مزيد من الانفتاح مزيد من العزلة !

مزيد من الانفتاح مزيد من العزلة !

عبدالحليم البراك هذا العالم يتجه للنقائض ، هذا الأمر ليس جديداً ، فالإنسان متناقض بطبعه ، ولا شيء يمكنه تفسير هذا التناقض ، والإنسان لا يشعر بداخله عن وجود هذا التناقض ،إنما يحتاج لآخر حتى يظهر تناقضه له ، آخر من خارج الدائرة ، من خارج الصندوق هو من يكتشف هذا التناقض مهما يكن من أمر ، كلما زاد انفتاحنا كلما زادت عزلتنا ، كلما اقتربنا من العالم كلما فقدنا الآخرين ولجئنا لأنفسنا ، استبدلنا جدران بيوتنا بزجاج لكننا حبسنا أنفسنا في البيوت والجميع يرانا، استبدلنا حارتنا المفتوحة بالكامبات المغلقة من أجل أن ننفتح بيوتنا على مسابح لأطفالنا واكتشفنا أن الكامب نفسه مغلق على نفسه فهو يحتاج لبوابه وحارس ومدخل خاص ، لجأنا للتلفزيون لنرى ماذا يحدث في العالم وننفتح على دول اخرى ، ونسينا أننا نسكن داخل بيوتنا لنشاهد التلفزيون فنعرف ماذا يحدث في أوربا وأمريكا ونجهل تماماً ماذا يحدث في حينا وحارات بلدنا ومدننا ، انفتحنا على طرازات جديدة في تصميم المدن التي ازدحمت بالناس ، فالناس في الشمال لا يسعهم أن يذهبوا للجنوب ولا أهل الجنوب يتحركون للغرب ومن عاش في الشرق استقر في الشرق جرّاء الزحام الخانق وأقفرت المدن الصغير من ساكنيها ! وبدلاً من أن نلجأ للمدن الجديدة الصغيرة ، صرنا نكبّر الدائرة من أجل أن تصغر حياتنا أكثر ، اخترعنا اجهزة جديدة ، حتى فقدنا الآن أي جهاز مشهور معروف ، فصار كل واحد منا لديه عالمه الخاص في جهازه الخاص حتى صار كل واجد منا يجهل كيف يعمل " البلاك بيري" لأنه يقتني الـ" اي فون " ومن معه " أي بود " لا يعرف كيف يستخدم أجهزة نوكيا الجديدة التي تحمل نفس الخدمات، تتسارع التقنية لتقربنامن العالم فنكتشف أنها تبعدنا عن العالم ، فعالم النت لم يعد فضاء من " شات ومنتدى وموقع إخباري وإيميل" بل " بث مباشر من البيت ، وخدمات تفاعليه ، وفيس بوك يعزلك عن عالم ليربطك بعالم أخر لكنه افتراضي .." لا وقت للتفكير ، ولا وقت للحيرة ، و حتى ولا قت للأكاديميين للدراسات الأكاديمية التي تقرر الصالح للمجتمع ، القانون يركض ليسد الفراغات التي تتركها هذه الإختراقات لكن الدراسات البحثية تتعثر كثيراً وهي تركض وراء هذه التقنية . حتى الوقت الذي نراه يتسع بدأ يضيق في ذات اللحظة ، يتسع لأنه يختصر لنا أشياء بفضل التقنية والكمبيوتر و لأننا نملأه بأشياء جديدة يجب أن تدخل ويضيق عن وقت نجلس فيه نفكر ، فيمضي يومك دون أن تفكر بعد أن كانت أحلامك أسعد و أوقاتك أرحب ، فتضيق بوقتك المتسع . الوقت الذي كنا نخصصه لنقرا الجريدة الورقية ونفتحها صفحة صفحة وكنا نسميه " تضيع وقت " صرنا الآن نفتح صحيفة أكترونية ونفتح من هذه الصحيفة خمس نوافذ اخرى ، وتشعر في نهاية الجلسة الألكترونية أنك تلهث تريد أن تلتهم كل شيء أمامك فيمضي الوقت الطويل قصيراً !
إنشرها

أضف تعليق