Author

عزوف الشباب عن العمل في القطاع الخاص

|
العنوان مستمد من مقالة للأخ الفاضل عبد الرحمن بن محمد السدحان في جريدة ''الجزيرة'' ( ذات المكانة الصحافية البارزة والانتشار الواسع) في عددها رقم 13591 الصادر يوم الإثنين 27/12/1430هـ تحت عنوان ''لندع السعودة تنجز مهمتها على نار هادئة'' . لقد كان مقالاً رائعاً في موضوعه وأسلوب طرحه، ما شدني إلى تأمله وشجعني على أن أدلي بدلوي في هذا المجال الذي يحظى بأهمية خاصة يجسدها توجهات الدولة الجادة المتمثلة فيما تم تبنيه من استراتيجيات وضوابط هدفها تسريع برامج السعودة دون الإخلال بالمنجزات أو التباطؤ في خطط التنمية والتطور على مستوى الوطن. وما أود الحديث عنه مما تطرق إليه العبد الرحمن في مقالته الجملة التالية: ''ثم تساءلت عما إذا كان عزوف الشباب المؤهل عن العمل في القطاع الخاص وإدمانه (أفيون) الوظيفة الحكومية عقدة لا انفصام لها ولا حول ولا قوة عليها، أم أنها مسالة تخضع لظروف الزمان والمكان''. في تقديري ليس هناك عزوف، رغم ما للوظيفة الحكومية من إغراءات، سأتطرق إليها في مقالتي هذه، وإنما هناك معطيات وظيفية واجتماعية قد يكون لها الدور الأكبر في ضآلة الملتحقين بالقطاع الخاص من الشباب المؤهل عند قياس عدد الملتحقين بعدد الفرص الوظيفية المتاحة في مؤسسات القطاع الخاص بعدد الباحثين عن عمل أو متطلعين إلى فرص أفضل، يمكن تلخيصها في المجالات الأربعة التالية: أولاً: طبيعة أعمال بعض مؤسسات القطاع الخاص وظروفها التي تتمثل فيما يلي:(1) 1- حداثة نسبة عالية من مؤسسات القطاع الخاص كموظِّف في مجالات تتعدى المهن البسيطة التي كانت أعماله تتطلبها. 2- لا تزال أعمال التجارة والخدمات والصيانة والصناعات البسيطة تطغى على معظم نشاطات القطاع الخاص، وهي في أغلبية المؤسسات الفردية والصغيرة لا تزال أعمالاً لا تغري المواطن الباحث عن عمل, إذ إنها ليست ذات مردودات مالية كافية, كما أنها ليست كلها في مقر إقامة طالبي العمل. والأعمال من هذا المستوى عموماً (باستثناء الأجهزة الحكومية)، لا يُقبل عليها المواطن لاعتبارات مالية واجتماعية. 3- المهن ذات المردودات المالية العالية التي ترتكز عليها نشاطات القطاع الأهلي جديدة على البلاد، ما يعنى عدم توافر عمالة وطنية معدة تُلبي الحاجة بشكل فوري، في حين أن أصحاب الأعمال في حاجة إلى عمالة جاهزة، ولا يوجد ما يلزمهم بالإسهام في تدريب وإعداد المواطن، وإن تم شيء من ذلك فلا يتعدى برامج التهيئة لمن لدية القدر المطلوب لشغل الوظيفة من المعرفة والمهارة والقدرة اللازمة لأداء العمل. 4- كثير من أعمال القطاع الخاص (التي تمثل في مجموعها أغلبية القطاع الخاص) صغيرة ولا تحتاج إلا إلى أعداد قليلة من العمالة المرنة التي لديها الاستعداد لأن تؤدي أي عمل يطلبه صاحب العمل وخلال ساعات عمل غير محددة في الغالب، مقابل أجور غير مجزية إذا قورنت بما يمكن أن يقنع به المواطن حسب التزاماته وتطلعاته. 5- بعض أصاحب الأعمال لا يستقرون على نشاط معين, فهم يتابعون حاجة السوق مما لا يمكن معه أن يوفروا فرص عمل مناسبة يشعر فيها العامل المواطن بالاستقرار الوظيفي والتقدم المهني. 6- كثير من أعمال القطاع الخاص عبارة عن عقود، سواء كانت تشغيلا أو صيانة أو تأمين لوازم أو إنشاء مبان، ما يجعل الحاجة إلى العمالة متبدلة، عدداً ومجالاً حسب متطلبات العقد الذي يتولون تنفيذه. 7- إصرار بعض أصحاب الأعمال على تحقيق أرباح عالية في ظل غياب تقنين مستوى الخدمة وضمان الجودة ما يشجع صاحب العمل على استخدام عمالة رخيصة غير مؤهلة .. والعمالة الوافدة توفر ذلك. 8- تُسمِّى بعض المؤسسات بأسماء أصحابها ما يجعل المواطن يحجم عن العمل فيها، خصوصاً إذا كانت المؤسسات صغيرة، وذلك لأسباب اجتماعية. 9- كثير من الأعمال في القطاع الخاص تتطلب اللغة الإنجليزية التي لا تتوافر لدى أغلبية طالبي العمل من المواطنين، خصوصاً من تعليمهم دون الجامعية. ثانيا: عوامل مساعدة 1- عدم مواكبة بعض الأنظمة ذات العلاقة لبعض التطورات المتسارعة التي حدثت منذ صدورها، أو أن ما أدخل عليها ليس كافياً. 2- عدم إلزام جميع المؤسسات الخاصة (وأقصد بذلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وليس الشركات الكبيرة)، على اختلاف أحجامها ونشاطتها، بإيجاد نظام واضح للعاملين تحدد بموجبه حقوقهم وواجباتهم. 3- عدم التوافق بين مقر الحاجة إلى العامل (كما هو في المدن الكبيرة خصوصاً الأعمال التي لها صفة الثبات، إذ البعض من تلك المؤسسات الصغيرة متنقلة من مكان إلى آخر حسب متطلبات العمل) ورغبة طالب العمل لاعتبارات أسريّة (إذ إن العامل إما أن يكون موجوداً في القرى أو المدن الصغيرة التي مجال الأعمال فيها ضيق، أو أنه يريد الثبات في مقر معين حسب ظروفه الأسرية، في حين أن العمل المتاح يتطلب منه أن ينتقل من مكان إلى آخر). 4- ارتفاع مستوى المعيشة في البلاد بما يتناسب ومستواها الاقتصادي قلل من إقبال المواطن على الأعمال ذات المردودات المالية البسيطة التي تمثل نسبة لا بأس بها من أعمال القطاع الخاص. 5- إغراءات العمل في أجهزة الدولة مثل: - الراتب الجيد. - الاستقرار الوظيفي وتوافر فرص التقدم المهني. - توافر فرص العمل في مختلف المدن والقرى. - واقعية عدد ساعات العمل مقارنة بساعات العمل في القطاع الخاص. - طول مدة العطل الرسمية (الأسبوعية والأعياد). - المرونة لدى بعض الأجهزة في التعامل مع موظفيها. 6- وفرة الأعمال البسيطة في الأجهزة الحكومية مثل وظائف المستخدمين والأعمال الإدارية البسيطة، أو الأعمال المساعدة التي لا تتطلب مؤهلاً علمياً أو مهنياً متخصصاً. 7- طبيعة الحياة الاجتماعية في البلاد تفرض أن يتولى الرجل القيام بمتطلبات أسرته مثل إيصال الأبناء إلى المدارس والعودة بهم (ربما لعدم وجود ترتيب مناسب في توزيع الخدمات والمرافق مثل المدارس والوحدات الصحية والأسواق .. إلخ على جميع الأحياء) ما يجعل المواطنين يفضلون العمل في الأجهزة الحكومية التي توفر لهم المرونة في ذلك، على خلاف ما يتطلبه العمل في القطاع الخاص. ثالثاً:المشكلة الناتجة عن ذلك عدم توافق متطلبات الطرفين (صاحب العمل وطالب العمل) في أمور منها: ولا يلام القطاع الخاص على حرصه على مصالحه المشروعة, إذ إنها تمثل الهدف الرئيس لإنشاء المؤسسة أو الشركة، غير أن ذلك لا يمثل جميع الأهداف التي من بينها خدمة المجتمع في مجالات عدة منها المساهمة في إعداد القوى العاملة الوطنية. رابعاً: النتيجة والتطلع والنتيجة الحتمية المترتبة على استمرار اعتماد القطاع الخاص على العمالة الوافدة في حين تتزايد فيه أعداد المواطنين الباحثين عن عمل. لا شك أن هذه معضلة .. ويجب ألا تكون الحلول نظرية أو مبنية على انطباع أو تصور مثالي، ويتفق هذا مع انتهى إليه عبد الرحمن في مقالته، حيث بسط ذلك بشكل موجز في الفقرة (ثانيهما). التي بدأها بجملة تقول: (هناك حاجة إلى التعرف ميدانياً عبر آلية إحصائية دقيقة..). وإذا لم يدرس موضوع توطين الوظائف في كل مؤسسات القطاع الخاص بواقعية في ظل تصور حقيقي للمشكلة وأبعادها، من واقع معلومات دقيقة، فإن الأمر قد ينتهي بتنظيم أحرى أنه يؤدي إلى بعض أو كل من التالي: 1- ارتفاع رسوم خدمات القطاع الخاص وأسعار بضائعه، وبالتالي عدم قدرته على المنافسة في سوق مفتوحة. 2- أو تدني مستوى منتجاته وخدماته، وبالتالي انصراف الزبائن عنه. أما القول بمساندة برامج توطين الوظائف في كل مؤسسات القطاع الخاص عن طريق حماية الصناعة والخدمات المحلية من المنافسة الخارجية وما يترتب على ذلك من إيجابيات منها ما يتعلق بالقوى العاملة الوطنية بأي من أساليب الحماية، فلا أعتقد أن ذلك وارد إذ إنها لم تصل بعد إلى حد إشباع حاجة البلاد كما ونوعا من ناحية، وعدم كفاية الكفاءات الوطنية المناسبة لكل الأعمال من ناحية ثانية، يضاف إلى ذلك أن إبعاد المنافسة الأجنبية في مرحلة التكوين التي يمر بها القطاع الخاص، سيؤدي إلى خموله وركونه إلى الحماية انطلاقاً من اضطرار الزبائن إلى منتجاته وخدماته لعدم وجود البديل، ما سيحد بالضرورة من دوافع التقدم والتطور في مجالات الصناعة والخدمات المحلية إن لم يؤدِ بها إلى التراجع عن المستويات الجيدة التي حققتها، أو لا سمح الله، إلى التوقف.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها