Author

بين الشريعة والقانون

|
استبشر المختصون في الأنظمة العدلية بفكرة إنشاء كلية الشريعة والقانون في جامعة حائل، إذ يعتبر هذا سابقة حقوقية في كليات الشريعة لأن المعتاد أن يكون هناك قسم مختص بالفقه المقارن وقسم آخر بالأنظمة بينما جاءت فكرة الكلية بدمج المقررات الفقهية مع المقررات القانونية كسابقة فريدة. والحقيقة أن مثل هذا التوجه هو دليل على اطلاع المسؤولين في الجامعة على متطلبات الواقع الفعلي للقضاء والدراسات الأكاديمية المرتبطة بالجهات الاستشارية. وحتى نؤصل الفكرة من الناحية التنظيرية نقول إن الجمع بين مقررات الشريعة والقانون هو إعادة ترتيب للبناء الفقهي والحقوقي في المملكة فكثير من المسائل الفقهية، التي كانت متناثرة في أبواب الفقه الإسلامي تم جمعها وصياغتها على شكل نظريات مثل نظرية العقد والضمان والملكية وأصل هذه النظريات مأخوذ من القانون الروماني الذي كان يقوم بترتيب جزئيات المسائل تحت منظومة متناسقة يسهل الرجوع إليها. كما تساعد هذه المنظومة على بناء الفكر الفقهي القانوني، بحيث يكون هناك ربط لجزئيات مسائل الباب بكلياته. ولذلك نجد أن كثيراً من الفقهاء في العصر الحديث اعتنوا بدراسة النظريات الفقهية ودراستها دراسة مقارنة بالقوانين التي هي غالباً آراء فقهية تحت مدرسة التشريع الإسلامي. ومن الأسس المعلومة في تأريخ القوانين وتأثر بعضها ببعض تأثر القانون الفرنسي بأصول مذهب الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - حيث إن الدولة الأموية في الأندلس في أوج ازدهارها أسهمت بنشر مذهب الإمام مالك بن أنس مما صبغ الفكر القانوني الفرنسي القديم بالأصول الفقهية المالكية وجعل المتأمل يؤكد أن هذا التمازج الحقوقي هو نتيجة الدراسات المقارنة والجمع بين الأصالة والتجديد (المقارنات التشريعية بين القوانين الوضعية المدنية والتشريع الإسلامي - أصول مذهب الإمام مالك بن أنس -للعالم الأزهري سيد عبد الله حسين). لذا فإن الدراسة المقارنة بين الشريعة والقانون هي إعادة للصياغة التشريعية التنظيمية والمساعدة على بناء جيل حقوقي يفهم الفقه الإسلامي فهماً متماسكا بحيث لا تتخرم جزئياته مع كلياته، كما أن الدراسة المقارنة بين الشريعة والقانون تساعد على تنظيم الدراسات المتخصصة مثل فقه المعاملات المالية المعاصرة والفقه الاستثنائي وإعادة تنظير العقود المبتكرة من حيث ربط الفروع الفقهية التنظيرية بالحوادث التطبيقية والاستفادة من الصياغات القانونية التي صاغت أبواب العقد كمنظومة مستقلة وإن تعددت جزئياتها في كتاب البيوع والإجارة والرهن والاقتراض ونحو ذلك. والدراسات المقارنة بين الشريعة والقانون تساعد البيئة القضائية على استيعاب القضاء والعقود المشتركة بين الدول مما يجعل قضاء المملكة العربية السعودية سواء القضاء العام أو القضاء الإداري قادراً على الانخراط في البناء العدلي الدولي بل ومؤثراً فيه لتميز الشريعة الإسلامية بالفقه الشمولي واعتبار المآلات ومراعاة نتائج التصرفات وغيرها من القواعد التي أكسبت هذا الفقه المتين الديمومة والانسجام مع متغيرات العصر والمستجدات الحياتية. وإن كان من نقص فهو بسبب المهتمين لأن الشريعة الإسلامية يوماَ ما قادت المنظومة التشريعية الدولية وأسست قواعد مازال القانون الفرنسي يسير على نهجها بل والقانونان البريطاني والأمريكي الأنجلوساكسوني ''، الذي اعتمد العرف لب أساس القانون ومعلوم أن العرف هو قاعدة تشريعية متينة فيما لا نص فيه في الشرع الإسلامي. ونخلص مما سبق إلى أن قيام جامعة حائل بالتنسيق مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في إنشاء كلية تعنى بالدراسة المقارنة بين الشريعة والقانون هو إصلاح جذري للفكر السائد عن التمايز بين الشريعة والقانون مع أن المختصين ذوي الإحاطة الشمولية يعرفون مدى الحاجة إليهما خاصة في تأصيل عقول الطلاب بحيث تكون المخرجات التعليمية وفق حاجة سوق العمل، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ممثلة في المعهد العالي للقضاء كان لها قصب السبق في محاولة ترميم العلاقة بين الدراسة الشرعية والدراسات القانونية ولذلك نجد الأثر الفقهي في الدراسات التجديدية سواء ما يتعلق بالنظريات الفقهية أو المعالجة الأكاديمية لدراسة الأنظمة في البلد بما لا يتعارض مع الشريعة والإسلامية ويحقق مصلحة للوطن والمواطن.
إنشرها