Author

غرامات التأخير .. أنواعها ومشروعيتها (1)

|
يوجد نوعان من غرامات التأخير, النوع الأول يتعلق بتأخر الملتزم في تنفيذ وتسليم العمل الذي التزم بإنجازه وأدائه في موعده المحدد, ومن أمثلة ذلك ما ينص عليه في عقد المقاولة من إلزام المقاول بدفع مبلغ معين من النقود عن كل يوم أو عن كل أسبوع أو عن أي فترة من الزمن يتأخر فيها عن إتمام وتسليم العمل الذي تعهد به, وكذلك ما ينص عليه في عقد التوريد من إلزام المورد بدفع مبلغ معين من النقود عن كل فترة زمنية معينة يتأخر فيها عن توريد الأشياء التي تعهد بتوريدها. يطلق عادة على هذا النوع من الغرامات في الفقه القانوني مصطلح الشرط الجزائي, وتكاد تجمع القوانين المقارنة على جواز هذا الشرط, ونسوق على ذلك مثلا المادة 223 من القانون المدني المصري التي أجازت للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في اتفاق لاحق. وأوضح الدكتور عبد الرزاق السنهوري - يرحمه الله - في الجزء الثاني من كتابه القيم ''الوسيط في شرح القانون المدني'' وجود اختلاف بين القوانين المقارنة حول وجوب توافر عنصر الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي, فطبقا لأحكام القانون المدني المصري لا يستحق الشرط الجزائي إذا لم يكن هناك ضرر أصاب الدائن, على أن عبء إثبات عدم وقوع الضرر يقع على المدين أي (الملتزم) لأن وجود الشرط الجزائي يجعل الضرر واقعا في تقدير المتعاقدين, ولذلك يفترض وقوع الضرر, ولا يكلف الدائن إثباته, وعلى المدين إذا ادعى أن الدائن لم يلحقه أي ضرر, أن يثبت ذلك. أما في القانون المدني الفرنسي فقد نصت المادة 1153 منه على أنه (إذا ذكر في الاتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذه يدفع مبلغا معينا من النقود على سبيل التعويض, فلا يجوز أن يعطى لتعويض الطرف الآخر مبلغ أكثر أو أقل). كما ذهب القضاء الفرنسي إلى أن الشرط الجزائي يستحق حتى لو لم يثبت الدائن أن هناك ضررا أصابه, فإن اتفاق الطرفين على شرط جزائي, وتقديرهما مقدما التعويض المستحق, معناه أنهما مسلمان بأن إخلال المدين بالتزامه يحدث ضررا اتفقا على المقدار اللازم لتعويضه. واستقر الفقه الإسلامي المعاصر على جواز العمل بهذا النوع من غرامات التأخير (الشرط الجزائي) ذلك أن تأخر المتعاقد أو امتناعه عن تنفيذ التزامه في موعده المتفق عليه يلحق ضررا بالطرف الآخر في وقته وماله, فلو أن متعهدا بتقديم مواد خام معينة إلى صاحب مصنع تأخر عن تسليمها إليه في الموعد المضروب لتعطل المصنع وعماله, ولو أن بائع بضاعة لتاجر تأخر في تسليمها حتى هبط سعرها لتضرر التاجر بخسارة قد تكون فادحة. وقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء في السعودية بالإجماع قرارا برقم 25 وتاريخ 21/8/1394هـ يقضي بأن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعا, فيكون العذر مسقطا لوجوبه حتى يزول. وإذا كان الشرط الجزائي كثيرا عرفا يراد به التهديد المالي ويكون بعيدا عن مقتضى القواعد الشرعية فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسبما فات من منفعة ولحق من ضرر ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر عملا بقوله تعالى ''وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل'' وقوله سبحانه ''ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى'' وقوله - صلى الله عليه وسلم - ''لا ضرر ولا ضرار''. وعلى غرار أنظمة المناقصات والمشتريات الحكومية السابقة أوجب نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/58 وتاريخ 4/9/1427هـ فرض غرامات التأخير على المتعهد أو المقاول الذي يتأخر في تنفيذ الأعمال والخدمات وتسليمها في الموعد المتفق عليه حيث نصت المادة 48 من النظام المذكور على أنه ''إذا تأخر المتعاقد في تنفيذ العقد عن الموعد المحدد تفرض عليه غرامة تأخير لا تتجاوز 6 في المائة من قيمة عقود التوريد, ولا تتجاوز 10 في المائة من قيمة العقود الأخرى''. كما نصت المادة 49 على أنه ''إذا قصر المتعاقد في عقود الصيانة والتشغيل والعقود ذات التنفيذ المستمر في تنفيذ التزاماته تفرض عليه غرامة لا تتجاوز 10 في المائة من قيمة العقد مع حسم قيمة الأعمال التي لم تنفذ''. وإضافة إلى فرض الغرامات المذكورة أعلاه قررت المادة 50 أن يتحمل المتعاقد تكاليف الإشراف على تنفيذ المشروع خلال مدة خضوعه لغرامة التأخير. وحددت المادة 51 حالات الإعفاء من الغرامة, حيث قررت أن ''يتم تمديد العقد والإعفاء من الغرامة باتفاق الجهة الحكومية المتعاقدة مع وزارة المالية إذا كان التأخير ناتجا عن ظروف طارئة أو لسبب خارج عن إرادة المتعاقد, بشرط أن تتناسب مدة التأخير مع هذه الأسباب''. وقد وضعت اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية الأحكام والقواعد التفصيلية لكيفية فرض غرامات التأخير والإعفاء منها, يضيق المجال هنا عن شرحها. ولقد استقر في فقه القانون الإداري المقارن أن غرامة التأخير تستحق حتى لو لم ينتج عن التأخير أي أضرار, ولا يجوز للمتعاقد مع الجهة الإدارية ''الحكومية'' المطالبة بإنقاص قيمة الغرامة المنصوص عليها في العقد بحجة أنها تزيد على قيمة الضرر الناتج عن تأخيره. ويجوز للجهة الحكومية أن تجمع بين غرامات التأخير وغيرها من الجزاءات الأخرى المنصوص عليها في النظام أو العقد مثل مصادرة الضمان البنكي أو فسخ العقد أو التنفيذ على حساب المتعاقد والرجوع عليه بالتعويض عما لحقها من ضرر بسبب ذلك أو حسم قيمة البنود والخدمات غير المنفذة أو التي نفذت خلافا لما تم الاتفاق عليه.
إنشرها