«مبادرة الملك» خطوة استراتيجية لمعالجة الفجوة الاستثمارية في القطاع الزراعي

«مبادرة الملك» خطوة استراتيجية لمعالجة الفجوة الاستثمارية في القطاع الزراعي
«مبادرة الملك» خطوة استراتيجية لمعالجة الفجوة الاستثمارية في القطاع الزراعي
«مبادرة الملك» خطوة استراتيجية لمعالجة الفجوة الاستثمارية في القطاع الزراعي
«مبادرة الملك» خطوة استراتيجية لمعالجة الفجوة الاستثمارية في القطاع الزراعي

ما إن انطلقت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للاستثمار الزراعي الخارجي التي أعلنها عام 2008 م بهدف حث وتشجيع الشركات الزراعية السعودية على الاستثمار في زراعة المحاصيل الأساسية للمجتمع والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي في الخارج حتى بدأت المملكة تشهد حراكا كبيرا في القطاع الزراعي من جهة زيارة وفود سعودية رفيعة المستوى للدول ذات المقومات الزراعية متزامنة مع زيارة وفود من الدول ذات المقومات الزراعية لعرض فرصها الاستثمارية في القطاع الزراعي.

كما شهدنا تحرك التكتلات الاقتصادية الوطنية لتطوير مشاريع استثمارية زراعية خارجية قائمة أو تأسيس شركات زراعية جديدة للاستفادة من الدعم الحكومي بكافة أشكاله السياسي والمالي والتسويقي والذي يعزز من فرص نجاح الاستثمارات السعودية الزراعية الخارجية، إضافة إلى صدور توجيهات سامية بتقديم التسهيلات المالية والائتمانية للمستثمرين السعوديين في الخارج في المجال الزراعي.

هذا الحراك الذي انطلق من الرياض هو في مجمله جيد ومطلوب وهو يبشر بتوافق بين فكر الحكومة السعودية وحكومات الدول ذات المقومات الزراعية والمستثمرين السعوديين الراغبين في الاستثمار بالقطاع الزراعي وهو ما ينبئ بسهولة نجاح الاستثمار الزراعي الخارجي في تحقيق أهدافه نتيجة هذا التوافق المثالي إلا أن الحقيقة تخالف ذلك وللأسف الشديد.

فرغم هذا التوافق والتوقعات الاقتصادية التي تشير إلى ازدياد الطلب العالمي على الأغذية والأعلاف والألياف بمقدار الضعف تقريباً نتيجة النمو السكاني العالمي إلى تسعة مليارات نسمة تقريباً خلال النصف الأول من القرن الحالي والازدياد المطرد في استخدام المحاصيل لإنتاج الطاقة الحيوية ولأغراض صناعية أخرى وما يعنيه ذلك من ضغط متزايد على الموارد الزراعية الشحيحة أصلاً، وعلى الرغم أيضا من ضعف قدرة حكومات البلدان المتدنية الدخل على تمكين الفقراء والجياع في بلدانها من تحسين سبل معيشتهم ومن تأمين الطعام لأنفسهم وهو ما يعني أنّ ارتفاع أسعار الأغذية سيُغرق عدداً أكبر من سكان العالم في براثن الفقر والمجاعات وغير ذلك من الأسباب إلا أن هناك جدلا واسعا حول زراعة «الأغنياء» في أراضي الفقراء والذي تزداد وتيرته يوما بعد يوم حيث صور متحدثون وصناع رأي من مؤسسات أممية ومؤسسات إعلامية ذات تأثير بالغ في السوق الزراعية أن المستثمرين الأغنياء مستعمرون يستهدفون استثمار موارد هذه الدول لتغذية شعوبهم على حساب شعوب تلك الدول الفقيرة الذين لن يجنوا أي فائدة من تلك الاستثمارات مهما عظمت بما يحرك الجموع في تلك الدول عاطفيا لمنع تلك الاستثمارات الشحيحة أصلا لتعدد مخاطر الاستثمار الزراعي محليا فضلا عنه خارجيا .. «الاقتصادية» التقت بنخبة من المعنيين بالقطاع الزراعي لاستطلاع آرائهم حول أسباب هذا الجدل وكيفية معالجته لصالح الأمن الغذائي العالمي عموما وفي بلادنا على وجه الخصوص.

## الوهم العاطفي يقف بوجه الاكتفاء الزراعي

#2#

الدكتور محمد بن سليمان الراجحي رئيس مجلس إدارة شركة الراجحي الدولية التي تستثمر نحو 1.5 مليار في مشاريع عملاقة في كل من مصر والسودان وأوكرانيا تسعى الشركة لتوسعتها في إطار المبادرة قال إنه ورغم إمكانية اندلاع أزمة إنسانية وبخاصة في الدول النامية الفقيرة التي ليس لديها وسيلة الوقاية الاقتصادية التي لدى البلدان المتقدمة من الأزمة المالية العالمية الطاحنة إلا أن هناك من يقف أمام تدفق الاستثمارات في القطاع الزراعي من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة ذات المقومات الزراعية لأسباب وخلفيات متعددة تختلف من بلد إلى آخر بعضها عقلاني والجزء الأكبر منها وهمي عاطفي، والعقلاني منها ينطبق على حالات محددة بذاتها حيث تخشى شعوب الدول الفقيرة هيمنة بعض الدول الكبرى على جزء كبير من أراضيها, وهذه يمكن معالجتها من خلال تنويع دول المستثمرين بحيث يوضع حد أعلى لكل دولة على سبيل المثال كما هو الوضع لدى الدول الغنية عندما تستقدم العمالة من الدول الفقيرة حيث تستقدمهم من دول متعددة بحد أعلى لكل دولة.

وأضاف الراجحي أن الاستثمارات السعودية هي استثمارات مالية مقرونة بنقل الخبرات والتكنولوجيا، وهي استثمارات تسهم في الاستفادة من الأراضي البور والموارد المائية المهدرة في الدول ذات المقومات الزراعية بما يعزز اقتصاديات تلك الدول ويولد الفرص الاستثمارية والوظيفية لمواطنيها, مبينا أن شركته طورت أكثر من 93 ألف هكتار في مصر والسودان بناء على دعوات كريمة من حكومتي البلدين, وأن شركته تحظى بتعاون منقطع النظير من حكومتي البلدين لإنجاح المشاريع الزراعية لتشكل عامل جذب لمستثمرين آخرين.

وشدد الدكتور الراجحي على ضرورة التعجيل بتنفيذ مبادرة الملك للاستثمار الزراعي الخارجي التي تعتبر خطوة استراتيجية لمعالجة الفجوة الاستثمارية في القطاع الزراعي عالميا حيث يعاني القطاع الزراعي العربي على سبيل المثال من فجوة استثمارية تقدر بأكثر من 20 مليار دولار لاستثمار الأراضي الزراعية الصالحة واستصلاح الأراضي البور باستثمار الموارد المائية المهدرة في البحار دون رجعة, إضافة إلى أهميتها في تكوين مخزون تمويني استراتيجي في بلادنا يحد من مخاطر شح الغذاء وارتفاع أسعاره في الأسواق العالمية وزيادة حجم الاستثمارات السعودية خارجيا لتكوين شركات سعودية عملاقة قادرة على المشاركة في قيادة دورات متكاملة في أسواق الغذاء عالميا انطلاقا من تطوير الأراضي الزراعية حتى التسويق مرورا بالإنتاج والتخزين والنقل والتوزيع, مشيرا إلى ضرورة وجود عملاق زراعي غذائي سعودي كما هو حال شركة أرامكو في قطاع البترول والغاز وشركة سابك في قطاع البتروكيماويات.

## شح الموارد.. لا يعني شح الاستثمار المحلي

#3#

وعلى صعيد آخر أوضح الدكتور منصور الكريديس عضو مجلس الشورى أن هناك خلطا في المفاهيم لدى كثير من الناس، حيث يعتقدون أن الاستثمار الزراعي في الخارج سيكون بديلاً للداخلي، وهذا غير صحيح، حيث لا توجد دولة في العالم تستطيع تأمين كافة السلع الاستهلاكية سواءً عن طريق الداخل أو الاستيراد من الخارج، فالعملية نسبة وتناسب، بالإضافة إلى أن الموارد الطبيعية في المملكة تعد بسيطة، ولذلك بدأت الفكرة بالاستثمار خارج الحدود.

وعن وضع المبادرة الحالي يقول الكريديس إنها تمضي في وضعها الصحيح، ولكن يلزمها القليل من الوقت حتى تتبلور أكثر، وأوضح أن من بنود المبادرة هو إنشاء شركة وطنية مملوكة 100 في المائة للدولة وتابع لصندوق الاستثمارات العامة واسم الشركة هو «الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني»، ويبلغ رأسمالها نحو ثلاثة مليارات ريال وهدفاه الأساسي هو دعم الأمن الغذائي بالمملكة، وعن طريقة عملها بين الكريديس أنها ستكون ذراعا استثمارية للشركات الناشئة والتي ستنشأ من خلال المبادرة، كاستثمار غير مباشر.

## الخزن الاستراتيجي

وعن آلية حفظ منتجات المبادرة قال الكريديس إن هنالك مشروعا للخزن الاستراتيجي لأي سلعة غذائية مستوردة والتي خصتها المبادرة مثل «الحبوب، السكر، الرز، الزيوت النباتية، القمح، الأعلاف، وغيرها»، والهدف من هذا المشروع هو الحفاظ على السلع الاستهلاكية التي لا تملك المملكة ميزة إنتاجية لها، وبالتالي توفيرها للمواطنين بالسعر والكمية المناسبة، الأمر الذي سيحميها من التقلبات السعرية للأسواق العالمية.

## جهات دولية تقف خلف تشويه أهداف المبادرة

#4#

من جانبه قال الدكتور خالد المانع الخبير الاقتصادي والمتخصص في اقتصاديات الأسواق الدولية، إن هذا الجدل الدائر حول ما يسمى في بعض الدوائر الغربية بزراعة الأغنياء في أراضي الفقراء له ما يبرره أحيانا إذا علمنا أن استثمارات هائلة من كل من الصين والولايات المتحدة وألمانيا وكوريا اتجهت للهيمنة على أراض شاسعة في الدول الفقيرة ذات المقومات الزراعية في إفريقيا حاملة معها المال والتكنولوجيا بل وحتى الفلاحين، حيث تعاني الصين على سبيل المثال من فجوة كبيرة في أعداد الفلاحين مقابل الأراضي الزراعية ما يجعلها تفكر في استثمار مواردها البشرية جنبا إلى جنب مع مواردها المالية والتكنولوجية وهو ما يقلق بعض الدول الإفريقية الفقيرة حيث يخشى سكانها من حصول هذه الدول على عقود غير عادلة بالتعاون مع حكومات تلك الدول دون أن تستفيد هذه الدول من مزارع الأغنياء إضافة إلى خوفهم من طرد المزارعين الفقراء من أراضيهم وبيعها للدول الغنية، وهو قلق مبرر ما لم تتدخل المنظمات الأممية لمعالجته بالتعاون مع الدول الفقيرة من أجل توفير الغذاء دون إهدار حقوق مواطني تلك الدول.

## صفة مستدامة

وأضاف المانع أن هذا الوضع ليس عاما حيث هناك حكومات دول مضيفة للاستثمارات الزراعية تعلم أن استثمارات الأغنياء تدعم حكومات البلدان المتدنية الدخل بما يمكنها من تأمين الطعام الصحي في بلدانها بجودة مناسبة وأسعار متناولة وبصفة مستدامة لكافة طبقات الشعب بما ذلك الفقراء والجياع وزيادة الإنتاج والإنتاجية والدخل القومي وتعظيم دور الزراعة في التجارة الدولية ولديها من السياسات الحكيمة في التعامل مع الاستثمارات الزراعية الخارجية بما يسهم في إنجاحها لتحقيق مصالح المستثمرين والبلاد المضيفة معا، وشدد المانع على ضرورة تفعيل مبادرة خادم الحرمين الشريفين وتنفيذ كافة بنودها بأسرع وقت ممكن لتنمية حجم الاستثمارات السعودية الخارجية, والتي عادة ما تكون مرحبا بها لأنها تجلب المال والتكنولوجيا والخبرات للدول المضيفة وتعمل وفق قوى السوق بمبادئ أخلاقية تراعي حق السوق المحلية من المنتجات الزراعية في أراضيها.

الأكثر قراءة