ثقافة وفنون

بنية العرب المعلوماتية غير مستغلة تعليميا ولا ثقافيا .. ومواقع البحث العلمي غير مأهولة!

بنية العرب المعلوماتية غير مستغلة تعليميا ولا ثقافيا .. ومواقع البحث العلمي غير مأهولة!

موقع عربي واحد فقط ضمن قائمة تضم المواقع الألف الأكثر زيارة على الإنترنت، وإذا استبعدنا مواقع السينما والموسيقى، فإن قائمة المواقع العشرة آلاف الأولى عالمياً من حيث الشعبية ستخلو بالضرورة من أي موقع عربي! أملك ما يكفي من التأكد أن المعلومة السابقة ستأتي على نحو مفاجئ في وهلتها الأولى، قبل أن يتآلف معها المتلقي العربي بشكل طبيعي، كما تآلف من قبل مع وجوده بالغ الهامشية في إحصائيات ودراسات سابقة على مستوى النشر والقراءة والمنجز الثقافي والفني والتعليمي بأشكاله المختلفة. وعلى أية حال، فقد أخذ الكم الهائل من المعلومات التي جاء بها التقرير العربي الثاني للتنمية الثقافية مكانه المحوري في ذهنية الإدراك ومحك الرصد، في استكمال متوسع للتقرير الأول الذي رسخ ما يمكن اعتباره البنية التحتية الرئيسة لأي مشروع عربي يعنى بمفهوم التنمية في مستواها الثقافي الملهم لمفهوم التنمية الحضاري إجمالا. الرؤية نفسها تتجدد، وهي رغبة التأسيس لمنهجية عمل ثقافي يتميز بالشمول الذي يغطي أهم المقومات الثقافية التنموية في أكثر من 20 دولة عربية، وبالاستمرارية التي تجعله يواكب مستجدات الواقع الثقافي بشكل سنوي ويمثل مرجعية بحثية دائمة ومتجددة. تأتي المعلوماتية في واجهة مباحث هذا التقرير لتمثل استجابة شديدة الأهمية لواقع مباشر الارتباط بالتنمية المعرفية والثقافية، وهو عصر العولمة والثورة التقنية التي كشفت في مرحلتها الراهنة عن ضعف المحتوى العربي والغياب المعلوماتي الذي تعارف عليه المثقفون بـ»الفجوة الرقمية» وهو ما ينعكس سلبا على الحركة البحثية والعلمية والإبداعية، كما يتسبب في تأخير الانضمام الفاعل لمجتمع المعلومات الذي يمثل المحرك الأكثر تأثيرا في شتى المستويات في وقتنا الحالي. وفي المرحلة الثانية من التقرير «الاستراتيجي» التي تهدف إلى «تعميق» البنية التي وضعتها المرحلة الأولى، يعود ملف التعليم لسبر أغوار هذا العمق المركزي في الثقافة العربية، فتتجه محاور التقرير الثاني إلى دراسة موضوع الوقفيات الجامعية ودورها في الاستثمار الذاتي وتحقيق معايير الجودة، كما تناقش الاستقلالية الإدارية والمالية في الجامعات، ومقارنة مخرجاتها بما ينفق عليها مع ملاحظة التفاوت الإنفاقي على التعليم العالي بين دولة عربية وأخرى ومقارنة المعدل المخصص للبحث العلمي بإجمالي الميزانيات المحلية ومقارنة الميزانيات التعليمية العربية على المستوى الجامعي بما هو موجود في دول أخرى. بينما يقرأ المحور الثالث مضمون الخطاب الثقافي في الإعلام وعلاقته بإشكاليات عربية مزمنة كقضايا التراث واللغة والسلطة والمال والتراث بجانب علاقته بالآخر على اختلاف منطلقاته، دون أن يغفل صعوبة التحديات التي يخوضها الإعلام الفضائي العربي مع نظيره الأجنبي في ظل انفتاح السماء. من ناحية أخرى، كانت تحولات الرواية وأزمات الشعر وهموم الترجمة مرتكزات رئيسة في الناحية الأدبية من الملف الرابع المتصل بالشأن الإبداعي العربي، فيما اتجهت النواحي الأخرى نحو المسرح والدراما والسينما متوقفة عند حالات تستدعي الدراسة والمعالجة، ومتسائلة حول علاقة هذه الأشكال الإبداعية بالعوامل المجتمعية وتعرضها لإشكالات الرقابة, كما تم التطرق في هذا الملف إلى قضايا بقيت مدة طويلة قيد الجدل التنظيري ودون مستوى النقاش الواقعي. للمرة الثانية يجد المثقف العربي وصانع القرار بين يديه مرجعية معلوماتية مبنية على منهج الرصد والتشخيص والإحصاء لكنه هذه المرة سيجد أن التحليل والرؤى النقدية قد جاءت ضمن بعض المحاور التي استدعت ذلك, وهو ما يعني المضي قدماً في مفهوم تسليط الضوء على الواقع كمنطلق لصياغة المأمول وإن كانت سمة التجدد والمواكبة ستمثل عنصراً بارزاً في التقرير العربي للتنمية الثقافية اعتبارا من دورته الثانية فإن ملف الحصاد الفكري السنوي الذي تضمنته هذه الدورة جاء متقاطعا مع أبرز التساؤلات المهمة التي شهدتها الساحة الثقافية العربية خلال عام 2008 متجاوزا ذلك إلى رصد مظاهر وقضايا اجتماعية وتنموية وسياسية, فطرح ملفات التنمية والتحول الاقتصادي وتداول المعلومات وجدلية العلاقة بين الإسلام والعروبة وإهمال الترجمة من اللغات غير الإنجليزية والفرنسية رغم أن كثيرا من الدول الأخرى تملك ثقافات جعلتها في مصاف حركة التقدم, فضلا عن أن التداخل الثقافي معها يصب في صميم الحوار الحضاري العالمي. أسئلة التقنية وإحصائيات لما هو أكثر من التداول بعض الإحصائيات لا تحتاج إلى نقد, فهي تنقد نفسها بمجرد اكتشافها ومقارنتها، وهي تعكس الصورة لما وراءها من خلفيات ثقافية واقتصادية مختلفة تتفق فقط على أنها تدور دائما في الفلك العربي وربما ينبغي أن نراعي في هذا الجانب تباين الأوضاع الواضح ضمن هذا الفلك، في سياق ملف المعلوماتية تتصدر المملكة الدول العربية من حيث القدرة على الإبداع والابتكار محتلة مركزا عالميا متقدما هو السابع، فيما تتصدر الإمارات عربيا من حيث امتلاك السكان حواسيب شخصية (30 جهازا لكل 100 مواطن), وكذلك من حيث عدد خطوط الهاتف الأرضي والمحمول، بل إنها وصلت في هذا الأخير إلى نسبة 173 خطاً لكل 100 نسمة’ فيما جاءت الصومال في المركز الأخير عربياً بمعدل سبعة خطوط لكل 100 نسمة أيضا! في العالم العربي لا يتجاوز مستخدمو الإنترنت 55 مليون شخص من أصل 342 مليون نسمة هم إجمالي عدد السكان، كما أن 10 من بين كل 100 عربي هم من يملكون أجهزة كمبيوتر! العالم العربي يملك بنية معلوماتية لم يتم توظيفها تعليمياً ولا ثقافيا كما يجب، المواقع العربية الإلكترونية تجد نفسها أمام واقع محبط، فهي ما زالت فقيرة وبعيدة تماما عن تمثيل مساحة تقترب ولو قليلا من ثراء الثقافة العربية، كما أن مواقع البحث العلمي ضعيفة وغير مأهولة تقريبا، فيما يغيب تطويع التقنية لخدمة التراث الحضاري وتفعيل حركة المشاركة مع الجمهور، في حين تبقى المواقع الثقافية غالبا على محتوى ثابت نادر التجدد، ولا تتيح مؤسسات الثقافة الرسمية التفاعل المباشر، تماما كما لا تتيح مواقع النشر إمكانية البيع الإلكتروني، ويسيطر الغموض القانوني حيال قضية الملكية الفكرية على الإنترنت. من اللطيف ربما أن نشير إلى إحصائية براءات الاختراع الصادرة عن مكتب التسجيل في الاتحاد الأوروبي التي جاء فيها ذكر العالم العربي كاملاً بوصفه جزءا بسيطا من مجموعة جغرافية واسعة أسهمت في مجملها بنسبة 1 في المائة من براءات الاختراع على مستوى العالم! الإعلام الثقافي .. أزمة التمركز داخل السياق الملف الذي بدأ بتحليل علمي لمفهوم ومنهجيات وعوامل إنتاج الخطاب الثقافي عبر أجهزة الإعلام تبنى دراسته عبر نموذجين هما المجلات الثقافية وعينات من القنوات الفضائية متضمنة البرامج الثقافية، وفي الوقت الذي رصد التقرير فيه حجم ونوعية حضور الصفحات الثقافية في عدد من الصحف العربية، فقد أشار إلى غلبة الطابع الإخباري وإثارة القضايا في مقابل تراجع الوظائف التفسيرية والنقدية التي تمثل جانبا رئيسا في الخطاب الثقافي. من ناحية أخرى يصبح الإعلام شاهدا على انفصام المثقف تجاه السلطة وتبرز اللغة كخيار رئيس لانفتاح إعلام الثقافة وكتابها على العالم، فيما ينتقد التقرير بوضوح «تمركزية الخطاب الثقافي» الذي يتمحور حول الشخص فيكرس فكرة التعبير الشخصاني بحيث ينزلق الإعلام خارج دائرة المهنية ويصبح فاعل الثقافة أكثر أهمية من فعلها، ويتمحور حول المكان الذي تمثله المطبوعة، وكذلك يتمركز حول مراحل زمنية معينة بين التاريخين القديم والحديث، وأخيرا يتمركز حول القيمة التي تتبناها منهجية الصحيفة أو المجلة سواء كانت إبداعية أو اجتماعية أو سياسية. على الجانب الآخر، يستورد الإعلام الفضائي العربي أكثر من نصف برامجه ويعيد صياغة جزء منها ضمن التصور الغربي لكن بتطبيق محلي يتصادم أحيانا مع قيم اجتماعية، كما يقدم مستويات متعددة للتعبير اللغوي الذي تصل فيه العامية أحيانا إلى نسبة أكثر من نصف الإجمالي ليمثل الإعلام مؤثرا سلبيا في مستقبل اللغة العربية. في قطاع بحثي آخر، يشهد الفضاء المفتوح على كل شيء تناسلاً غير مسبوق للقنوات الشعبية التي تقدم «خطاباً ثقافيا تفكيكياً» كما يرى نقاد ومتابعون، فالأمر يتجاوز مجرد الضحالة المهنية وانعدام خبرة العمل الإعلامي إلى الارتكان المطلق إلى القبلية والارتداد الفادح نحو الماضي في وقت يتطلب مواكبة الخطاب الحضاري واستيعاب الجديد الفكري والثقافي والتقني، إضافة إلى الانكفاء على الذات وتضييق دائرة (الأنا) تحت طائلة الانصراف نحو اقتفاء الموروث بدلاً من مواجهة قضايا الفكر والثقافة الراهنة أو قراءة التشكيلات الأدبية والفنية الجديدة. في الجزء الثاني : -الشعر يحسم المرحلة ضد الرواية والنقاد لا يفهمون الحداثة ويتجهون لما بعدها! - جدل السينما يضع المتلقي السعودي على صدارة المستهلكين للأفلام العالمية! - 4 عقود دون أطروحات فكرية رصينة، جامعات هزيلة، ومئات المؤتمرات بلا جدوى!
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون