القراءة في العالم العربي تتراجع!

القراءة في العالم العربي تتراجع!

قال الله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) - هذا الأمر الرباني لمعلم البشرية محمد، صلى الله عليه وسلم، يؤكد قطعاً على أهمية القراءة في حياة البشر كونها أول أمر يحدد معالم الرسالة الخالدة في عمومها المطلق وشمولها الأعم، مبيناً أنها رسالة العلم والمعرفة والعقل، عن طريق القراءة والاطلاع، وبالتالي فإن هذه الرسالة هي دستور المجتمع الإسلامي ومنهج حياته. إذن فالقراءة ليست خياراً ذاتيا بل إنها أمر رباني، يجب إجابته والإذعان له بطيب نفس، وهنا تتجلى الحكمة الإلهية من فحوى هذا الأمر، حيث إن القراءة هي مفتاح العلوم ومصباح العقول وهي السبب الرئيس في تقدم الشعوب في شتى مناحي الحياة. ولكن مما يؤسف له اليوم في عالمنا العربي هو تجاهل الفرد العربي لهذا الأمر العظيم بهجـر الكتاب وتفويت فضل القراءة والاطلاع على ما استجد من علوم ومعارف مما هوى به في بئر سحيق من التخلف والجهل فتحول بشكل آلي إلى تابع للفئة القارئة التي سبرت أغوار حكمة الأمر الرباني وأخذت به رغم عدم تصديقها بباقي بنود الوصية الإلهية فسادوا المجتمعات التي كانت ذات سيادة وريادة قبل أن تتقوقع على ذاتها وترفض الاطلاع والقراءة. ولعلنا لو اطلعنا على إحصاءات معدلات القراءة لملئنا منها رعباً ولولينا هرباً نجر أذيال الخيبة والحسرة على واقع مجتمع اقرأ لاسيما أن الإحصاءات تبين أن 60 في المائة من المواطنين العرب إما أميون أو أطفال، و20 في المائة لا يقرؤون أبداً، و 15 في المائة يقرؤون بشكل متقطع وليسوا حريصين على اقتناء الكتاب، و5 في المائة الباقية هم الحريصون على القراءة وعددهم نحو المليون ونصف فقط، أي أن حصة الواحد منهم كتاب واحد سنوياً في مقابل 518 كتاباً للفرد في أوروبا، و212 كتاباً للفرد في أمريكا سنوياً. ومن المضحك المبكي في آن واحد هو متوسط القراءة التي تبلغ ست دقائق للفرد العربي في السنة، بينما يبلغ متوسط القراءة في إحدى الدول الأوروبية 200 ساعة سنويا للفرد. وتصادق معارض الكتاب الدورية على هذه المأساة حيث يلحظ الزائر سأم الناشرون العرب وهم يقبعون في أجنحتهم ينتظرون قدوم جمهور يجهلونه تماماً. وأمام هذا التنافر الكبير بين الكتاب والقارئ العربي, ومحاولة لتجسير هذه الفجوة وردم الهوة، لاسيما نحن في مجتمع "أرامكو" الذي يعد أنموذجاً ، فقد تـفـتـقـت فكرة جـميلة ذات هـدف سام وغاية نبيلة بغية إعادة الأوضاع إلى مجراها الطبيعي، فاستبشر الجميع بولادة مجموعة تواق القرائية، وعم إشراق نورها المعنيين بهذا الأمر الرباني العظيم. ومجموعة تواق هذه هي عبارة عن فكرة نيرة طرحها وتبناها عمر عبد الحميد الحازمي الذي وضع اللبنة الأولى وكما هي عادته ترك للباقين العمل والمساهمة في رفع بنيان هذه الفكرة الغنية وصولاً إلى الهدف الرئيس لها ألا وهو تفعيل عادة القراءة وجعلها ثقافة شخصية للفرد والمجتمع جميعاً بل محاولة تعميمها على المجتمع ككل. وإذا أمعنا النظر في اسم المجموعة (تواق) نجد أنه ليس مجرد اسم بل له دلالة تتسم بالعمق المعرفي، حيث إن التوق هو كثرة الشوق والنزوع إلى الشيء، والشوق لا يكون إلا لعزيز فقد أو حبيب أغترب، وهذا ينطبق تماماً على عادة القراءة حيث إنها عزيزة علينا غادرتنا بسبب تفريطنا فيها وإهمالنا لشأنها، فرمحتنا مولية وذهبت عنا بعيداً. و"تواق" مازالت رضيعاً يحبو بخجل في عالم أهدافها، وأنا مطلع على معاناتها الكبرى والمتمثلة في تجاهل أعضائها الذين يتجاوزون التسعين عضواً ولكنهم للأسف يحملون العضوية الشرفية ولم يقدموا ما يشفع لانتساب العضوية لهم، وإن كنت ألوم عليهم بعتب المحب المخلص لهم، فإنني أؤمن أن تراكم العادات السلبية على مر السنين والمتمثلة هنا في هجر عادة القراءة يحتاج إلى وقت طويل لتغييرها، مع التأكيد على أن غرس العادات الإيجابية يحتاج إلى مجهود منظم ومخطط يسير وفق أهداف ومراحل محددة تستوجب الصبر والمثابرة. وإحقاقا للحق فإن بعض الأعضاء فاعلون ومتفاعلون ولكنهم قلة، مما يجعل جهودهم محدودة خجلى لاسيما في ظل محدودية قدراتهم المالية, وانعدام صلاحياتهم الإدارية التي تخولهم لإبراز هذه المجموعة بشكل لائق يتوافق مع الهدف الذي من أجله وجدت. وإنني أجزم بأن موتها أوشك قريباً في ضآلة بروزها بشكل لافت رغم الجهود الآنفة الذكر التي تحاول إبقاء شريان الحياة نابضاً بها. وإنني أرى بقصور نظري وقلة فهمي أنها لو اتخذت طابعاً رسمياً سيكون بمثابة الدعم المعنوي لها والذي سيعينها على تجاوز كسادها التفاعلي من أعضائها، وكما هو معلوم فإن اكتساب الشرعية يمنح القبول لدى الآخر في تقبل الواقع ومعايشته. كذلك فإنني أرى أن هذه المجموعة بحاجة إلى دعم مادي يمكنها من تنظيم لقاءات ونشر أطروحات تخدم هدفها الرئيس ويمنحها انتشارا أوسع مما يعزز وجودها على الخريطة الذهنية لأعضائها فيتولد لديهم انتماء لها مما يخلق نوعاً من العلاقة التلازمية التفاعلية الإثرائية لأطروحتها سواء كانت مناقشات كتب أو إصدارات حصرية تخص المجموعة وأعضائها أو لقاءات تفاعلية. واختتم مقالي هذا بالتساؤل التالي: (بعد هذا البيان لحال العربي والقراءة وولادة ابنة بارة بوالدتها القراءة فهل نجد لتواق من ينادي بحرقة العاشق ويقول بأعلى صوته إنني لك مشتاق ولوصلك تواق)؟ أترك لكم الإجابة!!!! عدد القراءات: 126 * "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"
إنشرها

أضف تعليق