Author

استراتيجية الشهري/ الذوّادي لتوظيف المبتعثين

|
.. هذه الدراسةُ مهمة، بل مصيريّة.. إنها تتعلق بعشراتِ الآلافِ من شبابنا المتوزعين في أركان الكرةِ الأرضية يتلقون تعليمَهم في جامعاتِ عدّة دول في عدّة قارات.. وسينتهون من دراساتهم في جميع المستويات، ولما يعودون يجب أن ينخرطوا في سوق العمل، وإن لم يسعَهم سوقُ العمل، أو لم تُعـَد خطةٌ للاستفادة منهم، فالذي سيحدث أمران، كلاهما أمَرُّ من الآخر: أ - ضاعت أموال الأمّةِ دون الاستفادة مما أُنفِقـَت عليه الأموال. ب - ردةُ فعلٍ اجتماعية ونفسية، وخللٌ في الانتماء للبلاد من قبل العائدين.. حين تتسلمهم أرضُ التيـْه. إذن، لا خيار لنا إلا بالعمل من الآن لوضع الخطة لاستيعابهم جميعاً، خصوصا أن مبتغانا الأساسَ أن يساهموا في نقلةٍ تطوريةٍ نوعية للبلادِ في مجالات العلوم والإدارة والتقنية والصناعة.. أملُ كل مواطن أن يكون الشبابُ العائدون هم التفاعل القاعدي لثروةٍ لا تنضب عندما ينضب البترول، حين يبنون دولةً قادرةً على الحياةِ والصمودِ والتطور بعد عصر النفط.. إنهم ثروتُنا القادمة، ذهبُنا البشري الذي - بإذن الله - لن ينضب، وليحدث ذلك علينا أن نمتلك أولاً هذه الثروة، وأن نحسن توظيفها، ثم بالمتوالية الطبيعية والزمنية ستتوالد الأجيالُ المنتجة، وهي الثروة التي ستبقى ما بقي الهواءُ يلفّ الأرض. أعَدّ هذه الدراسة الاستراتيجية شخصان، لا يريدان مالاً، ولا وجاهة، ولا جاهاً، ولا استفادة شخصية، بل يقدمانهما لوطنهما، لأبناءِ وطنهما، لحاضرنا، لمستقبلنا، لمصيرنا.. دليلٌ على أن في هذه الأمة من يسهَر عليها، ولو لم يُطلـَب منه أن يسهر.. لسببٍ لا يمكنه مقاومته يطرد السهادَ من جفنيه، وهو أنه قلبه يخفق بشدّةٍ على وطنه، ويعرفُ الأطباءُ أن خفقان القلب لن يجعل الفردَ هانئا في راحته حتى للحظة.. وهي دراسة ليست وليدة اللحظة، ولا انطلاقة من قوس العاطفة.. دراسةٌ عملية متأنية، سنوات وهما يعملان عليها، ويطبقان نواحيها، ويسافران ليجمعا المعلومات، ويرصدا الآراء، ويبينا التوجهات والاستعدادات. الشخصان اللذان أعدّا الدراسة بملفٍّ كاملٍ مرئي ومكتوبٍ وأرسلاه لي، ليكون إطلالة أولى أمام صانعي القرار في بلادنا وأمام الرأي العام، ويعلنان استعدادهما، لتقديم كل معلومةٍ ممكنة لمن يطلبها من المسؤولين والمهتمين أيا كان وفي أي مكان، وبأية صفة.. لأنها عملٌ وطنيٌ، مجاله وساحته وتخصصه: أبناء الوطن. والشخصان هما السيد محمد زارع الشهري، وهو مستشارٌ في تقنية المعلومات والتخطيط الاستراتيجي، وتوطين التقنية، عمل لمدة 30 عاما في شركة أرامكو، وعضو في لجانٍ متخصصةٍ محلية وعالمية، وقام بزيارات للطلاب في أكثر من ولاية أمريكية، ونسّق مع الملحقية الثقافية في واشنطن، وشركات أجنبية تعمل في المملكة وخارجها، والسيد الشاب عثمان محمد الذوادي (وكم أنا فخورٌ بهذا الشاب)، طالب الدكتوراه في جامعة جنوب إلينوي الأمريكية، والشاب الذوادي من المصابين إصابة شديدة في الحب الوطني الذي لا يفارق، ومن نشاطاته معرضٌ فوتوغرافيٌ حقق نجاحاً هناك بعنوان: «ما وراء الكثبان» أظنّ ترميزه كان أنكم أيها الأمريكيون ترون كثباناً في بلادنا ولكن لا تعرفون الناسَ الذين وراء الكثبان. على أن محبين وطنيين من كبار عقول بلادِنا وقلوبها وضمائرها كانا وراءهما يمدانهما بالمشورة والخبرةِ لإنجاز الدراسة على الوجه الأمثل ما أمكن، وهؤلاء رجالاتٌ قدّموا لبلدهم الكثير وما زالوا، منهم الأستاذ عبد الله جمعة رئيس شركة أرامكو السابق، الذي ساهم في مراجعة هذه الاستراتيجية، وأثار الكثير من النقاط المحورية المهمة، والدكتور محمد العيسى الملحق الثقافي السعودي في الولايات المتحدة الذي قدم دعماً واستنهاضاً جعل هذه الدراسة ممكنة التحقيق، وصديقنا العزيز الدكتور خضير الخضير البروفيسور في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهو رجلٌ كما أعرفه يدفع أعمالـَهُ مولِّدٌ وطنيٌ أصلي، وقام بمراجعةٍ تأصيليةٍ للدراسة ووضع الأطر العلمية لتظهر بالاحترافية والقابلية التطبيقية. إن روحَ الدراسة ومحور فلسفتها هو أن غياب عنصر التوجيه والإرشاد المهني إن لم ننتبه له وفي وقت سريع سيكون السبب في إضاعة فرصةٍ صعبة التكرار بأن نعد للحاضر والمستقبل جيلا من الشباب السعودي الذي يملك ملاءمة الانخراط في السوق الوظيفي العالمي وليس فقط المحلي أو الإقليمي. قامت وزارة التعليم العالي ببعث ما يشبه شعباً صغيرا كاملا وفي سنٍّ يافعة لأرجاء الأرض، وهذا عملهم المنوط بهم وقاموا به، على أنه لم تتبلور خطة كاملة تشبه إحكام قفل الدائرة التي توصل التيار الكهربائي من المنبع إلى المحرّك، فهناك عناصر غائبة؛ كأن تبني سوراً طويلا عريضا، ثم لا تضع البوابات في فتحاته.. سيبقى السورُ قائما، وتكلفة إنشائه محسوبة، وصيانته قائمة، ولكن لن يؤدي الدورَ الذي أقيم من أجله حتى لا يقتحم أحدٌ ما يحيط به.. مادامت هناك ولو فتحة واحدة تركت كما هي.. للفراغ! اليوم سنكتفي بذلك، على أن أحاول أن أرمي مزيداً من الضوء على جوانبِ الخطة التي من الممكن أن تشتهر بخطة «الشهري/ الذوادي».. يوماً في علم التوظيف. وأكرر أن الدراسة بكاملها موجودة، وسيسعد الإخوان الشهري والذوادي وأنا في إرسالها لمن يعتقد أنها تستحق منه الاهتمام.. ولكن.. من لا يهتم بتوظيف الأجيال؟!
إنشرها