Author

الأوقاف وتعزيز التنافسية الاقتصادية

|
أعرف كما يعرف غيري كثير أن معظم الميسورين من رجال بلادنا ومن منطلقات دينية يوقفون ثلث ثرواتهم طمعا فيما عند الله في الدار الآخرة، وأعرف أيضا أن كثيرا منهم جعل الأوقاف تحت نظارة موسساتية أسموها ''الوصية'' تقوم بمهامها من خلال تنظيم إداري يقوده مجلس أمناء من الرجال المشهود لهم بالعلم الشرعي والخلق والأمانة، كما أعرف أيضا أن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لديها من الأوقاف العقارية الضخمة ما هو منتشر في أنحاء بلادنا كافة. إذن نحو أمام ثروة كبيرة تزداد سنة بعد سنة مشكلة موردا اقتصاديا كبيرا يمكن أن يلعب دورا كبيرا بل استثنائيا في تحقيق الأهداف التنموية لبلادنا متى ما وضعت له رؤية استراتيجية تحدد موقعه في العملية التنموية وماهية الأهداف التي يمكن أن يشارك في تحقيقها وآليات تحقيق تلك الأهداف إلا أننا وللأمانة لا نسمع ولا نرى أثرا لذلك ومن يطلع على تقارير بعض المؤسسات الوقفية سنويا يصاب بالإحباط بسبب ضعف كفاءة أموال الأوقاف غير المبررة منطقيا. كلنا يعلم الدور الكبير الذي لعبته الأوقاف في العصور الإسلامية السابقة رغم عدم وجود الأنظمة الإدارية والمالية والتقنية المتاحة لنا حاليا حيث غطت الأوقاف فيما مضى من القرون جميع المجالات التنموية التعليمية والبحثية والصحية والاجتماعية والثقافية وهو ما يعني أننا أمام مورد مالي ذي بعد اقتصادي منطلق من رحم الثقافة الإسلامية التي تنطلق من إيماننا العميق بالخالق سبحانه وتعالى ما يعني أننا كمسلمين متفردون بهذا المورد التنافسي وما علينا سوى استثماره الاستثمار الأمثل في تحقيق خططنا التنموية من خلال توجيه الواقفين إلى المجالات التنموية التي تتطلب مزيدا من الأوقاف وإلى رفع كفاءة الأوقاف الإنتاجية من جهة زيادة عوائدها السنوية ومن جهة تعظيم نتائج صرف تلك العوائد. خادم الحرمين الشريفين ضرب لنا مثلا رائعا يشير بوضوح لمكانة الأوقاف في تحقيق الأهداف التنموية حيث أمر - حفظه الله - بوقف كبير لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنلوجيا ''كاوست'' يوفر لها موارد مالية دائمة تقيها شر التقلبات المالية وهو أمر أصبحت جامعاتنا كافة تفكر به بجدية بل إن جامعة الملك سعود جمعت تبرعات كبيرة وشرعت في بناء أوقاف عقارية كبرى. كل ذلك يعني أن لدينا بنية تحتية قوية لفكر الأوقاف من حيث قناعة الميسورين بأهمية وقف جزء من أموالهم كصدقة جارية، ومن حيث توافر أوقاف ضخمة، ومن حيث وجود وزارة للأوقاف، ومن حيث وجود مؤسسات وقفية خاصة كثيرة وكبيرة، ومن حيث تطبيق الفكر الوقفي كأحد موارد التنمية وما علينا سوى وضع رؤية استراتيجية لتفعيل دور الأوقاف في تحقيق أهدافنا التنموية تتناسب ومعطيات الحاضر والتوقعات المستقبلية. وحيث إننا نعيش اليوم في عالم مفتوح اقتصاديا أصبحت التنافسية فيه عنصرا مهما إن لم يكن حاسما للاستقرار والنمو فقد بات من الضروري حشد الجهود والطاقات والإمكانيات كافة لتحقيق أعلى درجات التنافسية بتطوير البيئة التنافسية من ناحية وتطوير تنافسية عناصرها من ناحية أخرى وعلى رأسها العنصر البشري. وضع الأوقاف كمورد يتفرد به العالم الإسلامي في إطار منظومة التنافسية الاقتصادية لا يمكن أن يكون دون جهود تخطيطية وتنسيقية تضطلع بها جهة ذات صلة رئيسة بالتنافسية وهي الهيئة العامة للاستثمار التي أدخلت هذا المفهوم لبلادنا ورعته وأطلقت لترسيخه نظريا وعمليا جملة من المبادرات التي تزداد سنة بعد سنة إلا أنها ما زالت تركز على الجهود الحكومية وجهود القطاع الخاص لتحقيق التنافسية دون أن تلتفت لجهود المجتمع التي تشكل الأوقاف إحدى أهم أدواته في تحقيق الأهداف التنموية. أعذر الهيئة العامة للاستثمار على ذلك لأن عملية تعزيز تنافسية بلادنا يجب أن تكون مرحلية وبكل تأكيد فإن الجهات الأهم ابتداء هي الأجهزة الحكومية ذات الصلة بتعزيز تنافسية البيئة الاستثمارية في بلادنا وتعزيز تنافسية عناصرها ثم المنظمات الخاصة بأحجامها كافة سواء المنظمات الكبرى القادرة على نقل أحدث الأنظمة والتقنيات أو المتوسطة والصغرى القادرة على توظيف أعداد كبيرة من القوى العاملة واستثمارها بعد أن أهلتها الحكومة ببرامج تأهيلية محلية وخارجية أنفقت عليها مبالغ طائلة وبكل سخاء ثم الجهود المجتمعية. العذر لن يستمر طويلا إذ أعتقد أنه حان الوقت أن تلتفت الهيئة إلى هذا المورد المتفرد والكبير لترسيخ مفهوم التنافسية في القائمين عليه من واقفين ونظار أوقاف ومستثمرين لتلك الأوقاف ليصبح الوقف أحد أهم محركات التنافسية في بلادنا والتي نأمل أن تزداد قوتها عاما بعد عام لنندفع نحو العالم الأول باستثمار كل ما لدينا من طاقات ثقافية واجتماعية واقتصادية لدعم رؤى قيادتنا السياسية للنهضة ببلادنا إلى مصاف الدول المتقدمة. ختاما يسرني أن أدعو الأطراف ذات الصلة كافة بالأوقاف لحضور منتدى التنافسية، الذي سيعقد الأسبوع القادم بحضور محلي ودولي متميز للتعرف على التنافسية كقيمة وكمفهوم لتوظيف الأوقاف في مضمار التنافسية لتلعب دورها الحقيقي المنتظر في تحقيق النهضة الشاملة والمستدامة بأعلى كفاءة ممكنة ليلعب طائر الأوقاف دورا كبيرا في تعزيز تنافسية اقتصاد بلادنا محور التنمية الحقيقية كما يعرف الجميع.
إنشرها