Author

مشاريع تطوير التعليم والبعد الزمني

|
تلعب الموارد البشرية الدور الرئيس والأهم في تطور ورقي الدول، ويمكن النظر إلى عدد من النماذج مثل دول ماليزيا، وكوريا الجنوبية، والهند، وكيف تطورت وأصبحت بين مصاف الدول المتقدمة في العالم في شتى المجالات، سواءً الصناعية أو التجارية أو الخدمية وغيرها، وهذا كله كان بفضل الله ثم الاستثمار في تطوير الموارد البشرية. ويلاحظ في هذه الدول أنها بدأت العمل على تطوير مواردها البشرية من خلال تطوير خطة استراتيجية متكاملة للدولة والتي تتضمن عددا من العناصر من بينها تطوير مخرجات التعليم العام والجامعي، المؤثر والعامل الأساسي في تطوير الموارد البشرية. كما يلاحظ بأنه قد تم الأخذ في الحسبان العامل الزمني عند تطوير مخرجات التعليم كأحد أبعاد تطوير الخطة الاستراتيجية. فعلى سبيل المثال بدأت كوريا الجنوبية وماليزيا مشاريعها التطويرية القومية في السبعينيات، وبدأت في تحصيل النتائج الأولية وجني الثمار من هذه المشاريع في التسعينيات. ومن الطبيعي أن تكون فترة تنفيذ هذا النوع من المشاريع طويلة نسبياً، حيث تتطلب على أقل تقدير 20 عاما أو عددا من الأجيال للحصول على النتائج المطلوبة. ويخطئ البعض في التعامل مع مشاريع تطوير الموارد البشرية بالطريقة التي يتم التعامل بها نفسها مع مشاريع البنى التحتية مثل تطوير الطرق والمباني وشبكات المياه. فبينما يمكن تطوير مشاريع بنية تحتية مثل بناء طرق وشبكات مياه وغيرها خلال فترات زمنية قصيرة نسبياً، مثلا خلال سنة أو سنتين. أما في حالة تطوير الموارد البشرية فيجب الأخذ في الحسبان طول الفترة الزمنية المطلوبة لتنفيذ مثل هذه المشاريع من ناحية وطول الفترة الزمنية المطلوبة للحصول على النتائج من ناحية أخرى. وأي مشروع يتضمن نطاق عمل وأهدافا محددة ومطلوب تحقيقها خلال فترة زمنية معينة. ومشاريع تطوير أو إصلاح التعليم تهدف إلى تطوير مخرجات التعليم وتركز على الطلاب والطالبات كمدخلات للعملية التعليمية التي تتكون من ثلاثة عوامل إنتاج رئيسة: معلم ومنهج وبيئة. فعلى سبيل المثال إذا تم العمل على نظام تعليمي متطور وبمعلمين ومعلمات مؤهلين ومنهجية متطورة بدءاً من مرحلة الحضانة أو الروضة فنحتاج تقريباً إلى 16 سنة للحصول على النتائج المطلوبة، وهي مخرجات تعليم مؤهلة تأهيلا عاليا في جميع المهارات الأساسية ويمكن لها الدخول والمنافسة في سوق العمل. لذا من المهم التمييز بين المشاريع التي تتعامل مع المورد البشري مثل التعليم والصحة ومشاريع المقاولات والبنية التحتية بشكل عام. فطبيعة مشاريع التعليم تستغرق فترات زمنية طويلة الأجل للحصول على أفضل النتائج. وبالنظر إلى مشاريع تطوير أو إصلاح التعليم على مدى العقود السابقة، يلاحظ فيها غياب النفس الطويل، والصبر، والتمهل، وبدلاً من ذلك يتم التركيز فيها على تنفيذ مشاريع قصيرة الأجل، وبميزانيات عالية جداً بغرض تحقيق منجزات سريعة من سنة إلى ثلاث سنوات، ما أدى أحياناً إلى الإخفاق وعدم تحقيق الأهداف المرسومة. وفي حالات كثيرة، يتم تكرار المشاريع ذاتها على الرغم من تغير الإدارات، ويمكن ملاحظة تغييب عامل التأثير الزمني في المبادرات والمشاريع التعليمية والتي تكلف الوطن مبالغ طائلة تصل إلى أكثر من 120 مليار ريال حسب الميزانية الحالية. كما أنه يجب التنويه إلى أن من أهم عوامل تطوير التعليم ضرورة النظر في طريقة اختيار وتطوير المعلمين والمعلمات. ويكفي أن نعلم أن نسبة المؤهلين مما مجموعه أكثر من 450 ألف معلم ومعلمة منخفض جداً، خاصة في المواد الأساسية: القراءة والكتابة والعلوم والرياضيات. ويمثل المعلم (والمعلمة) الدور الأكثر تأثيراً في تطوير الموارد البشرية. فمهما يتم من عمل وجهود (وبذل مبالغ طائلة) في تطوير أفضل المناهج العلمية وتهيئة أفضل البيئات التعليمية وتنفيذ واستخدام أفضل تقنيات المعلومات، فلن نحصل على مخرجات تعليم جيدة في ظل ضعف وعدم كفاءة المعلمين والمعلمات. وهناك توجه وتركيز كبير على توجيه المشاريع التنموية في التعليم على بناء مدارس وتطوير مناهج تعليم، واستيراد تقنيات عالمية على حساب تنمية وتطوير المعلمين والمعلمات. ونعتقد بأن حسن اختيار وتأهيل المعلم والمعلمة أهم وأكثر خطورة على بناء المجتمع من اختيار طبيب أو مهندس بحكم مدى وحجم تأثير المعلم على أجيال وقادة المستقبل من الطلبة والطالبات. ويجب التنويه أيضاً إلى أنه من الصعوبة الحصول على كفاءات ومؤهلات عالية بالعدد المطلوب من متخصصين في المجالات الأساسية (القراءة والكتابة والعلوم والرياضيات) في فترة وجيزة ومحدودة في أي بلد، والمملكة ليست استثناء. وكنتيجة حتمية لعدم توافر الكفاءات المطلوبة للعمل في القطاع التعليمي، وبحسب الاحتياجات الملحة لسد الوظائف التعليمية الشاغرة، يتم الاستعانة بكفاءات أقل تأهيلا للعمل في هذه المجالات. ويكفي الاستدلال بما حصل عندما تم تحديث مناهج العلوم والرياضيات هذه السنة، حيث واجه الطلبة والطالبات صعوبات في فهم واستيعاب المحتوى والطريقة الجديدة. ويعزى السبب في ذلك إلى المستوى المتدني لبعض معلمي مواد الرياضيات والعلوم في المراحل التعليمية المختلفة وعدم تهيأتهم وكفاءتهم للتعامل مع المنهجية الجديدة. وعلى الرغم من تحفظنا على المنهجية الجديدة في العلوم والرياضيات في التعليم العام، حيث اتضح فيها التسرع الكبير، وهذا يتضح من خلال توجه المشروع إلى اتباع منهجية الترجمة لهذه المواد من بيئات خارجية (بريطانيا تحديداً)، إلا أننا، مرة أخرى، يجب أن نركز على مدى كفاءة ومناسبة مجموعة المعلمين والمعلمات الحالية للتعامل والتكيف مع أي منهجية مهما بلغ مستواها وتقدمها. ومهما بذل من جهد ومحاولات من خلال تنفيذ دورات وبرامج تدريبية للمعلمين والمعلمات فنتائجها محدودة وغير مؤثرة في العملية التعليمية ككل. وفي السياق نفسه، يلاحظ بأن المجموعة الحالية للمعلمين والمعلمات يغلب عليها فئة السعوديين، وخصوصاً في التعليم العام. وهذا التوجه راجع إلى قرارات سابقة في قطاع التعليم بقصر الوظائف التعليمية على السعوديين كحل جزئي (في حينه) لمشكلة البطالة. وكنتيجة لذلك، ولصعوبة الحصول على كفاءات تعليمية من جنسية واحدة وخلال فترة زمنية قصيرة جداً، تم تعيين عدد كبير من خريجي وخريجات الجامعات والكليات، ممن لا يملكون التأهيل الكافي للعمل في قطاع التعليم، ما أثر على مستوى وجودة التحصيل العلمي لدى الطلاب . وبعملية حسابية بسيطة، يحتاج التعليم العام إلى أكثر من 200 ألف معلم ومعلمة متخصصين ومؤهلين في تعليم المهارات الأساسية. وقد يكون من المناسب والضروري إعادة النظر والاستعانة بالمعلمين غير السعوديين، وخصوصاً في تعليم المهارات الأساسية، وهي القراءة والكتابة والعلوم والرياضيات. كما يجب إعادة النظر في طريقة اختيار وتعيين المعلمين والمعلمات الجدد من خلال إخضاعهم لاختبارات تحديد المستوى والكفاءة مع إجراء مقابلات لتقييم الخصائص والعوامل الشخصية والأخلاقية لتحديد ملاءمتهم للعمل في سلك التعليم. وقد تكون تجربة تقييم المتقدمين للوظائف التعليمية، والتي تمت من خلال المركز الوطني للقياس والتقويم (وهي جهة مستقلة عن وزارة التربية والتعليم) بداية وخطوة مباركة في مسيرة التصحيح الطويلة والمضنية في قطاع التعليم في المملكة. ويلاحظ أنه تم التركيز أخيرا على تطوير التعليم العالي من جامعات ومناهجها وهذا شيء جيد ويُشكر القائمون عليه، إلا أنه بهذا التطوير قد لا يكون الخريجون بالمستوى المطلوب، لأن الخلل في الأساس يرجع إلى التعليم الأولي. ولكي نحظى بخريجين على مستوى عال من الوعي والمعرفة والفهم والإدراك، فينبغي التركيز في البداية على تطوير المراحل الابتدائية، وما يليها وتأهيل معلميها التأهيل الكافي، وأن يكون هناك تدريب وتطوير مستمر لمعلميها. وتطوير المراحل الأولية إن تم فنتائجه تحتاج لكي تظهر إلى قرابة 16 عاما. ونختم بأنه من السهل بناء مبنى مدرسي على أحدث المواصفات، ومن السهل تركيب وتشغيل تقنيات تعليمية حديثة، ومن السهل تطوير واستخدام مناهج وطرق تعليمية حديثة. ولكن ليس من السهل صناعة معلمين ومعلمات مؤهلين. لذا قد يكون من الصعوبة تطوير التعليم وبالتالي مخرجات التعليم طالما أن جل ما يخصص من ميزانيات، والتي تبلغ مليارات الريالات، يصرف على مشاريع مادية وبعيدة عن جوهر وأساس متطلبات تطوير التعليم وهو الاختيار الصحيح والتطوير المستمر للمعلمين والمعلمات. وللحديث بقية...
إنشرها