Author

«سفر برلك»

|
من حق الباحث والمؤرخ فايز بن موسى البدراني أن يعيد قراءة (سفر برلك) التهجير القسري الذي تعرضت له المدينة المنورة من القائد التركي فخري باشا الذي عينته الدولة العثمانية عام 1335هـ محافظاً للمدينة المنورة. وأصدر أوامره بترحيل بعض أهالي المدينة المنورة أثناء حصارها عام 1337هـ. (المزيد من التفاصيل ندوة قدمها البدراني جريدة ''الوطن'' أول أمس الإثنين) . لأمر لا يتعلق بالدولة العثمانية، فالتاريخ العالمي يقوم على التهجير القسري وإن كان هذا واقعا، فإنه لا يقره الدين والأخلاق والقيم، حيث فصلت عائلات عن بعضها وأطفال عن أمهاتهم، وفي التاريخ الإسلامي شهد ترحيل قسري في الربع الأول للقرن الهجري الثالث ترحيلا قسريا لبعض من قبائل وسط الجزيرة العربية المتاخمة لخطوط طرق القوافل دربي البصرة والكوفة ورحلت تلك القبائل إلى العراق... وكان للدولة العثمانية سياسة استيطانية تقوم على الترحيل الطواعية وحالات الترحيل القسري، ففي المحيط العربي وطنت عائلات في دمشق والقدس وبغداد والبصرة بالطواعية أو بالقسري.. كما مارست توطين عائلات زراعية في مناطق أوروبا المفتوحة لتثبيت سيادتها.. وهذا ليس شأنا عثمانيا، بل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا مارست هذا السلوك التعسفي في البلدان العربية زمن الاستعمار. لكن الدولة العثمانية وقت تبنيها هذه السياسات كان ضمن إطارها كإمبراطورية وخلافة إسلامية داخل حدود بلدانها، وهذا ليس دفاعا أو تأييدا لقراءة الدكتور فايز البدراني، إنما لإضافة ضوء في الأبحاث التي تتجه إلى قراءات جديدة في سجل الماضي، خاصة للمدن التي تعرضت للحصار والتهجير، وترغب في كشف ما ترتب على ذلك اجتماعيا، وكيف كانت حركة السكان. الدولة العثمانية كانت تعيش أواخر أيامها مواجهات قوية وعنيدة من انفصال الدول العربية عن جسد الخلافة العثمانية وحروبها الدائرة في القارة الأوروبية على حدود النمسا، والبلطان، والبحر الأسود، ومقدونيا، أو في آسيا، وإيران، والقوقاز، والشريط الممتد من الشام حتى أقصى الحدود الغربية للجزيرة العربية إلى اليمن. والشريط الساحلي الممتد من العراق حتى قص حدود ساحل الخليج العربي في عمان.. والتغذية العسكرية واللوجستية التي تلقتها الدول العربية التي تساندها الدول الغربية بريطانيا وفرنسا وإيطاليا للتحرر من (الرجل المريض) الدولة العثمانية لتحل محلها الدول الغربية الاستعمارية وتمارس أعنف الممارسات في التهجير القسري في فلسطين والجزائر والقتل والتشريد في معظم العواصم العربية.
إنشرها