Author

جامعةُ الدمّام .. تحدي الاندفاع للأمام

|
.. إن لم تكن الجامعاتُ صورةً انعكاسية لحركةِ المستقبل، فلن تعدو أن تكونَ انعكاساً لركودِ الحاضر. نهنئ الدكتورَ ''عبد الله بن محمد الربيش'' بتعيينه مديراً عاما لجامعة الدمام .. ولأول مرةٍ يكون لهذه المدينة جامعة باسمها، مِمّا يضفي على المدينة بُعداً جديداً، هو البعدُ المعرفي والأكاديمي. ومدينة الدمام تستحق جامعةً باسمها، ولكنها تستحق جامعةً تصل إلى مستوى طموح ما تأمله منطقة مهمة من الآن، ومِنصة الانطلاق المناسبة للمستقبل، مستقبل المدينة، ومستقبل المنطقة، وتسهم في مستقبل كل البلاد.. إن لم تؤدّ هذه الجامعةُ هذه المهمّة، ولم يكن لها هذا الطموحُ مفصَّلا باستراتيجيةٍ ورؤيةٍ وأهدافٍ قابلةٍ للقياس والمراجعة والمقارنة، فإنها ستكون مجرّد عددٍ مضافٍ لجامعاتٍ نمطيةٍ يدلفُ من مرزابها نتاجٌ لا ينافس في سوق محلية، بلـْه سوقٍ داخلية. لذا على الدكتور ''الربيش'' كأول مديرٍ لجامعة الدمام، وهذا ظرفٌ تاريخيٌ لا يتكرر إلا للقلة، أن يترك بصماتٍ كبرى تطبع شخصية هذه الجامعة وتعطيها رونقها الأكاديمي المعاصر الخاص، وتطبق بيئة الجامعات الحقيقية، لا جامعات المباني والفصول وبيروقراطية الأداء في الأكاديميا والإدارة. وهنا جسامةُ مسؤولية أن تكون رائداً، فالرائدُ الذي لم يسبقه أحدٌ لن يجد من يلومه على الأخطاءِ قبله، ولا تبريرَ أنه وجد ترِكة ثقيلة فكان عليه أن يحملها.. أما إن كانت المسألة نقلا شكلياً، والوضعُ سيستمر لوضعٍ سبق، فإن المسألة لن تكون جديدة بقدر ما هي مبانٍ قائمةٍ، مع آلية موجودةٍ، مقامةٍ على هيكل تقادمتْ أسسُه.. ولن يكون في المشهدِ إلا تغيير اللوحةِ من اسم لاسم. سيكون الدكتورُ ''الربيش'' أمام تحدِّي الموقف التاريخي، ومِعْصَرة الريادة، وواقع إداريٍ وبيروقراطية نفهمها جميعا وجربنا نتائجها، ولكن ليس هذا عذراً، وإن كان عذراً من الآن فلا جديد، فكأن الذي صار هو منصبٌ جديد وليس رجلاً جديداً. لذا نتوقع من الدكتور ''الربيش'' أن يتنبأ بأن الذين سيأتون من بعده سيقولون: ''هذه تركة الدكتور الربيش أولُ مديرٍ لهذه الجامعة..''، وهنا إما أن تكون التركةُ عبئاً، وإما أن تكون ثروةً معرفية.. ولو في بداياتها. وشتـّان بين التركَتيْن. ومتى قبلتَ عملاً كبيراً فلا بد أن تنجزَ عملاً كبيراً بالمقابل .. ونظن أن صديقـَنا الدكتور ''الربيش'' يعي ذلك حقّ الوعي.. لذا هي تهنئة نزفّها له، ولكننا أيضا نعرف أيضا أنها ليست فرحاً قائماً، أو أنها يجب ألا تكون، بل ستكون وقتاً مُضْنياً من العملِ للتغيير والابتكار والتحديث، وهذا الوقتُ ليس من طبيعته الاحتفاءِ والاحتفال، بل الكدّ والجهدِ وسباق مع الوقت، وجهاد ضد ظروفٍ إجرائيةٍ إداريةٍ وماليةٍ صعبة التخطي.. وهنا محكُ العقول الكبار. إن المشاكلَ الكبرى هي تمرينٌ أعظم للدماغ المفكّر، تماما مثل اكتساب عضلاتٍ جديدة، وطاقةٍ مضافة بعد تمرين بدَنيٍّ مستمر وثقيل. بل نقول لا يبرزُ دورُ الدماغ إلاّ عندما تدلهِمُّ الصعابُ. إننا في أول خطوةِ عملٍ لجامعةٍ تحمل اسم مدينةٍ مهمة لأول مرة، في طريقٍ لإحداث تطويرٍ نوعي، ولنتنبه لهذا السؤالُ الذي لا نسأله، فالسؤالُ الشائعُ هو: ''هل تنتج جامعاتُنا مخرجاتٍ صالحةً لسوق العمل؟'' هذا هو السؤال الذي عَمّ في الأمة، وفي رأيي أنه صحيحٌ في موقع غير صحيح. فالسؤالُ المنطقي والمناسب الذي يجب أن يسبقه ليكون مهمازَ انطلاقةِ الجامعة، ومحورَ فلسفتها، ومولدَ عملِها هو التالي: ''هل سيجد الطلابُ والطالباتُ في الجامعةِ البيئةَ الأكاديميةَ التي تحقق تطلعاتـَهم وتساعدهم على فهم العصر''؟ من هنا يجب أن ينبعَ التكوينُ الجامعي في الأصل.. فبدون إثارة رسْمِ الشخصية الجامعية الحقيقية سنتلكأ في الوصولٍ لمُنتجٍ علميٍّ كفؤٍ وحقيقي.. والبيئة الأكاديمية هي بيئةٌ تسبق مجتمعَها المحيط بمعامل البحث، وبمصارد المراجع، وسلوك عامٍّ سمتُه الانتظام واحترام دستور التعليم بين الطلاب والهيئة التعليمية بالتبادل الظرفي والموضوعي. هي قريةٌ صغيرها علـَمُها العِلـْمُ، وسكانها هم طلابُ علمٍ.. جميعاً، من تلاميذ وأساتذة. هذه هي الروحُ التي لا تغيب عن سماءِ القرية العلمية؛ السعيُ الذي لا يقف نحو مزيد من التحصيل لكل فردٍ من أفرادِها بلا استثناء. أول تحدٍّ صعبٍ أمام جامعة الدمام أنها ستكون تحت ضغط أن تنتج مُخرجا بشريا قادراً على تحسين حياته ثم تحسين المجتمع حوله، قادراً على تسلم زمام الأعمال، أو حتى خلقها، رغم واقع الشحّ المالي، والإجراء الثقيل. إن ضاعتْ أول فرصةٍ للتطوير في مشروعٍ جديد، فإنها لن تضيع فقط، وإنما نهابُ أن تكون فجوة سوداء في المستقبل تبتلعُ أي محاولة تطوير!
إنشرها