أخبار اقتصادية

الأزمة المالية العالمية.. زوبعة خارج الفنجان

الأزمة المالية العالمية.. زوبعة خارج الفنجان

الأزمة المالية العالمية.. زوبعة خارج الفنجان

صدر للكاتب والإعلامي الزميل محمد كركوتي (من كُتاب ''الاقتصادية'') كتابه الثاني في غضون عام واحد عن الأزمة الاقتصادية العالمية، بعنوان عزّ عليه أن يكون تقليديا، فعنونه بـ ''زوبعة خارج الفنجان''، وعنوان فرعي استخدم فيه مقاربة حسابية على الشكل التالي '' نمو+ فقاعة X فساد – مسؤولية = أزمة''. يقول كركوتي في تقديم كتابه :'' لولا الضرورات المهنية لأضاف كلمة ( جشع) إلى عنوانه الفرعي، وبذلك تكتمل صورة الأزمة، بأوضح رؤية.. لكن بأقبح منظَر''. ولو استطاع أن ينشره بعنوانين فرعيين، لأضاف ''المال يتكلم .. ويشتم أيضاً''. فالعنوان الأول يكمل الثاني، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وأخلاقياً. #2# يصدر هذا الكتاب، عن ''مركز الإمارات للدراسات الاقتصادية'' الذي يتخذ من أبوظبي مقراً له، استكمالاً لكتابه الأول ''في الأزمة''، حيث يعرض الكارثة الاقتصادية، بحقائقها ومصائبها، بصدماتها وبدهياتها، بجرائمها و''جُنَحها''، بعنفها الكبير و''فجورها'' الأكبر. ويرى كركوتي، أنه على الرغم من الانتعاش الهش أحياناً، والمقبول أحياناً أخرى، إلا أن هذه الأزمة ستبقى مستحقة لعديد من الكتب والبحوث والدراسات العربية لفهم جوانبها بصورة أعمق، ولكن بصورة يسيرة الوصول. أما لماذا يسيرة الوصول؟ فلأنها ضربت بأعاصيرها، كل شيء وأي شيء. أصابت رؤساء دول ومؤسسات قيل إنها لا تُقْهر، وأصابت أيضا عمال التراحيل وأسواق بدائية تُقْهر على أي حال! خصوصا أنه لم يتم العثور على ناجين في هذه الأزمة، أما جرحاها فسيظلون لزمن طويل يعيشون آلام الجراح. يعتقد الكاتب، أن الأزمة تحدث الآن، طالما أن عمليات التحفيز والإنقاذ والإسناد الحكومية متواصلة، وطالما شددت المؤسسات الدولية الكبرى وفي مقدمتها '' صندوق النقد والبنك الدوليين''، على أن توقف هذه العمليات يهدد كل خطوة نحو الانتعاش. والمصيبة أن الانتعاش الحقيقي المرجو، لا يوجد ''على الناصية''، وليس قريباً من الآمال. فحتى المتفائلين يتحدثون عن خمس سنوات أخرى، لخروج الاقتصاد العالمي نهائياً من '' الزجاجة''! فالأزمة التي انفجرت في القطاع المالي – المصرفي، وصلت شظاياها إلى مناطق في هذا العالم، لم تعرف بعد بوجود مصارف، وأماكن لا يزال '' اقتصادها'' قائما على المقايضة! يضاف إلى ذلك، أن الأزمة ستواصل '' حدوثها الآن'' طالما ظل العالم بلا نظام اقتصادي جديد، يستبدل بصورة كاملة ذلك النظام، الذي حضَر أزمات لكل عقد تقريباً على مدار سبعة عقود من الزمن. كان – ولا يزال - نظاماً طبقياً متحرراً من كل الضوابط، ولاسيما الأخلاقية منها. كان نظاما استبدادياً، وضع السوق كـ ''آلهة'' وعبدها، وهاجم كل من يشكك في هذه ''ألوهيتها''! الهموم التي أضحت مستقبلاً تضمن ''زوبعة خارج الفنجان'' ثمانية فصول، تناولت كل الجوانب التي نالت الأزمة منها، بما في ذلك الجوانب التاريخية والسلوكية والأخلاقية والإنسانية. ويقول كركوتي في مقدمة كتابه :''جمعت الأزمة الاقتصادية مفردات كنا نسمعها عادة فرادى أو اثنتين مع بعضهما البعض على أكثر تقدير. لكنها وصلت إلينا مجتمعة ومتشابكة ومتناغمة .. ومعبرة أيضاً عن الحقيقة الأكثر غرابة من الخيال!: نمو، جشع، طمع، فقاعة، فساد، غش، وهم، احتيال.. إضافة –طبعا- إلى المفردات الثابتة: فقر، جوع، بطالة، مرض، كوارث، مصائب، آلام، أُميَة، عنجهية، فوقية، طبقية''. ويتابع المؤلف :'' سمعنا عن دول قيد الانهيار، وأخرى (ثملت) منه! رأينا الأمل كيف تحول إلى تاريخ أمام أعيننا، وشهدنا الهموم كيف أضحت مستقبلاً! عرفنا أيضاً، أن الكبير لم يكن سوى جبل من ورق، وأن الصغير ليس إلا تلة يحطمها عصفور!. ويسخر كركوتي من مرتكبي الأزمة ومجرميها بتشبيههم بـ '' المُلهَمين'' ويقول:'' إنها أزمة كاملة، تماماً كالجريمة الكاملة. ومثلما يستطيع المجرم في هذه الأخيرة، الإفلات من العقاب، استطاع مجرمو الأزمة النجاة منه. تركوا مكاتبهم ومؤسساتهم، وتركوا العالم يُحصي عدد ضحاياهم! لم يكونوا اقتصاديين.. بل كانوا إقصائيين.. لم يكونوا مخطئين.. بل كانوا خطائين. لم يكونوا مسؤولين.. بل كانوا قطاع طرق''! سرطان ''وول ستريت'' حمَل الكتاب – كما حمَلت كل الأمم – بورصة ''وول ستريت الأمريكية المسؤولية الأولى. ويصف المؤلف هذه الأخيرة بـ '' السرطان'' وبأنها كانت مسرح الجريمة، لكن الأدلة عمت كل الأسواق. وطرحت السؤال المستمر إلى الآن وإلى ما بعد: أين الأخلاق''؟! ويقول:'' تسألون عن الأخلاق؟! هل كانت موجودة وضاعت؟ أم أنها لم تصل أصلاً إلى ذلك المسرح الفظيع؟! الأخلاق والضمير.. مفردتان نكرتان في عالم احتقر المجتمع، وتعاطى معه كـ (عبد لمسرح الجريمة)، في بلد لم يتخلص إلا ''منذ قليل'' من آثام العبودية! ويبدو أن هذه السوق لا ترغب في أن تتعلم، ولذلك فإنها عرضة – إلى الآن – لانتقادات شديدة وهجوم أشد، لمحاولاتها ممارسة الألاعيب، التي كانت السبب المباشر لأعنف أزمة عرفها التاريخ البشري، حتى أنها فاقت أزمتي '' الكساد الطويل'' والكساد الكبير''، لماذا؟ لأنها كانت أكثر شمولاً على الصعيد العالمي، وأشد دناءة على الصعيد الاجتماعي. ويعرض المؤلف نماذج من ''قتلى الأزمة و''وجرحاها'': المصارف، المؤسسات المالية، الجمعيات السكنية، الأسواق (البورصات)، المشتقات المالية، شركات التأمين، الاستثمارات الخارجية، التحويلات المالية، المساعدات، صناديق التحوط، الصناديق السيادية، الحكومات، الخزائن العامة، الموازنات العامة، التنمية، الإنتاج، التجارة، الصناعة، البشر، العمالة، الجمعيات الخيرية، شركات السيارات، السياحة، التعليم والبحث العلمي، مجموعات الدول الكبرى والصغرى، وكالات التصنيف، المجتمع الدولي، الإعلام، الأخلاق، الضمير. ويقول كركوتي :'' لم ينجُ أحد! وحتى القطاعات المرشحة للنجاة، أجَلت الأزمة نجاتها لأجل يُحسب بالسنوات! لقد ضربت الأزمة العالمية مفاهيم الركود نفسها''. التكاليف يتناول '' زوبعة خارج الفنجان'' تكاليف الأزمة مالياً وإنسانياً. ويقول كركوتي:''كلفت الأزمة العالم – حتى نهاية العام 2009 – أكثر من 11.9 تريليون دولار أمريكي، من بينها أكثر من 4.5 تريليون دولار هي عبارة عن خسائر مصارف (تقديرات الخسائر العربية تحوم حول 2500 مليار دولار).. والخسائر لن تتوقف في المدى المنظور. لقد قزَمت الأرقام الكبرى، فلم يعد المليار دولار رقماَ صادماً. وينقل عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قوله:'' إن أسوأ ما في العاصفة انتهى، غير أن الدمارلا يزال باقياً''. وكان البنك الدولي واقعياً عندما أعلن للعالم أجمع أن آثار الأزمة ''ستؤدي إلى تغيير المشهد العام بالنسبة للتمويل والنمو، على مدى السنوات العشر المقبلة''! العجز في ميزانيات الدول يتفاقم، وعدد الجياع في العالم بلغ 1.02 مليار بشري، وعدد الذين فقدوا وظائفهم في غضون عام تقريباً أكثر من 65 مليون إنسان، والشركات تتخلف عن سداد ديونها، وفي الولايات المتحدة تم إغلاق أكثر من 150 مصرفاً في عام واحد فقط، وتحويلات العمالة تقلصت، ومساعدات الدول المانحة تراجعت، وعمليات تشغيل الأطفال ازدادت، والجرائم البشرية والإلكترونية تعاظمت، وحالات الانتحار في أماكن العمل بلغت 28 في المائة. في أوروبا انتقل ما لا يقل عن 17 في المائة من سكان القارة تحت الفقر. شركة الطيران البريطانية '' برتيش إيروز'' طلبت من موظفيها العمل مجاناً، وحتى القائمين على ''مهرجان كان'' السينمائي، استبدلوا الشمبانيا بالقهوة، لضيق ذات اليد! ويقول المؤلف : ''للمرة الألف ربما .. هذه الأزمة لا (ولن) تشبهها أخرى. هي أزمة أتت بمعاول التكوين، مثلما جلبت معاول التدمير. طرحت لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، ضرورة إنشاء ( وليس إصلاح) نظام اقتصادي عالمي جديد. نظام لا يشبه ''بريتون وودز'' الذي قام في أعقاب الحرب الثانية. نظام يوفر أدوات لإنشاء مصنع عالمي لـ (إنتاج الثقة). (مصنع) عصي على الإغلاق، ينتج سلوكيات اقتصادية ومالية جديدة، تقوم على ما هو موجود في الواقع، لا على ما هو وهم في الخيال. نظام لا يفرز أحداً، ولا يجامل أحداً أيضاً. نظام أخلاقي التكوين''. الكتاب كَتب الغلاف الأخير لـ ''زوبعة خارج الفنجان''، الذي وُضع بلغة تصل إلى القراء، على اختلاف شرائحهم، الزميل ناصر الظاهري، وصمم غلافه الزميل كركوتي نفسه، الذي استعان بلقطة شهيرة لكوكب الأرض من المجال الجوي للقمر، وزعتها قبل أكثر من أربعة عقود وكالة الفضاء الأمريكية ( ناسا)، وكتب عليها '' كرة أرضية للبيع''! واستخدم المؤلف الآليات نفسها التي استخدمها في كتابه الأول '' في الأزمة''، مع بعض الفوارق القليلة. فقد عزز موضوعاته ببيانات وإحصائيات ودراسات، مثلت أساساً له، وحرص على التحري الدقيق لمصادرها. كما أنه ''استحب'' فيه مواصلة نشرالمقولات التاريخية والمعاصرة (المأثورة وغير المأثورة)، كمقدمات لموضوعاته. والشاعر الإسباني غارسيا لوركا حل مكان الشاعر التشيلي بابلو نيرودا في الصفحات الأولى، وقدم الأزمة ''كاريكاتيرياً'' بدلاً من تقديمها ''بصرياً''، ووجد مناسباً – كما جاء في تقديم الكتاب - نشر بعض عناوين الصحف العالمية الكبرى، التي قدمت أبلغ تعبيرعن الأزمة، وبعض أغلفة المجلات العالمية الكبرى أيضاً التي لم تكن أقل بلاغة. ولأن أقوال السياسيين والاقتصاديين باتت مكررة -وأحيانا متناقضة، وأحيانا أخرى بلا معنى – فقد حلت مكانها مجموعة منتقاة من النكات العالمية، التي وفرت بسمة حارقة تتلاقى مع ''نارية الأزمة''. ويرى كركوتي أنه وضع ''زوبعة خارج الفنجان''، كتاباً مكملاً لكتب عربية أخرى، تسهم في تكريس حقيقة أن أحداً ليس محصناً في هذه الدنيا، وأن الذي يرغب في النجاة، لن يفوز بقاربها إذا ما ظل بعيداً عن معرفة أماكن وأسرار صُنعِها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية