Author

طبيب سعودي .. عز الله طبعنا!!

|
وأنا أشاهد نقل إحدى القنوات الفضائية العربية عملية فصل التوأمين الأردنيين يوم الخميس الماضي وما تبع ذلك النقل المباشر من تعليقات للمشاهدين كلها تثني على النجاح الكبير الذي حققه الأطباء السعوديون، وتعتبر ذلك مفخرة للعرب جميعاً، تذكرت قصة جرت قبل ما يزيد على ربع قرن ورواها صديق عن والده الذي اعتاد التردد على طبيب أسنان من الإخوة العرب في مركز صحي بجوار منزله، وفي أحد الأيام وحينما دخل ذلك الرجل عيادة الطبيب شاهد سعودياً جالساً على كرسي الطبيب، فتراجع يريد الخروج، فقال له ابنه إن هذا هو طبيب الأسنان الجديد، وأصر على والده أن يدخل ليكشف عليه، فدخل الرجل وهو يردد بعفوية بالغة ''عز الله طبعنا''*. يقول ذلك الصديق إن الطبيب شعر بخوف والده فقام وسلم عليه وأخذ يتحدث معه، ثم أجلسه على الكرسي وأخذ يثني عليه وعلى اهتمامه بأسنانه ويطمئنه أنها بحالة جيدة، ومع مرور الأيام أصبح والده يأنس بمراجعة ذلك الطبيب ويثق به ويتقبل نصائحه، بل ويسأله عن أمور أخرى لا علاقة لها بالأسنان. ردة فعل ذلك الرجل لو استمرت من طوائف كثيرة من المجتمع، لما وجدنا طبيباً سعودياً يشار إليه بالبنان، ولأصبح وجود الطبيب السعودي محل استغراب ونفور، كما هو حاصل الآن مع أي سعودي يمارس عملا اعتدنا ألا تقوم به إلا العمالة الوافدة. وما حققه الأطباء والطبيبات السعوديون من نجاحات، سواء في مجال الطب على مختلف تخصصاته، أو في مجال الأبحاث الطبية، أنموذج كان من المفترض أن يعمم على المجالات أخرى، ففي مجال الطب كان هناك تميز جعل من الطبيب السعودي كفاءة تقدم لها الإغراءات في كل مكان، بما فيها بعض الدول الغربية التي يتلقى فيها بعض الأطباء السعوديين تخصصاتهم الدقيقة، كما أن النجاح لم يقتصر على الذكور دون الإناث، بل شمل الجنسين ودون حساسية من المجتمع. والغريب أنه في الوقت الذي نشهد فيه تميز الأطباء السعوديين ونجاحهم، نجد أن هناك قصوراً واضحاً في مجال التخصصات الطبية المساندة مثل الممرضين وفنيي الأشعة والتخدير، بحيث أصبح هناك اعتماد شبه كامل على الاستقدام من الخارج على الرغم من وجود معاهد تخرج أعداداً كبيرة، بعضهم لا يجدون عملا، رغم أن تأهيل كثير منهم يماثل إذا لم يتفوق على تأهيل بعض من يتم استقدامهم. إن أية مهنة لا يمكن توطينها إلا إذا وفرت لها فرص النجاح، وفرص النجاح لا تأتي من خلال إغراق السوق بعمالة وافدة متدنية الأجور، ثم مطالبة المواطن بأن ينافس هؤلاء، دون حماية له، أو حفظ لحقوقه. والإشكالية التي تنجم عن الاعتماد على الاستقدام، إضافة إلى التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وتزايد أعداد الذين يعانون البطالة، تتمثل في أن الاستقدام لا يوفر خبرات، ولا يصنع جيلاً عاملاً، بل يصبح العامل الوافد هو محور التنمية، وبذهابه تتوقف عجلة الحياة، لأن البديل لم يهيأ ويُعد للقيام بهذه الأعمال. * ''طبعنا'' تأتي في لهجة سكان بعض دول الخليج وأجزاء من نجد بمعنى خسرنا، وهي تطلق غالباً على المركب الذي يغرق في البحر فيقال بأنه طبع.
إنشرها