Author

قطاع الأعمال السعودي.. ماذا يريد؟ وما الثمن؟

|
بداية يبدو أن عام 2010م سيكون عاماً ساخنا بالأحداث والتغيرات! رغم أن الإصلاح الاقتصادي في المملكة لم يبدأ اليوم وإنما على الأقل فيما يخص قطاع الأعمال السعودي منذ سنوات تتعدى الخمس. وإن كانت تلك التغيرات كما قلت في أكثر من مناسبة قد لا تكون مشاهدة من قبل الجميع أو محسوسة، لكن من يعيش ويشارك في عملية الإصلاح، بالتأكيد يشعر بها. وفعلا نحن مقبلون على تغيرات حقيقية وذات أبعاد لم تشهدها المملكة منذ بداية مراحل التنمية الأولى. بدأت التغيرات وبدأت معرفة أوجه القصور في القطاع الخاص منذ اليوم الأول من مفاوضات المملكة للانضمام إلى منظمة التجارية العالمية WTO، عندما وجدنا أن هناك نواقص كثيرة في مشروع التنمية المستدامة وفي حلقات الاقتصاد، إن أردنا أن ننافس ونبقى! فقد كانت هناك نواقص في صميم قواعد البيئة الاقتصادية! وعليه كانت بداية مشوار الإصلاح مع القطاع الحكومي الذي وجد أن أولى خطوات الإصلاح يجب أن تتم من هذا الباب. إصلاح الداخل الحكومي وهياكل إدارته! وإن كنا نأمل أن يكون بوتيرة أسرع وأنجع! ولكن أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أصلا. ودون الدخول في تفاصيل ما حدث من تغيرات سواء كنا ننظر لها على أنها تغيرات إيجابية أو سلبية أو لا تتعدى أن تكون شكلية في القطاع الحكومي. جاء الدور على قطاع الأعمال السعودي. وقلنا ذلك الكلام في أكثر من مناسبة ولكن طبيعة المكابرة البشرية الرافضة للتغير أو غير المؤمنة بحدوثه تؤدي في النهاية إلى أن يكون الجميع متأخرين في قبول التعامل مع واقع جديد والتأقلم معه. أتصور، متحفظا، أن نحو 30 إلى 50 في المائة من عدد المنشآت الحالي سيخرج من السوق فقط على مستوى التراخيص المعطاة من قبل وزارة التجارة، فما بالك بتراخيص البلديات التي آمل أن تتوقف تماماً، ففكرة أن كل مبنى يبنى من قبل مواطن يجب أن يكون فيه محال تجارية انتهت! لأنها غير مجدية اقتصاديا بل غطاء للتستر على العمالة النظامية وغير النظامية! بين كل بقالة وبقالة بقالة ثالثة! لا تسألوني كيف نظامية وتستر! واقع لا يصدق ولكنه موجود! قطاع الأعمال السعودي يمر بعملية تغير واسعة ليس برغبته ولكنها مفروضة بسبب التغيرات المحلية والدولية، وهذا التغير سيشمل كل القطاع الخاص وليس قطاعا دون آخر. وسيكون في 2010م أكثر وضوحا منه في السنوات القليلة الماضية حيث بدأت معطيات التغير في البروز، رغم أن كثيرين غير مقتنعين بحدوث هذا التغير حتى الآن! ولكن تركيبة قطاع الأعمال السعودي اليوم لا يمكن أن يتخيل أي إنسان عاقل أن تستمر بهذا الشكل في ظل المعطيات العالمية والمحلية الجديدة اليوم. وهي معطيات معقدة ولكنها ستؤدي في النهاية إلى هيكل جديد يجب أن يكون قادرا على المنافسة وتحقيق أهداف التنمية التي يسعى المسؤولون إلى تحقيقها للمملكة بما في ذلك الهدف الأسمى وهو رفعة الوطن والمواطن على حد سواء على الأصعدة كافة. وفي الورقة التي قدمتها في منتدى الرياض الاقتصادي قبل أسابيع قليلة بالنيابة عن الفريق المشرف على الدراسة تحت عنوان ''قطاع الأعمال السعودي.. ومواجهة التحديات الاقتصادية'' والذي شرفوني مشكورين مع أمانة المنتدى، الصديق العزيز الدكتور محمد الكثيري (سابقا، فهو وكيل وزارة التجارة للشؤون الفنية ونتمنى له التوفيق في مهامه الجسام) ومجلس الأمناء برئاسة المهندس سعد المعجل، الذي أرى أنه يعمل بإخلاص للتغير والتطوير، أقول شرفوني بأن أكون رئيس الفريق المشرف على الدراسة طوال عام كامل لإنجازها بالشكل المأمول، حيث كنا جميعاً مؤمنين بضرورة التغير، ولم تكن نتائج الدراسة مستغربة عن حال قطاع الأعمال السعودي. كذلك من خلال الاجتماع الذي جمع محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، الدكتور محمد الجاسر، برجال الأعمال من مختلف مناطق المملكة يوم الرابع من كانون الثاني (يناير) 2010م تحت قبة مجلس الغرف التجارية، كان الحديث من وجهة نظري يتم بلغتين بين طرفين مختلفين تماما، وبالتالي كانت النتائج أو الآراء بين الطرفين متباينة، ولم يكن أيضا ذلك مستغربا! فالدكتور محمد الجاسر، وهو القريب من الشأن الاقتصادي المحلي والدولي، بل هو أحد صانعي القرار فيه، ينطلق من لغة اليوم والمستقبل وبلغة ما يجب أن يكون، بينما رجال الأعمال يتحدثون عما يريدون فقط كما تعودوا منذ الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كل شيء ببلاش دون ثمن! لذا انتهى الاجتماع رغم أهميته ورغم شفافية الدكتور محمد الجاسر، والصراحة والصدق في طرحه، انتهى الاجتماع بنتيجة طبيعة، وهي عدم الرضا على ما قيل، حيث بدأ الاجتماع بالمديح والمجاملات وانتهى بـ... والنتيجة هي أن مستقبل قطاع الأعمال السعودي مشرق، ولكنه ليس بأدوات إدارة الأعمال نفسها التي تعود عليها رجال أعمالنا الأفاضل، وبالتالي من يستجيب لتلك المستجدات سيتطور ويلقى الدعم ومن يعاند ففي النهاية المسألة لا تتعدى أن يكون خارج الحسابات. وحتى نكون دقيقين في الأرقام هناك، حسب سجلات وزارة التجارة ووزارة العمل، نحو 824 ألف منشأة مسجلة ولديها ترخيص تجاري (لاحظوا أن ذلك لا يشمل رخص البلديات) منها فقط نحو 192 ألف منشأة مسجلة لدى التأمينات الاجتماعية، وهو ما يعني أقل من الربع فقط لديه برامج نهاية خدمة لموظفيه، من أصل 192 ألف منشأة مسجلة لدى التأمينات، 52 في المائة منها لديهما خمسة عمال فأقل، بينما 1 في المائة فقط لديها 500 عامل فأكثر. لذلك لا غرابة أن متوسط عمر المنشأة في المملكة لا يتعدى ست سنوات، ثم يتم إقفالها أو تقبيلها لعدم التفرغ لأنه بدأ محاولة من نوع جديد وبتأشيرات جديدة! كذلك وحسب بيانات وزارة العمل من أصل 824 ألف منشأة مرخصة، 99 في المائة تعد بمقاييس الوزارة منشآت صغيرة ومتوسطة. ولا أعلم كم منها تستر! عموما اليوم لدينا منشآت كبيرة تمثل حالات تستر واضحة، فما بالك بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة! فقد جاءني في مكتبي أحد الإخوة العرب يريد الاستعلام عن السجل الائتماني لأحد المواطنين، لأنه لم يستطع الحصول على تمويل، ويريد أن يعرف لماذا رفض طلبه؟ فقلنا له، وبأي صفة تتحدث؟ فرد بوكالة شرعية، أعتقد أنه يستطيع أن يطلق بها زوج المواطن السعودي لو أراد بهذه الوكالة الشرعية الشاملة! إذن بهذا الهيكل الذي نشاهده لقطاع الأعمال السعودي اليوم، لن يستطيع هذا القطاع عملياً أن يكون اليد اليمنى للدولة في مشاريع التنمية الضخمة وفي تحقيق أهدافها. ولا في تقديم منتجات وخدمات تناسب طموح المواطن العادي أو في استيعاب أكبر عدد من الشباب، أو في قيادة المملكة للمنافسة الدولية ونحن ضمن مجموعة العشرين، أو في الابتكار وتقديم المنتجات النابعة من السوق المحلية والحاجة المحلية، أو في... يجب على رجال أعمالنا أن يتركوا جانبا فكر ''الوكالات'' وكونهم وسيطا تجاريا لمنتجات عالمية من كل مكان، وفكر التستر! اليوم أو غدا سيأتي الجميع بنفسه لتقديم الخدمات وبيع السلع، ولن يبقى لرجال الأعمال وكالات تأخذ بشكل حصري، منطلقين من مفهوم خذها أو خلها Take it or leave it دون خدمات أو حرص على إرضاء المستهلك الذي بفضل الاحتكار والهيكل الحالي للقطاع الخاص، استهلك المواطن من قبل رجال أعمالنا، ولم يبق مواطن يستطيعون شفط أمواله! عليه: نقول تحديات اليوم تفرض على الجميع التفكير بشكل مختلف وخارج الصندوق، لأن التنافس لن يكون سهلا! وأنا في شوق شديد لرؤية الهيكل الجديد لقطاع الأعمال السعودي الذي بدا بالتشكل وأعرف هيكله المتوقع جيدا، ولكن نريد أن نراه على أرض الواقع، ففيه فرص غير طبيعية ولكن لمن يراها فقط. والله من وراء القصد.
إنشرها