FINANCIAL TIMES

تاتشر وبلير يلقيان بظلهما في موسم الانتخابات

تاتشر وبلير يلقيان بظلهما في موسم الانتخابات

يعترف جوردون براون وديفيد كاميرون بأنهما يتفقان على أمر واحد هو أن الانتخابات العامة البريطانية تتعلق بالمستقبل. والمشكلة هي أنه بينما يكشف رئيس الوزراء وزعيم حزب المحافظين عن برامجهما للفترة البرلمانية المقبلة، فإن ذلك المستقبل يظل أقرب إلى الضبابية. ويبدو الزعيمان أكثر ارتياحاً لتقديم الحجج ذات العلاقة بالماضي. إن انتخابات السادس من أيار (مايو) أهم من معظم الانتخابات الأخرى. فهي تتضمن احتمال أن تسفر عن التغيير الأول في الحكومة منذ عام 1997. غير أن الأمر الأكثر أهمية هو أنها تشير إلى نهاية تسوية سياسية كانت قائمة على فرضية نمو اقتصادي من دون جهد. فقد تحولت الطفرة إلى تراجع، ومهما كانت مجموعة النجوم السياسية التي يتم تعدادها بعد الانتخابات، فإن بريطانيا ستشعر بأنها تعيش في ظروف أخرى. لم يتضح سوى قليل من هذا الأمر خلال الأيام القليلة الماضية. وبدلاً من ذلك قضى زعيما الحزبين الرئيسيين وقتهما وهما عالقان في نقاش أذهل الجميع، باستثناء أولئك الذين يكرسون أنفسهم لإحصاء المواقف والنقاط. ويعد كاميرون بأن حكومة يشكلها المحافظون ستعكس اتجاه زيادة حجمها ستة مليارات جنيه استرليني من مساهمات التأمين الوطني التي يقترحها حزب العمال. ويدعي براون أن نتيجة ذلك ستكون تقليصات وحشية في الإنفاق على الخدمات العامة. وكما هو متوقع تماماً، ادعى الجانبان الفوز. واستطاع زعيم حزب المحافظين ضمان الحصول على دعم عشرات من رؤساء مجالس الإدارات. أما براون، فادعى، مع بعض التبرير، أن الحسابات الخاصة بحزب المحافظين لا تؤدي إلى مجموع منطقي. وإن السؤال المحير هو ما إذا كان الناخبون سيحكمون في ما إذا كان الدعم الشعبي لقادة الشركات المتمكنين ميزة سياسية للمحافظين في أعقاب الانهيار الاقتصادي. إن هذا نشاط إزاحة واستبدال. والأرقام ما هي إلا تغيير بسيط مقابل الحجم الكبير للتحدي المالي الذي يواجه أي إدارة جديدة. ومن المنتظر أن يبلغ عجز الميزانية البريطانية في العام الحالي 163 مليار جنيه استرليني، أو ما يزيد على 11 في المائة من الدخل القومي. وحتى لو عاد النمو الاقتصادي، فإن الحكومة المقبلة ستكون بحاجة إلى المدخرات، أو العوائد الإضافية بما يقارب 100 مليار جنيه استرليني. ونجد أنه لا حزب العمال ولا حزب المحافظين، بل ولا حزب الأحرار الديمقراطيين الأصغر حجماً يجد مصلحة في الدخول في نقاش نزيه وصريح، حول ما يمكن أن يقوم به في هذه المسألة. ويبدو الناخبون مرتبكين. وهذا أمر يمكن تفهمه، إذ تحولت استطلاعات الرأي بدرجة صغيرة، وهي تشير إلى فوز ضيق للمحافظين. ويقول زملاء كاميرون إنه واثق من أنه سيكون رئيس الوزراء المقبل، انطلاقاً من أن الأمة لا تستطيع أن تفكر في فرصة وجود براون رئيساً للوزراء لخمس سنوات أخرى. ولا يخبرنا هذا الأمر سوى بالقليل عن البديل من جانب المحافظين. إن الأمر المغري بالطبع هو القول: من يهتم بذلك؟ لقد تقلصت السياسة منذ فترة طويلة إلى التفكير في النطاق الإداري، وتم التخلي تماماً عن الصراعات الإيديولوجية العظيمة القديمة. والخيار في الوقت الراهن بين قسمة قديمة وأخرى جديدة. بين الشر الذي تعرفه وزمن التغيير. وتقدم حقائق الحياة الاقتصادية بعض الدعم لوجهة النظر هذه. ويهمس كبار موظفي وايتهول بأن الويلات والمصائب المالية البريطانية تدع مجالاً ضيقاً للخيارات السياسية. وأياً كان الفائز، فسيكون مرغماً على إحداث تقليص عميق في الإنفاق، إضافة إلى زيادة الضرائب. ويقتصر الخيار فقط على الموازنة القيمة بين الأمرين. وستشهد بريطانيا في ظل كاميرون مزيداً من تقليص الإنفاق الذي ترافقه زيادات ضريبية أقل، في حين يتوقع العكس في ظل براون. وهناك شيئ ما في هذا الأمر، لكن إذا حدّقت بشدة سيكون بإمكانك أن تحدد من خلال ضباب الحملة حجة سياسية فعلية. إذا نزعت المجاملة الفارغة من البيان الانتخابي لحزب العمال، تجد أن الرسالة الأوضح مما كانت عليه منذ فترة بعيدة، تتعلق بالدور المحوري للحكومة باعتبارها عامل تقدم. ولا يمكن الوثوق بالأسواق لإحداث إعادة التوازن في الاقتصاد البريطاني، وأن على الحكومة حماية دولة الرعاية وضمان العدالة الاجتماعية. هكذا، فإن النشرة التمهيدية التي تشرح توجهات براون هي، بصورة أساسية، كونه ديمقراطياً اشتراكياً. وهي تشير إلى عودة جزئية لمنطقة حزب العمال المريحة، بدلاً من السياسة الأقرب إلى الوسطية المركزية التي شهدتها فترة رئاسة توني بلير. وهي تعلي من شأن العمل الجماعي بصورة يمكن أن تجعل بلير يبدو شاحباً. وقد عملت الأزمة المالية العالمية على تحرير براون من ارتباط تآلف حزب العمال الجديد مع الرأسمالية الليبرالية. لست متأكداً من أن هذا الأمر يعتبر سياسة حكيمة ومنطقية. فالطمأنة شيء، بينما النشاط العملي شيء آخر. ويبدي الناخبون قليلا من الحماس تجاه معتقدات حزب العمال القديم بأن الحكومة تعرف أكثر من غيرها. وبقدر ترددهم في التفكير في تقليص الإنفاق، يريد الناخبون حكومة كفوءة أكثر مما يريدون ضرائب أعلى. على كاميرون أن يواجه تناقضاته الخاصة به. فجانب منه يريد أن يوجه اللوم بخصوص ويلات الأمة إلى وجود دولة ذات دور قوي من اللازم. ويمكن للمحافظين من خلال تقليص دور الدولة أن يعيدوا الحيوية والقوة إلى المسؤولية الاجتماعية. مع ذلك، فإن زعيم المحافظين أقرب إلى الجانب العملي منه إلى الجانب العقائدي. وهو ممزق بين راديكالية مارجريت تاتشر في تخفيض الضرائب، وسياسة حزب المحافظين التقليدية الخاصة بأمة واحدة، التي تغذي القطاع العام. وهو يشعر بأنه مرغم على الوعد بتخفيضات ضريبية للجناح اليميني في حزبه، وتقديم ضمانات إنفاق عام للناخبين. وإن تعهداً تم الإعلان عنه في الخريف الماضي بجعل تقليص العجز المالي على رأس قائمة الأولويات، قد تمت تنحيته جانباً. لم تنتقل السلطة السياسية في بريطانيا سوى مرة واحدة خلال العقود الثلاثة الماضية. ففوز تاتشر في عام 1979 شكل بداية 18 عاماً من حكم المحافظين. وفوز بلير في 1997 دشن حتى الآن 13 عاماً من حكم العمال. ويلقي هذان الزعيمان بظلهما الطويل. ومن خلال استمرار براون وكاميرون في الجدل حول الماضي، فمن الواضح أنهما يصارعان للهروب منهما.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES