرياض''). فبلد يعمل فيه ملايين الأجانب وفي جميع الحرف والمهن يستطيع أن يُوفر ملايين الوظائف لأبناء الوطن لو تتوافر الرغبة الجادة وتتربى الأجيال على نبذ الكسل والخمول والقبول بأي مصدر للرزق. ونحن لا نُغفل الدور المهم الذي يجب أن تقوم به الجهات المعنية حول تحديد الحد الأدنى من الأجر الذي يتناسب مع مستوى المعيشة، وفي الوقت نفسه، فرض شروط قاسية ومُكلفة على مُستقدمي العمالة الأجنبية.
إنشرها