Author

كلية الشريعة والقانون .. التأهيل المتكامل للحقوقيين

|
في جامعة حائل مبادرة خلاقة سبقت بها غيرها من الجامعات، حيث يبدو لي أن تعدد الجامعات يعطي انطلاقة أفضل للتعليم العالي ويفتح آفاقا جديدة كان من الصعب دخولها، ويمهد لإصدار قرارات تخدم العملية التعليمية وخصوصا في المرحلة الحالية التي يحتاج فيها مرفق العدالة بالذات إلى المؤهلين في الشريعة والقانون أيضا، فالإلمام بهما متطلب أساسي لنجاح القاضي في عمله ونجاح المحامي في مهنته وكذلك كل من يعمل في ميدان الحقوق والاستشارات بشكل عام، حيث يمهد قرار إنشاء كلية للشريعة والقانون في جامعة حائل إلى هدم الحواجز المختلفة التي يحلو بناؤها والمحافظة عليها للحيلولة دون تطبيق الأنظمة التي تصدرها الدولة بغرض التنظيم لأعمال المحاكم وسائر الأعمال الإدارية في المرافق العامة ومنع وجود أي مشروع تنظيمي لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية. لقد وجد مصطلح القانون لنفسه مكانا بعد حرب شعواء شنت ضده حتى أصبحت عبارة تعارض الشريعة الإسلامية وتوجب استبدالها بعبارة النظام رغم أن العبرة بالمضمون والمعنى وليس بالألفاظ والمبنى، فالأنظمة في المملكة لا تعارض مطلقا الشريعة وهي تصدر بعد تمحيص وتدقيق وقبل ذلك فإن لجان الصياغة ومشروع وضع النظام يقوم عليها مخلصون في أعمالهم بهدف تنظيم العلاقات المتشابكة في القطاعين العام والخاص، وهم لا يستوردون أي قانون بل يسعون إلى صياغة قانون خاص يراعون فيه الاحتياج المحلي ولا يخالف في أي بنوده مبادئ الشريعة الإسلامية بل هو في خدمتها في التفاصيل التي يجب أن تتجدد بحسب الزمان والمكان واختلاف الظروف والأوضاع. إن تحول الطلبة السعوديين لدراسة الشريعة والقانون في دول مجاورة أمر لا يمكن القبول باستمراره في ظل وجود الجامعات السعودية في جميع مناطق المملكة وتوافر الموارد المالية والتراث الفقهي والحقوق الذي تزخر به المكتبة الفقهية الإسلامية، كما أن توجه بعض الدارسين السعوديين إلى جامعات غير معترف بها أو غير معادلة شهاداتها لدى وزارة التعليم العالي وما تم اتخاذه من إجراءات لمواجهة الشهادات الحقوقية بالذات غير المعترف بها يفرض فتح باب الدراسة في الشريعة والقانون أيضا في كلية واحدة تبني للطالب ثقافة متكاملة تجمع بين الفقه الإسلامي في المعاملات والجنايات والمواريث وغيرها من الأبواب الفقهية وبين علم الحقوق الحديث الذي يركز كثيرا على الجانب الإجرائي الجنائي والمرافعات الشرعية وبعض التقنينات في جرائم التعزير المقننة والقوانين التجارية والعمالية وغيرها من القوانين التي لا مجال لسردها لكنها تؤكد أن التقنين موجود بالفعل ولا يمكن تجاهله من الناحية الأكاديمية فضلا عن الحاجة الماسة للإلمام بالجانب النظري، فالقانون ليس مجرد نصوص مواد تقرأ كما تقرأ الروايات والقصص بل هو نظريات متعددة ومبادئ وقواعد قانونية تستند إلى فكر أصيل ومتطور، وهو في جذوره يقتبس من الدين الإسلامي والمنطق والعدالة ومتطلبات العصر بكل تعقيداته وما يجب لحماية الحقوق العامة والخاصة. ولعل الجامعات السعودية تنهض بفكرة التحول للتأهيل المتكامل في التعليم الحقوقي وإيجاد مناهج تعليمية تهدف لبناء عقل مستنير لدى طالب الحقوق، فالنقص الماثل لدى خريجي الشريعة في معرفتهم بالقانون يقابله عدم معرفة أيضا لدى طالب القانون بالشريعة الإسلامية وأحكام الفقه الإسلامي، وبالتالي فإن كلا الطالبين يحتاج إلى تأهيل متكامل يركز على الكم وليس التكرار في المناهج، فسوق العمل يواجه نقصا خصوصا ميدان القضاء الذي يتطلب العمل فيه شروطا عالية من المعرفة والخبرة والسلوك والوعي، أيضا مشروع تطوير القضاء يحتاج إلى كوادر بأعداد ضخمة لتلبية شغل الوظائف في مناطق المملكة التي ستصل إليها المحاكم الاستئنافية كما قد وصلتها المحاكم الإدارية، أما حاجة المرافق العامة ومؤسسات القطاع الخاص فإنها متجددة وتتطلب إلماما باللغة الإنجليزية تحدثا وكتابة، فهل سيكون مستوى التأهيل الحقوقي على وضعه الحالي؟ إن إنشاء كلية للشريعة والقانون سيجيب عن هذا السؤال، والأمل معقود على إدارة الجامعة أن تضع خطة واضحة ومتكاملة لتحقيق هذه الغاية النبيلة.
إنشرها