Author

قبلة سلطان على جبين الجنود

|
في صبيحة الأحد الماضي في الواحدة فجراً عشت مع نفسي حالة توحد ليس لأن الليل أرخى سدوله أو عسعسة الليل أو سبات الكون لكنها حالة المشهد والتداعيات والتاريخ الاجتماعي الذي يسكن في أعماقنا. التلفزيون السعودي قدم تقريراً مصوراً عن زيارة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى المصابين من جنودنا البواسل الذين أصيبوا وهم يدافعون عن أرض الوطن على حدودنا الجنوبية، الأمر قد يكون اعتياديا بل واجب القائد أن يزور جنوده ومعاونيه، لكن ما حدث أن الأمير سلطان شكر الجنود بطريقة الشهامة العربية التي تفيض بالمشاعر والحس الأبوي عندما انحنى على رأس وجبين كل جندي وضابط وطبع أغلى قبلة على تلك الجباه المخضبة بالدم والبارود ورائحة المعركة انحنى شوقاً ومحبة وطواعية على جباه الجنود ليقول إن قلبي ومشاعري ونبضاتي معكم أنتم في الجبهة تدافعون عن تراب وطنكم وتقاتلون المخربين والزمر الحاقدة التي تتربص بدياركم في كهوف الجبال وبالمغارات والجيوب المنزوية من أجل القتل والتخريب. حالة التوحد والتداعيات العاطفية التي عشتها وعاشها معي المشاهد عندما دنا سلطان بكل تحنن وقبل جبين المقاتل فدخلت في حوار داخلي مع نفسي حين قلت إن هذا القائد وهذا الوزير وهذا الأمير جاء من أقاصي الأرض من ما وراء البحار ومن وراء المحيط الأطلسي ومن بلاد عبد الرحمن الداخل ومن ديار الأندلس وشواطئ الأبيض المتوسط جاء وهو يسعى بالمحبة والعاطفة للأرض الطاهرة ولأبنائها الكرام جاء رغم المعاناة مع المرض ورحلة العلاج وغربة الوطن جاء ليقبل رأس وجبين الجنود بإصرار ورغبة كاسراً كل التقاليد والأنماط الإدارية كونه القائد العسكري والوزير والأب الوقور وهو الذي لتوه جاء من رحلة علاج يحتاج منا إلى قبلة الجبين لكن سلطان الخير أراد أن يرسل لنا رسالة بليغة ومضغوطة ومباشرة مضمونها أن من يملك القيم والأخلاق والشهامة لا بد أن ينزع كل براثن الكبرياء والخيلاء والعظمة. رسالة قصد منها أميرنا سلطان كسر نعرة الكبرياء والفوارق رسالة للأبناء والأحفاد من أسرته ورسالة لكل أسرة في هذا الوطن رسالة للوزراء والقياديين لمن أعتقد أنه استطال وأصبحت قامته فوق الشعب وأن التميز والتفرد هو استثناء فئوي.. رسالة لامعة لها شعاع ونور بارق للمجتمع السعودي من رجال السياسة والأعمال والتنفيذيين وللتجار ومن يقومون على مصالح المواطنين أن للمواطن كرامة وحبا وتقديرا عميقا وكبيرا لدى قيادتهم.. وهي أيضاً درس ومنهج في تعزيز الانتماء والولاء للقيادة والأرض، فالجنود الذين قبل جبينهم الأمير سلطان ستكون في سجلاتهم العسكرية أفضل وأغلى الأوسمة وهي أيضاً أكبر شحنة نفسية ومعنوية للقوات المسلحة المرابطة على الحدود للدفاع عن الوطن بأن التقدير والاحترام لهم ما داموا أوفياء لدينهم ومليكهم ووطنهم.
إنشرها