Author

وجاءَ دورُ أبناءِ وبناتِ الرِّياض

|
.. لماذا طلب مقابلتي الشابان ''محمد المطيري'' و''علي النعيم'' قبل أسابيع؟ سأخبركم إن صبرتم معي بعض السطور.. إن الشبابّ هم قلبُ المدينةِ النابض، الذي يمدّ الجسدَ الكبيرَ بالطاقةِ والحيويةِ والحماسة والإبداع والإقبال على الحياة، والوقتُ الفسيح لآمالٍ فسيحةٍ لمستقبل فسيح. إن مَرِضَ هذا القلبُ أو عطب، أو إن أٌمْرِضَ هذا القلب، أو أُعْطِبَ عن تعمّدِ أو عن إهمالِ أو عن سوء فهمٍ للدور الذي يقوم به، فإنّ الجسدَ يعلن الحربَ على نفسه، يعلن ضعفا مناعيا يفتح الأبوابَ لأمراض التأخر، والتلوث الفكري، والإحباط، لتجد بيئة تشبع منها فوق الاكتفاء. إن أي إهمال أو تقليل دور للشاب، أي ضعف ثقة بهم، أي تهاون بقدراتهم، أي تضييق جائرٍ عليهم، أي قفلٍ لقنوات الحياة الرحبة أمامهم، أي صدٍّ لأبواب العطاء الفوّار الذي بإمكانهم أن يمنحوه لبلدهم، سيصير بمثابة ما حصل في القصيدة الملحمية ''الإلياذة'' عن الحرب الهيلنية، يوم أُدخِل حصانُ طروادة الخشبي داخل المدينة يحسبونه هديةَ صُلحٍ من الغزاة، وإذا هم يفتكون بالمدينة من داخلها والناسُ نيام. إن الشبابَ حين نهمّشهم فنحن ننام عن حقيقةٍ بيولوجيةٍ ونفسيةٍ بأنهم لا ينامون، إنما سيبحثون عن بيئةٍ أخرى يمارسون فيها استيقاظهم الجيّاش، ولنا تجاربٌ تفيد أن هذه البيئات خلقها مترصدون قابعون مثل جنود ''حصان طروادة'' داخل مجتمعاتنا فأخذوا فكرَ بعض الشاب لمآخذ ما كنا - لو علمنا - نريدها لهم، أو لنا. لذا أهمُّ وعيٍ يجب أن نستيقظ عليه هو أن نعطي المجالَ للشباب، والكبار ينسحبون للوراء للإشراف والمتابعة والتوجيه عند الأخطاء الصريحة، فهم سيرِدون مواردَ جديدة مستغلقة على الكبار، فلا يمكن أن تمنع ما أنتَ تجهله.. أمّا الطرق المطروقة والقديمة فسيقول لهم الكبارُ: ''مُرّوا من هنا فالطريقُ سلكناه وهو آمنٌ''، أو ''لا تمرّوا من هذا الطريق، جرّبناه وكان مليئا بالعقبات..''، ولكن لا نمنعهم، فقد يكون ما خاله الأقدمون شائكا، بتقنياتٍ ومفاهيم حديثة، يكون سالكا مثل قطعةٍ مرمرٍ تنزلق على قماشٍ من الحرير. ولمّا أتى الشابان، قدما عرضا لأعمال تطوعية قامت بها مجموعتهم في مدينة الرياض، كانت بداياتُ أعمالٍ صغيرة، ولكن بمعانٍ إنسانية بالغة العمق.. من معي وأنا رأينا كيف تتسابق الكلماتُ من فم كل منهما لفرط الحماسة، ومسابقة القصد بالكلمة، أو أن الكلمة تسابق القصد.. كانت حماستهما يافعة متدفقة، وكانت بالنسبة لي منظرا أعرفه تماما، فقد مررت به كثيرا مع أشخاص كثيرين في العمل التطوعي؛ هذا الوهَجُ في العيون، هذا الاندفاعُ في التعبير، هذا التسارعُ في عصرِ ثمرة الزمن، هذه السعادة التي لا تعادلها سعادة في لذة البداية وانتشاء الإنجاز.. علي ومحمد كانا يمثلان عشرات من أبناء وبنات الرياض العاملين فعلا بالعمل التطوعي ولكن بلا جسد يضم القلوب المتناثرة، كواكبُ بلا شمسٍ تربطهم في رابطةٍ محوريةٍ واحدة.. لذا رأيتُ أنها الفرصة الملائمة ليكون الشابان نواة لفرق ''أبناء وبنات الرياض'' تحت مسمى واحد بفرق مختلفة التخصص، ويكون دورهم كما قلنا لأبناء وبنات المدن في المنطقة الشرقية كالدَّم في الجسد ينقل الحياة والطاقة لكل عضو، وتظهر الأعضاءُ ووظائفُها ولا نرى الدّمَ ولا وظائفـَه لا عياناً ولا سمعا ولا شعورا.. وكل عضو يريده، يناديه، يهتف من أجله.. وطبّقنا هذا في الشرقية فصارت الطلائعُ امتدادا لكلِّ مِرفَقٍ حيويّ، لكل مجموعةٍ تطوعيةٍ، لكل عملٍ إنجازي خدَمي خيري، تأتي الفرقُ كالدم ترفد أعضاء المدينة، تحضر سواعدُ وهمم الشباب وعقولهم لتجعل العمل ممكنا ومبدعا لكل جهةٍ، ثم ينسحبون لموقع آخر، فعُرِفوا من حين لم يكن قصدهم أن يُعرَفوا.. شابّان نواةٌ لفرق مدينة تعتبر كبرى مدن العالم امتدادا؟ نعم.. ولا أتردّد! بدأت فرقُ أبناءِ وبنات الخبر والدمّام والقطيف بأشخاص عددناهم على الأصابع في أول اجتماع، وإذا هم آلاف مؤلفة في أقلّ من عام.. والحبلُ على الجرار. والنتيجة؟ تعلقٌ بالمدينة، تعلق بتراب كل الوطن، ترابط بين الشباب، مدت جسور من الصداقة والمحبة والتعاون والمشورة بين شباب الدمام والخبر والقطيف.. وامتلأ فراغ الشباب بما يفيدهم وناسَهم، وفاضت طاقتُهم لتحريك عربات الإنجاز. سيتكاثر الشبابُ مثل سرعة انشطار الذرّة، مثل انقسام الخلايا النشطة المنتجة، هذا ما خبرناه.. لذا لم نتعجب عندما طلبتُ من الشابّين أن يتوجهوا لشباب الشرقية ليختصروا طريقا سلكوه من قبلهما ويستفيدا من تجاربهم، حين لم يترددا للحظةٍ، وفي المنطقة استقبلهما الشباب أجمل استقبال بل كان بمثابة الاحتفال. وما أتمناه الآن أن تُرعى هذه النواة من أكبر محبٍّ لمدينة الرياض!
إنشرها