Author

مفهوم إدارة الجودة الشاملة

|
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مفهوم الجودة والبحث الدؤوب عن أي شيء يكون ذا جودة، مثلا منتج جيد وخدمة جيدة ... إلخ، وما لفت انتباهي هو أن فهم معنى الجودة يقتصر لدى البعض على المنتج المحكوم بمقاييس هندسية كإنتاج المصانع «الآلة الصناعية» لكونه شيء ملموس مر عبر خطوط إنتاج تبدأ بالمادة الخام مرورا بنقاط الفحص « أي فحص جودة المنتج « وتنتهي بمنتج نهائي جيد. في هذا المقال أحببت أن أشارك القراء في توضيح هذا المفهوم الرنان، حيث تعتبر الجودة بمفهومها الشامل «الجودة الشاملة» عملية إدارية استراتيجية تقوم على مجموعة من المفاهيم والقيم، وتستمد آلية حركتها من المعلومات التي تمكن الإدارة من توظيف مواهب العاملين واستثمار قدراتهم في مختلف مستويات التنظيم على نحو ابتكاري لتحقيق الجودة المطلوبة للمنظمة، وتهدف إلى التطوير والتحسين بشكل دوري ومستمر، وهذا الهدف لا يقتصر فقط على تقديم الخدمة أو السلعة، بل يتعداه ليشمل النمط الإداري ومستوى النوعية والكفاءة في الأداء الوظيفي وتنمية والولاء ورفع مستوى العلاقة المبنية على الثقة في بيئة في المنشأة التي تؤدي في مجملها إلى الجودة الشاملة بل حتى إنه يتعداه إلى المظهر العام للمنشأة ومنسوبيها. خاصة أن فلسفة إدارة الجودة الشاملة تطبق في القطاعات الإنتاجية والفكرية والخدمية على حد سواء بغض النظر عن نوعية النشاط التي تقوم به المنظمة، حيث إن مفاهيم ومبادئ الجودة الشاملة هي واحدة لنتاج الفكر الإنساني ككل. بشكل عام يعتبر مفهوم إدارة الجودة الشاملة من أحدث المفاهيم الإدارية الاستراتيجية التي تقوم على مجموعة من المبادئ والأفكار الإبداعية المبنية على أسس علمية مدروسة والتي يمكن لأي إدارة إنتاجية أو فكرية أو خدمية أو غيرها أن تتبناها من أجل تحقيق الجودة كأفضل أداء ممكن. إن التحديات التي تشهدها منظمات الأعمال عموما في المجتمع الإنساني المعاصر تقترن بالجوانب النوعية على جميع الأصعدة، وتستخدم النوعية كسلاح تنافسي فعال في هذا الاتجاه، وقد تم الاهتمام بالإطار الفسلفي والفكري لإدارة الجودة الشاملة، حيث إن هذا المفهوم يرتكز على مبادئ هادفة في هذا المجال مثل تحقيق رضا العميل الداخلي والخارجي (الموظف والمستهلك). والتأكيد على مساهمة جميع العاملين في المنظمة. والاستمرار في عملية التطوير في الجودة (السلعة أو الخدمة). وغيرها من المفاهيم.هذا يعني الإسهام الفعال للنظام الإداري والتنظيمي بعناصره كافة في تحقيق الكفاءة الاستثمارية للموارد المتاحة بشرية ومادية، بحيث تسهم جميعاً في السعي لتحقيق هدف المنظمة الذي يتركز في تحقيق الإشباع الأمثل للمستفيد الأخير من خلال تقديم السلع والخدمات بالمواصفات ذات النوعية الجيدة والسعر الذي يتلاءم مع تحقيق رغباته. تعتبر إدارة الجودة الشاملة من المفاهيم الحديثة ولا يوجد ثمة تعريف متفق علية وذو قبول عام لدى المفكرين والباحثين بشأنها. وهذا التباين في مفاهيم وأفكار إدارة الجودة الشاملة يأتي كنتيجة لاختلاف في وجهة النظر من قبل الدارسين لها والذي انعكس بشكل واضح على عدم وجود تعريف عام متفق عليه من قبلهم إلا أن هناك بعض التعاريف التي أظهرت تصورا عاما لمفهوم الجودة الشاملة هذا الاختلاف في الفلسفة وفي المفاهيم هو في الحقيقة متفق في المضمون إذا إنه يتمحور حول الهدف الذي تسعى لتحقيقه إدارة المنظمة من خلال تفاعل الأطراف الفاعلة في المنظمة كافة .. ويمكن ملاحظة التعاريف التالية: عرفها فليب كروسبي Philip Crosby أحد رواد فكر إدارة الجودة «إن إدارة الجودة الشاملة تمثل المنهجية المنظمة لضمان سير النشاطات التي تم التخطيط لها مسبقاً، حيث إنها الأسلوب الأمثل الذي يساعد على منع وتجنب المشكلات من خلال العمل على تحفيز وتشجيع السلوك الإداري التنظيمي الأمثل في الأداء باستخدام الموارد المادية والبشرية بكفاءة عالية»، وقد عرفت منظمة الجودة البريطانية إدارة الجودة الشاملة على إنها «الفلسفة الإدارية للمؤسسة التي تدرك من خلالها تحقيق كل من احتياجات المستهلك، وكذلك تحقيق أهداف المشروع معاً»، أما التعريف من وجهة النظر الأمريكية فهو على الشكل التالي «إدارة الجودة الشاملة هي فلسفة وخطوط عريضة ومبادئ تدل وترشد المنظمة لتحقيق تطور مستمر وهي أساليب كمية بالإضافة إلى الموارد البشرية التي تحسن استخدام الموارد المتاحة وكذلك الخدمات بحيث إن كافة العمليات داخل المنظمة تسعى لأن تحقق إشباع حاجات المستهلكين الحاليين والمرتقبين». يتبين للقارئ من خلال ما ورد من تعاريف لإدارة الجودة الشاملة أنها فلسفة ومبادئ تسعى إلى التحسين والتطوير بشكل مستمر. وتحقيق رضا المستهلك وكذلك تحقيق أهداف المنظمة. وتسعى أيضا إلى تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية. أي أنها أسلوب إداري قيادي ينشئ فلسفة تنظيمية تساعد على تحقيق أعلى درجة ممكنة لجودة السلع والخدمات وتسعى إلى إدماج فلسفتها داخل المنظمة وأن نجاحها يتوقف على قناعة أفراد المنظمة بمبادئها. وهذه المبادئ تضيف قيمة وجودة لعمليات المنظمة وقد أثبتت مبادئها نجاحاً مستمراً لأنها تسعى وبصورة مستمرة إلى تحقيق رضا العميل الداخلي والخارجي من خلال دمج الأدوات والتقنيات والتدريب التي تؤدي إلى خدمات ومنتجات عالية الجودة. تجدر الإشارة إلى أن المنظمة لا يمكن أن تطبيق فلسفة ومفاهيم ومبادئ إدارة الجودة الشاملة إلا إذا تبنت القيم والمبادئ التي يجب أن تسود جميع أفرادها والتزامهم جميعا بها وهذا ما يطلق عليه بالثقافة التنظيمية. بل يعتبر أهم العوامل المحددة إن لم يكن الوحيد لتطبيق إدارة الجودة الشاملة وبالتالي تتمكن المنظمة من تحقق رضا العميل الداخلي والخارجي. وأعتقد أن إدارة الجودة الشاملة تنجح عندما يريد الأفراد ذلك، وتفشل عندما لا يظهر الأفراد إرادتهم والتزامهم بمبادئها. لذلك يجب على المنظمة أن تعمل على نشر ثقافة الجودة الشاملة وفلسفتها ومبادئها وذلك بتغيير القيم والسلوك السائدة وتغيير النمط الإداري الضيق إلى نمط المشاركة في العملية الإدارية والتي ستكون المدخل الأساسي والطبيعي لتحسين جودة العملية الإنتاجية والخدمية في المنظمة تحقيقاً للأهداف المخطط لها. ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن أهم خطوة في تنفيذ نظام إدارة الجودة الشاملة هي الحصول على الدعم الكامل للإدارة العليا والجهات التنظيمية الأخرى ذات العلاقة. ويعتبر مطلبا حاسما لنجاح هذا مشروع وتطبيقه. فمن دون ذلك الدعم ستواجه العملية عراقيل كثيرة، ولربما أدى ذلك إلى الفشل في النهاية.
إنشرها