Author

بدل البطالة: الكل موافق ولكن

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
سليمان مواطن متخرج من أحد المعاهد المهنية، يبلغ من العمر نحو 30 عاما، ويعمل بانضباط منذ نحو خمس سنوات في مؤسسة بدر المتخصصة في صيانة ونظافة المباني. هو رئيس فريق الصيانة المسؤول عن صيانة مبنى حكومي تعاقدت على صيانته ونظافته مؤسسة بدر منذ نحو ثلاث سنوات، ويتقاضى أجرا يبلغ ستة آلاف ريال شهريا. حسب النظام، لا بد من طرح صيانة ونظافة المبنى الحكومي في مناقصة كل فترة دورية، مثلا كل ثلاث سنوات. وتنفيذا للنظام تم الطرح وقد فازت بالمناقصة مؤسسة أخرى غير مؤسسة بدر. لم تعد مؤسسة بدر في حاجة إلى خدمات سليمان، ولذا أعطته خطابا يفيد بالاستغناء عن خدماته بعد شهر من تاريخ إبلاغه بالخطاب. صار سليمان يبحث عن عمل. بإمكانه أن يجد عملا بديلا في غضون فترة قصيرة لا تتجاوز الشهر لو رضي براتب ألفي ريال شهريا. وربما يتعين عليه الانتظار نحو سنة حتى يجد وظيفة براتب مقارب لراتبه السابق. ولكن هذا يبقى مجرد احتمال طبعا، فقد تمضي سنوات ولا يجد عملا بالراتب السابق، مع كثرة اليد العاملة الوافدة الرخيصة. أما إذا طلب أجرا يتجاوز راتبه السابق كثيرا فلن يوظفه أحد. كلما زاد الراتب الذي يطلبه العاطل ضعفت رغبة المؤسسات في توظيفه، وزاد احتمال بقائه عاطلا. أو بعبارة أخرى عكسية، كلما انخفض الراتب الذي تعرضه المنشأة ضعفت رغبة العاطل في الوظيفة. ولكن مستويات الأجور تعتمد اعتمادا كبيرا على سياسات الاستقدام، فكلما تيسر استقدام يد عاملة من خارج الوطن للمنشآت كلما انخفض الراتب الذي تعرضه تلك المنشآت على سليمان (وغيره من المواطنين)، ومن ثم زادت مدة البقاء عاطلا. ما الحد الأدنى المعقول للراتب الشهري الذي ترون أن على سليمان أن يقبل به؟ لنقل إنه أربعة آلاف ريال. طبعا لن يجد فورا عملا يوفر له هذا الراتب، ومن ثم فالسؤال: هل يستحق أن يعطى بدل بطالة خلال مدة انتظاره وبحثه للحصول على عمل يعطيه ذلك الراتب؟ لو قلنا لا، فالسؤال التالي من ينفق عليه وعلى عائلته خلال مدة الانتظار. ولو قلنا نعم، فالسؤال ما المبلغ وكيف تقرر المدة؟ هل ينبغي عليه أن يلتحق بعمل يعطيه راتبا أقل مع تركه فور عثوره على فرصة أفضل؟ أم أن الأفضل له ولاقتصاد الوطن أن يعطى بدل بطالة، لحين عثوره على عمل براتب في حدود أربعة آلاف ريال أو أكثر؟ الخلاصة أن هناك علاقة طردية بين مستويات الأجور المطلوبة (أو المفروضة من السلطة) ومدة العطالة. وحتى لا تستغل حاجة العاطلين لقبول أجور زهيدة على البقاء عاطلين مدة طويلة، جاء مبدأ منح بدل البطالة في دول كثيرة. وهو (أعني بدل البطالة) في الدول الغربية (ونحوها) يعطى عادة للمسرحين من أعمالهم لظروف لا ناقة لهم بها ولا جمل، كما حدث لمؤسسة بدر، وكأن تفلس الشركة أو تعاد هيكلتها على نحو يؤدي إلى إلغاء بعض الوظائف. ولكن مشكلة بدل البطالة لا تظهر عندهم من جراء انخفاض الأجور بسبب كثرة الوافدين إلى البلاد للعمل. في ظل سياسات وأجواء الإدمان على الاستقدام، فإن مشكلة بدل البطالة في المملكة أعقد. وقصة سليمان السابقة بينت شيئا من هذا التعقيد. عارض كثيرون منح بدل بطالة، وربما كان على رأس المعارضين الدكتور زين العابدين بري، عضو مجلس الشورى، وأستاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود. وتبدو معارضة هؤلاء في نظر بعض الناس كما لو أنها دالة على لا مبالاة بأحوال العاطلين المادية، وهذا نظر في غير محله، واتهام من غير أساس. المعارضون يرون أن سياسة صرف بدل بطالة في ظل الإدمان على الاستقدام سياسة غير موفقة، وستزيد الطين بلة، وهذا صحيح إلى حد كبير. في المقابل، ينبغي أن يفهم أن بدل البطالة ليس منافسا أو بديلا عن التوظيف، ولكنه مكمل له، لحين الالتحاق بوظيفة. ينبغي الجهاد في آن واحد على جبهتين: الأولى معالجة الإدمان على الاستقدام، وهذا لن ينجح في ظل نظام الإقامة والكفالة الحالي، وتشتت الجهود (لذلك الحد) بين جهات عديدة. يكفي أن نعرف أنه صدر قرار مجلس الوزراء رقم 50 في 21/4/1415، المتضمن إلزام كل منشأة تستخدم 20 عاملا فأكثر بزيادة العمالة السعودية لديها بما لا يقل عن 5 في المائة من مجموع عمالتها سنويا. نحن نرى أن الوضع الآن ربما كان أسوأ رغم مضي 16 عاما على القرار. لابد من إصلاح نظام الإقامة بعمل تعديلات جذرية عليه، ولابد من تنسيق الجهود تنسيقا فعالا. ولنا أن نستفيد من تجارب الغير. والجبهة الثانية صرف بدل بطالة لفترة مؤقتة للمستحقين. السؤال: من هم المستحقون؟ * القادرون على العمل والمتاحون له. * ويرغبون في الحصول على عمل بدوام كامل. * وقاموا بتسجيل أنفسهم في مكتب توظيف حسب تنظيم تعمله وزارة العمل. * ولم يعثر لهم أو لم يلحقوا بعمل مناسب. * لا يتسلمون مخصصات ثابتة أخرى لأي سبب إلا إذا قلت عن حد بعينه، فيعطون الفرق. لكن الإشكال في كيفية ضبط الأمور أقوى ضبط، حتى يقل استغلالها في غير محلها إلى أدنى حد. وما أكثر تجاربنا في استغلال قروض ومساعدات وتسهيلات حكومية في غير ما وضعت لأجله.
إنشرها