Author

ميزانية تنافسية الموارد البشرية الوطنية والتعاضد لرفع كفاءتها الإنتاجية

|
يقول الكاتب جيفري فيفر ''إن نجاح المؤسسات يعتمد على طاقتها البشرية (الأفراد) ويصفها بأنها مصدر للميزة الاستراتيجية التنافسية'' لهذا يجب الاستثمار في المورد البشري والعناية به'' وهو كلام غاية في الدقة لإن الموارد البشرية الابتكارية والإبداعية هي التي تستطيع كسر حواجز التقليدية وتحقق احتكار القيم والمفاهيم الإنتاجية والتسويقية. ويعرف الدكتور علي السلمي القدرة التنافسية بأنها ''المهارة أو التقنية أو المورد المتميز الذي يتيح للمنظمة إنتاج قيم ومنافع للعملاء تزيد عما يقدمه لهم المنافسون، ويؤكد تميزها واختلافها عن هؤلاء المنافسين من وجهة نظر العملاء الذين يتقبلون هذا الاختلاف والتميز، حيث يحقق لهم المزيد من المنافع والقيم التي تتفوق على ما يقدمه لهم المنافسون الآخرون''، وكلنا يعلم أنه لا مورد بشريا مميزا دون تأهيل مميز. أما مايكل بورترمنظر التنافسية الشهير فيقول ''إن الميزة التنافسية تنشأ بمجرد توصل المؤسسة إلى اكتشاف طرق جديدة أكثر فعالية من تلك المستعملة من قبل المنافسين، حيث يكون بمقدورها تجسيد هذا الاكتشاف ميدانياً، وبمعنى آخر بمجرد إحداث عملية إبداع بمفهومه الواسع''وأقول إن توصل أي مؤسسة إلى أي اكتشاف لن يكون إلا من خلال الموارد البشرية المؤهلة والماهرة والطموحة والخلوقة والمقدرة. وإذا أدركنا أننا أمام استحقاق تنافسي عالمي لا مفر منه نتيجة انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية فإننا سندرك أهمية تعزيز بيئتنا التنافسية لمواجهة الخارج الذي يبذل هو الآخر جهودا كبيرة لتعزيز بيئته التنافسية المتقدمة أساسا في كثير من الأحيان لأسباب ليس هنا مجال ذكرها لتعزيز الفعالية الاقتصادية الوطنية، ولأدركنا أن التنافس هو الصيغة الإنسانية للاحتراب والتطاحن على المصالح، وهو الصيغة الممارساتية للجدل المؤدي إلى الوجود والارتقاء كما عبر عن ذلك الكاتب نجيب نصير. تنافسية البيئة الاستثمارية تعني تنافسية مورادها والتي تشكل الموارد البشرية أهمها (التجربة اليابانية دليلا )، وتنافسية الموارد البشرية تقاس بالجدارة، والجدارة لا تتحقق إلا من خلال التأهيل السليم من خلال المؤسسات التعليمية والتدريبية ولذلك تهتم الحكومات بمؤسسات التأهيل أيما اهتمام لأنها مصانع الموارد البشرية المنافسة التي بدورها توظف الموارد التنافسية الأخرى حتى وإن كانت غير متاحة في البلاد (تجربة صناعة السفن في كوريا الجنوبية نموذجا) لتحقيق ميزات تنافسية للمنتج الوطني بما يعزز وينوع قواعد الإنتاج الاقتصادي ويرفع إجمالي الناتج المحلي للبلاد. منذ عدة سنوات وجميعنا يلحظ تحولات هيكلية في اقتصاد بلادنا من الهيكل الريعي إلى هيكل اقتصادات السوق وهو تحول لابد منه إذ لايمكن أن نرهن مستقبل بلادنا لمورد اقتصادي طبيعي غير متجدد متقلب الأسعار تسعى معظم دول العالم المتقدمة لإيجاد بدائل فاعلة له، وهو تحول لايمكن أن يكون بين عشية وضحاها إذ لابد من إعادة تشكيل البنية التشريعية والبنية التحتية والبنية الثقافية والاجتماعية لاستيعات هذا التحول التفاعل إيجابا معه. الإيرادات الكبيرة التي تحققها بلادنا اليوم بفضل من الله نتيجة ارتفاع أسعار النفط إلى أسعار عادلة نسبيا كما أعلن عن ذلك وزير النفط السعودي قبل عدة أسابيع لن تؤتي ثمارها ما لم نصرف مبالغ كبيرة منها في البنود الاستثمارية خصوصا بند الاستثمار في الموارد البشرية وهذا ما فعلته حكومتنا بقيادة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وها نحن نرى الإنفاق السخي وغير المسبوق على المؤسسات التأهيلية (تعليم، تدريب)، حيث انتشرت الجامعات والكليات والمعاهد في المدن والمحافظات والمراكز بشكل غير مسبوق لتأهيل الموارد البشرية الوطنية المنافسة القادرة على اغتنام الفرص الاستثمارية والفرص الوظيفية التي تطرحها الأسواق المحلية المتنامية كما ونوعا. 137.6 مليار ريال من أصل 540 مليار ريال إجمالي موازنة عام 2010م (نحو 25.5 في المائة) مبالغ تشير بكل وضوح إلى عزم الحكومة على تعزيز البيئة التنافسية السعودية من خلال رفدها بموارد بشرية وطنية مؤهلة قادرة على المنافسة بالاستناد إلى المعرفة والمبادرة والدراسات والأبحاث والمسؤولية والسمات الأخلاقية والقيم النبيلة والمفاهيم السليمة والتعامل بكل أمانة مع المال العام. هل نحن على أعتاب توفير موارد بشرية تتصف بهذه الصفات لأننا صرفنا مئات المليارات وسنصرف مئات أخرى على تطوير منشآت وكوادر ومناهج تأهيلها؟ بكل تأكيد الإجابة لا وإن كان من المفروض أنها تكون نعم بالفم المليان، ولكن الحقيقة غير ذلك نعم فالأرقام تشير لفاقد كبير في تلك الميزانيات نتيجة التسرب وتغيير التخصص والعمل بغير المؤهلات إلى غير ذلك من الأسباب والواقع يقول إن مورادنا البشرية مازالت غير منافسة والقطاع الخاص وللأسف مازال يرغب في الوافد. ومن أجل أن نحقق طموحات القيادة و تحقق هذه المبالغ الكبيرة النتائج المرجوة فلا بد أن يكون هناك مسؤول صالح يستجيب لإرادة وإدارة الملك الصالح الذي لم يترك لمسؤول عذرا، إذ على كل مسؤول أن يعمل بكل أمانة ومسؤولية لتحقيق أعلى كفاءة إنتاجية للمال العام الذي أؤتمن على إنفاقه لتطوير الموارد البشرية الوطنية، والأمانة تقتضي تفعيل ذلك المال وعدم تبذيره أو تصريفه والمسؤولية تقتضي أن يبحث المسؤول عن أفضل ما هو متاح لتأهيل مواردنا البشرية الوطنية وعدم الاكتفاء بما يمشي الحال ولا يثير المشكلات.
إنشرها