عندما يغيب

عندما يغيب

يطلقون عليه تارة الضمير وتارة أخرى الوازع الأخلاقي ويسميه آخرون الوازع الديني، ولكن تعريفه وفهمنا له واحد فهو الإحساس الداخلي لدينا والذي يمنعنا من القيام بما فيه ظلم لأنفسنا وللآخرين وللمجتمع عموماً، وهو الذي عندما يغيب تزداد تعدياتنا وينتشر الظلم والفساد على وجه الأرض. هو الرقم الصعب لأن في غيابه أو تغييبه ستفشل كل قوانين مكافحة الشر والفساد مهما كانت شموليتها ودقتها، ولن يرتدع الراشي والمرتشي عن الخوض في الرشوة، ولن يمتنع المسئول عن التساهل في أداء وظيفته وإعطاء كل ذي حق حقه، ولن يكف الزوج عن ظلم زوجته، ولن تتنازل الزوجة عن إضافة المزيد من مركب الهم إلى حياة زوجها، ولن يتوقف البائع عن الغش في ما يبيعه من سلع، وفي أيامنا هذه لن يتعاطف محتكرو الحديد مع المشترين فيبيعوهم بالأسعار الحقيقية بل وسيصرون على عدم توافر الحديد لديهم، ولن يتراجع كاتب أو إعلامي عن تشويه الحقائق في سبيل تضليل القارئ أو خدمة أهداف خاصة. وإذا كان غيابه بهذه الخطورة، فما الذي يغيبه؟ أو ما الذي يعيده؟ للوصول إلى الإجابة ينبغي أن يسأل الواحد منا نفسه لماذا تراجع في إحدى المرات عن ارتكاب الظلم؟ ما الذي منعه؟ إنه الربط الذي نستشعره بين تصرفاتنا اليوم وعواقبها في المستقبل سواء كنا أحياءً أم أمواتاً والمفاهيم التي نؤمن بها كـ "الجزاء من جنس العمل" و"يمهل ولا يهمل" في الدنيا وإن لم يكن ففي الآخرة بكل تأكيد. فهل من عدالته سبحانه وتعالى أن يموت مجرم حرب وتكون هذه النهاية بلا عقاب وللمظلوم بلا اقتصاص لحقه؟ هل هذا من عدالة من أعجزنا بدقة وحسن خلقه لنا ولكل الأشياء من حولنا ما علمناه وما لم نعلم؟ أفلا ليت الكثيرين ممن غيبوه يعيدونه مهما اختلفت تسمياتهم له، وألا ليت كلماتي تصل إليه فيعود يوماً ولن أخبره عندها بما فعل غيابه، بل سأصمت وأطلب الستر من الله لي وللجميع. وأختم بأبيات للإمام الشافعي رضي الله عنه يقول فيها: إن كنت تغدُرُ في الذُنّوب جليدا .. وتخاف في يوم المعادِ وعيدا فلقد أتاك من المُهيمنِ عفوهُ .. وأفاض من نعمٍ عليك مزيدا لا تيأسنَّ من لُطف ربك في الحشا .. في بطن أُمِّك مُضغَةً ووليدا لو شاء أن تصلى جهنم خالدا .. ما كان ألهَمَ قلبكَ التوحيدا
إنشرها

أضف تعليق