Author

دبي: التجربة والخطأ

|
تعد تجربة دبي إحدى أهم التجارب العربية التي مثلت نموذجاً يحتذى به في المبادرة والتطلع إلى التقدم والرقي الاقتصادي. هذه التجربة ظلت أيضاً حديث الإعلام الدولي، حيث تحولت إمارة صغيرة لا تتجاوز مساحتها عدداً من الكيلومترات المربعة إلى مركز جذب اقتصادي واستثماري في جميع أنحاء العالم. الآن الصورة تتغير بشكل كبير عندما كشفت الأزمة عن ضريبة للتغيير السريع، وللتفاؤل الكبير خلال فترات النمو والانتعاش الاقتصادي، وهو ما يعطي درساً في كيفية إدارة التنمية الاقتصادية. هل أخطأت دبي برغبتها في أن تكون أحد أكثر الأماكن جذباً للاستثمارات والأفراد في العالم، حيث يتمنى كل شخص العيش فيها؟ لا أقول بذلك، ولكن قد تكون دبي أخطأت في طريقة التعاطي مع هذا الطموح وكيفية وضعه موضع التنفيذ على أرض الواقع. فليس خطأ أن يكون لدى دبي أحد أفضل مطارات العالم أو أن يكون لديها أفضل الأسواق والمراكز التجارية أو أفخم الفنادق أو أفضل مراكز الترفيه. وليس خطأ أن تقع دبي في الخطأ ولكن المهم أن تتعلم منه لكي تصبح بالفعل نموذجا متميزا للاقتصادات العربية الأخرى. إذاً ما الخطأ أو الأخطاء التي وقعت فيها دبي خلال سعيها الطموح لتصبح أحد النمور الاقتصادية الجديدة؟ هناك أخطاء على الجانب التنظيمي نفسه تتعلق بفلسفة المشروع بكامله، وأعني به مشروع دبي كظاهرة اقتصادية دولية جديدة كهونج كونج أو سنغافورة. فمن ناحية, لم تجد دبي لنفسها مكاناً تميز نفسها فيه عن كل من هونج كونج وسنغافورة، حيث إن الأولى تعد مركزاً مالياً دولياً، والثانية تعد مركزاً تجارياً دولياً لإعادة تصدير البضائع كما أنها مركز صناعي تمثل الصناعة في اقتصادها ما نسبته 26 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. لذلك ركزت دبي بشكل كبير على القطاع العقاري والإنشاءات الذي أصبح يمثل ما نسبته 23 في المائة تقريباً من حجم الاقتصاد. هذا بالطبع لا يعد مشكلة في حد ذاته، ولكن قطاع العقارات والإنشاءات يجب أن يكون رديفاً لقطاع اقتصادي رئيس آخر كقطاع السياحة مثلاً، والسياحة تحتاج إلى مقومات تاريخية كالآثار لتكون الداعم الرئيس للاقتصاد وهو ما تفتقده دبي، إضافة إلى طاقتها الاستيعابية المحدودة. القطاع المالي يمثل ما نسبته 11 في المائة فقط من حجم الاقتصاد لذلك لا يمكن وصف دبي بأنها مركز مالي دولي مقارنة بهونج كونج التي تمثل سوق أسهمها سادس أكبر سوق في العالم برأسمال بقيمة سوقية تقارب ثلاثة مليارات دولار أمريكي. كما أن انخفاض نسبة المواطنين في دبي يجعل الاستثمار في تلك العقارات يستهدف الأجانب المستثمرين الذين يتواجدون مع تواجد الفرص ويذهبون مع ذهابها. ما فاقم المشكلة بالنسبة لدبي هو الاعتماد على التمويل الأجنبي بشكل كبير وهو ما جعل دبي عرضة لمزيد من المخاطر في حالات التراجع الاقتصادي. إضافة إلى ذلك أن دبي في سعيها لتحقيق المشاريع الكبيرة Mega Projects كمشروع النخيل وبرج دبي وغيره من المشاريع التي تريد دبي أن تكون علامة دولية لها, زادت من نمو الائتمان المصرفي بشكل كبير جداً، وهو ليس مشكلة في حد ذاته إذا كان هناك نمو يقابله، ولكن المشكلة أنه من المعروف اقتصادياً أن نمو الائتمان بشكل كبير يؤدي حتماً إلى تراجع في النمو الاقتصادي المستقبلي نظراً للحاجة إلى سداد التزامات الديون في المستقبل، وأفضل مثال على ذلك تجربة العقد الضائع لليابان التي تعاني آثاره حتى الآن. أمر آخر تختلف دبي فيه عن كل من هونج كونج وسنغافورة ويؤثر في نموذج النمو لكل من هذه الاقتصادات الصغيرة لكن المتميزة. فنموذج هونج كونج وسنغافورة يعتمد بشكل كبير على حد أدنى من التدخل الحكومي، بينما اعتمد نموذج دبي على الدولة أو الحكومة كمحرك رئيس للنشاط الاقتصادي من خلال الدخول بشكل مباشر في تمويل المشاريع العملاقة. وهنا تداخلت رغبة الدولة في بناء صرح اقتصادي متميز عالمياً من خلال بناء المعجزات مع الجدوى والقيمة الاقتصادية من بنائها، وبالتالي فإن الأزمة ستكون اختبارا رئيسا لهذا النموذج وبالتحديد لدور التدخل الحكومي فيه. وأخيراً, ففي حين كان نموذج هونج كونج وسنغافورة نتاج الحراك والمشاركة السياسية للمواطن هناك، فإن نموذج دبي كان نموذج الرجل الواحد الذي كان خلف تلك الإنجازات. وفي حين يتميز النموذج الأخير بالسرعة في اتخاذ القرار وتبني المبادرات، فإنه يفتقد الرؤية الأكثر عمقاً وتحليلاً على المدى البعيد. لذلك فإن تحول دبي إلى نموذج مشابه للنماذج المشار إليها يتطلب تغييراً كبيراً على المستوى السياسي والإداري لحكومة دبي، حيث تتاح الفرصة لمزيد من الأفكار والرؤى لتغذي نموذج دبي الذي أتمنى أن يكتب له النجاح في الخروج من هذه الأزمة.
إنشرها