Author

تراجع الضغوط التضخمية في عام 2009م

|
بناءً على بيانات الرقم القياسي لتكاليف المعيشة للأشهر الـ 11 الأولى من عام 2009م من المتوقع أن يسجل معدل التضخم في عام 2009م ارتفاعا في حدود 5.1 في المائة. وهذا المعدل مقاس على أساس المتوسط المتوقع لارتفاع الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة لـ 12 شهراً من عام 2009م مقارنةً بمتوسط الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة لـ 12 شهراً من عام 2008م. وعادةً ما يقاس تغير تكاليف المعيشة بهذا الأسلوب، وهو المتبع في معظم دول العالم عند ذكر معدلات ارتفاع تكاليف المعيشة، حيث ينفق المستهلكون على السلع والخدمات طوال أشهر العام وليس عند نقطة محددة خلاله، ولهذا فإن تغير متوسط الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة لـ 12 شهراً أفضل في التعبير عن تكاليف الاستهلاك من المعايير الأخرى. ومقارنة المتوسط السنوي بالمتوسط السنوي للسنة الماضية هو الأكثر استخداما للتعبير عن معدلات التضخم في دول العالم. وتظهر عدة معايير أخرى للتعبير عن معدلات التضخم، منها مقارنة التغير السنوي للرقم القياسي لتكاليف المعيشة لشهر من الأشهر بنظيره من العام الماضي. وهذا يعكس مجموع تغير الأسعار خلال عام ولكنه لا يعبر بدقة عن تغير تكاليف المعيشة للمستهلكين. ونرى في الصحف كل شهر تغيرا كبيرا في معدلات التضخم، وهذه المعدلات ليست للمتوسطات السنوية وإنما لتغير الرقم القياسي لشهر من الأشهر مع الشهر المقابل من العام الذي قبله.وتشير بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات إلى تراجع كبير في معدلات التضخم في عام 2009م مقارنةً بعام 2008، الذي سجلت فيه معدلات التضخم ارتفاعا حاداً بلغ 9.9 في المائة. ويعود التراجع الكبير في الرقم القياسي لتكاليف المعيشة في عام 2009م بدرجة كبيرة إلى الآثار الإيجابية القليلة للأزمة المالية العالمية، حيث حدت الأزمة المالية العالمية من موجة التضخم العالمية التي كانت تعصف باقتصادات العالم خصوصاً الدول الصاعدة التي من ضمنها دول مجلس التعاون في عام 2008م. وأدى تراجع نمو الطلب العالمي على كثير من المواد الأولية والأغذية في عام 2009م إلى تراجع أسعار معظم هذه المواد مما خفض إلى حد كبير من معدلات التضخم العالمية للمواد الأولية والغذائية، كما تراجع نمو الطلب على المواد الصناعية مما أسهم في انخفاض معدلات ارتفاع أسعارها، بل تراجع أسعار عديد منها. وتظهر بيانات الرقم القياسي لتكاليف المعيشة للأشهر الـ 11 الأولى من عام 2009م ارتفاع أسعار الأغذية بأقل من 3 في المائة عن الفترة المماثلة من العام الذي قبله ومن المتوقع أن يستمر المعدل بهذا المستوى إلى نهاية العام. وقد شهدت الأشهر السبعة الأولى من العام تراجعاً بأسعار المواد الغذائية، وهذا راجع في الدرجة الأولى إلى اشتداد تأثير الأزمة المالية العالمية في تلك الفترة على أسعار عديد من المواد الغذائية والأولية. وعاودت أسعار المواد الغذائية الارتفاع ابتداء من آب (أغسطس) عام 2009م وحتى نهاية العام، ولكن ما زال حجم الارتفاع في تكاليف المواد الغذائية في عام 2009م مقبولاً عند مقارنته بالارتفاع الكبير في تكاليفها عام 2008م الذي تجاوز 14 في المائة. وتعود معظم أسباب ارتفاع أسعار الأغذية قبل الأزمة المالية العالمية إلى متغيرات عالمية خارجة عن إرادة المملكة. وقد تلاشت معظم الأسباب التي كانت تدفع بالأسعار العالمية للأغذية نتيجة للأزمة المالية العالمية في عام 2009م. ويلاحظ وجود ارتفاع ملموس في أسعار اللحوم المحلية التي يبدو أنها قد تدفع بمعدلات تكاليف مجموعة الأغذية إلى الارتفاع خلال الفترة المقبلة بسبب ارتفاع أهميتها للمستهلكين، حيث تشكل اللحوم جزءا كبيراً من ميزانية الأسر السعودية والمقيمة في المملكة. وتظهر بيانات الرقم القياسي لتكاليف المعيشة أن مجموعة السكن والإيجارات بوجه خاص ما زالت المصدر الرئيس للتضخم في عام 2009م، ويتضح هذا من الشكل المرفق الذي يظهر أن ارتفاع الرقم القياسي لتكاليف السكن في عام 2009 يفوق ارتفاع الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة في 2009م. والارتفاع في تكاليف السكن يأتي في الغالب نتيجةً لأسباب محلية ولا يمكن أن يكون مستورداً. والتغير في الرقم القياسي لتكاليف السكن يعكس تغير تكاليف السكن الذي تواجهه الأسر فقط. ولا يقيس الرقم القياسي لتكاليف المعيشة تكاليف الإيجارات التي تواجهها الأعمال وإن كان هناك اعتقاد بوجود علاقة قوية بين ارتفاع الإيجارات السكنية والإيجارات التجارية، بل يسود اعتقاد بأن تكاليف الإيجارات التجارية ارتفعت بدرجات تفوق ارتفاع الإيجارات السكنية، مما قد يفسر جزءاً كبيراً من موجة التضخم التي كانت تعصف باقتصادات دول مجلس التعاون في عام 2008. ويؤثر ارتفاع تكاليف الإيجارات التجارية في معظم تكاليف السلع والخدمات، حيث إنها مكون رئيسي من تكاليف الأعمال ويضاف أي ارتفاع فيها إلى تكاليف السلع والخدمات المباعة. وقد يكون ارتفاع تكاليف الإيجارات التجارية السبب الرئيسي لارتفاع تكاليف مجموعة الأثاث السكني التي تعد المصدر الثاني للتضخم في عام 2009م. وتحتاج مؤسسات بيع الأثاث إلى مساحات واسعة من العقارات وتمثل تكاليف الإيجارات والعقارات جزءاً كبيراً من تكاليف هذه المجموعة. أما باقي المجموعات الاستهلاكية المكونة للرقم القياسي لتكاليف المعيشة فقد كانت الارتفاعات فيها بنسب مقبولة إلى حدٍ ما. وختاما، فإن من الواضح أن معدلات التضخم تراجعت في عام 2009م، ولكن هذا التراجع يعود معظمه لأسباب خارجية. وما زالت هناك عوامل محلية قد تتسبب في عودة معدلات التضخم للارتفاع ولعل أبرزها ارتفاع تكاليف السكن، الذي ينبغي السيطرة على معدلات نمو تكاليفه كي نتمكن من السيطرة على معدلات التضخم على الأمدين المتوسط والطويل.
إنشرها