ثقافة وفنون

تسويق الكتاب العربي بين طموحات المؤلفين ووعود الناشرين

تسويق الكتاب العربي بين طموحات المؤلفين  ووعود الناشرين

في مثل هذه الفترة من كل عام ينهال الكتاب بمخطوطاتهم بحثا عن دور النشر حتى يتمكنوا من طباعة إنتاجهم الكتابي قبل بداية موسم معارض الكتب الذي يبدأ في آذار (مارس) من الرياض وينطلق إلى أبو ظبي وغيرهما، غير أن العقود المقدمة من دور النشر ممتلئة بالوعود والطموحات التي لا تخص نوعية الورق أو عدد المطبوع، بل تحظى ببنود سخية جدا (على الورق) - كما يقول الكتاب - تختص بنشاطات التسويق ومجهودات نشر الكتاب من ندوات ومؤتمرات ومسابقات وترتيب لقاءات تلفزيونية وإعلانات. «الاقتصادية» سلطت الضوء على تجارب بعض الكتاب فيما يخص وعود بند التسويق في عقود النشر التي تعاقدوا بها. يبدأ القاص فالح الصغير بالحديث عن تجربته وتجارب من حوله بالأسف، حيث يقول: (مع الأسف بعض الدور التي تعاملت معها، خاصة المحلية لا تحقق الطموحات أبدا, بل إن الإصدار يصدر وينشر عنه في الصحف ولم يتوافر بعد في المكتبات ومراكز البيع, ويمتد ذلك إلى أشهر، رغم متابعة الكاتب ومحاولاته مع الدار لتوفير الكتاب في المكتبات المعروفة على الأقل. وأعتقد أن هناك خللا في التعامل بين الدار والمكتبات المعروفة. بينما يؤكد الروائي الدكتور منذر القباني أن الحديث عن التسويق في دور النشر العربية يقتصر على نشاط التوزيع فقط: (بند التسويق الوحيد هو التوزيع فقط, لا توجد دار نشر عربية تعطي عقودا فيها بند يختص بالتسويق, في الغرب هناك خطط كاملة للتسويق, ندوات وحفلات توقيع وعمل فريق متكامل. دار النشر ترسل الكتاب قبل النشر إلى مراجعي الكتب في الصحف بدليل أن الكتاب يظهر وعلى غلافه آراء هؤلاء الصحافيين والكتاب والنقاد. أعرف بعض دور النشر العربية الحديثة بتوجهات إدارية من الشباب بدأت تعطي عقود نشر تحمل تسويقا قويا, وبحملة دعائية مكثفة وندوات). ويضيف الفالح عن علاقة دور النشر بالمكتبات: (يجب على الدار أن تبني علاقات جيدة وقوية مع تلك المكتبات أو مراكز البيع لإيصال وتوفير إصداراتها. وفي النهاية هي الخاسرة ـ دور النشر- إن لم توفر منتجها. وقد حصلت معي تجربة شخصية مع إصدار أحد الكتاب المعروفين, كتب عن كتابه وأعلن عنه في الصحف وبحثت عنه في المكتبات بدقة ولم أجده وبعد إخبار الكاتب وإلحاحي على المكتبة بالسؤال عنه جلب لى الكتاب، لكن لم يعرض في مكان واضح كأقل تقدير). وردا على الحجة التي تتذرع بها دور النشر بأن الكتاب ليس سلعة حتى يتم له تسويق متكامل لا يتوقف عند التوزيع فقط, يقول القباني (الكتاب سلعة وهذا ليس معيبا, هو سلعة ثقافية في النهاية وتحتاج إلى تسويق، لكن بالدرجة الأولى يجب أن يكون المنتج جيدا حتى ينجح تسويقه. هناك مسوقون عباقرة جدا يستطيعون حتى تسويق الكتاب السيئ، لكن هذا الأمر ينجح في البداية ثم يكتشف القارئ الخدعة. لهذا فإن التسويق لكتاب منتج جيدا لن يتوقف وسيستمر في الصعود والنجاح. وحتى يكون المنتج جيدا وينجح تسويقه نجد أن في دور النشر الغربية ليس الكاتب وحده معني بالكتاب. هناك كاتب ومراجعون وتدقيق للمعلومات وتدقيق اللغة.. لذلك العنوان والغلاف مثلا لا يخصان الكاتب وحده. وهذا يعني أن فريقا كاملا يعطي منتجا كاملا، وبالتالي فهو منتج قابل للتسويق بنجاح, فالنقطة الأولى في تسويق المنتج هي جودته بالفعل). ويرد الفالح على حجة دور النشر: (دور النشر تتأخر في التوزيع بحجج باطلة, تماما كحجة ابتداء الموسم الدراسي أو غيرها من المواسم التي تجعلهم يتحججون بتأخير توزيع الكتاب على المكتبات لانشغال المكتبات بهذه المواسم .. ثم ماذا يقصدون بأن الكتاب ليس سلعة؟! وهل هذا الرأي يعني أن يخفى الكتاب من السوق! نحن لا نقول أن نوفره في «البقالات» مع أنه لا بد من توفيره في كل مكان, حيث يوجد القارئ لا بد أن يوجد الكتاب، ولكن على الأقل لا تتأخر دور النشر عن التوزيع في المكتبات المعروفة. للأسف تسويق الكتب أمر غائب تماما عن دور النشر, يجب أن تحل مشكلة التوزيع أولا ثم نهتم بالتسويق, لأنه من البديهي أن يكون الكتاب موزعا حتى نتمكن بعدها من تسويقه. وفي الوقت الذي تتوافر فيه في الخارج أجهزة بيع الكتب والصحف لنشره تماما كأجهزة بيع المرطبات, نجد أن دور النشر العربية ما زالت عاجزة عن عرض الكتاب بالطريقة التقليدية جدا). وعن جهود التسويق الثقافي للكتاب، التي يمكن أن يؤديها الكاتب يجيب القباني: (التسويق والتوزيع ليس دور المؤلف، لكنه اضطر أن يؤديه في غياب الجهد الحقيقي من دور النشر. كما أننا ككتاب نعاني عدم وجود وكيل للمؤلف كحلقة وسط بين المؤلف ودور النشر, فكما يوجد للفنانين وكيل يرتب لقاءات تلفزيونية وصحافية مع الفنان, ويهتم بالإعلانات عنه ونشر صوره وزياراته وسفراته يجب أن يكون هناك وكيل للمؤلف يكون وسيطه مع دار النشر في كل الخطوات, يخطط مع الدار للندوات والمؤتمرات وحفلات التوقيع واللقاءات وحتى طريقة عرض الكتاب على رفوف المكتبة). ويضيف الصغير عن جهود المؤلف الخاصة في التسويق والتوزيع: (أرى أن التوزيع الذاتي عن طريق المؤلف في حالة إهمال دار النشر هي الحل الوحيد ليصل الكتاب للجمهور, ولكن مهما كان جهد الكاتب الشخصي فإنه لا يستطيع أن يغطي كل مراكز البيع ويهتم بالتسويق وطريقة التوزيع وطريقة عرض الكتاب, الشركات الكبرى تخصص مراقبين يتجولون في نقاط البيع ليراقبوا كيفية وضع منتجهم على رفوف العرض, ومن غير المنطقي أن يترك الكاتب عمله ويبحث عن مراكز البيع ليرى كيف يتم عرض منتجه. على دور النشر أن تكون علاقات جيدة مع نقاط البيع وتراقب كيف تعرض منتجها حتى تحقق التوزيع ثم تنطلق إلى التسويق ـ إذا كانت الدار حريصة على ذلك أصلا). عادل الحوشان صاحب دار طوى للنشر يرى الموضوع من زاوية أخرى، حيث يتحدث عن بند التسويق وحقوق المؤلفين بصراحة كبيرة، ويؤكد هذا الضياع الذي يعانيه الكتاب والناشرون أيضا ـ على حد قوله ـ حيث إن اللوم لا يقع على الناشرين وحدهم، لأنهم مضطرون إلى سلوك طريقتهم في غياب تأثير المؤسسات الثقافية في التجار ـ أصحاب مراكز البيع: (المؤسف أنه لا يوجد أي بند يتعلّق بالتسويق في عقود النشر بمعنى أنه لا يعني شيئاً وعدمه ينفي وجوده لو حدث. لا أحد يعرف صفة العجَلة التي تدير مسألة النشر وتسويق الكتاب العربي، إذا ما افترضنا - وهذا يحدث فعلياً ـ أننا نتعامل مع سلعة السؤال من الذي «سلّع» الإبداع والكتاب العربي؟ والإجابة السوق. التعامل فيما بين الناشر والبائع تعامل تجاري صرف في ظل غياب مؤسسات ثقافية، هي موجودة في فعلها الرسمي، لكنها غائبة في فعلها الثقافي، وبالتالي فتحت الباب على مصراعيه ليحوّل البائع والناشر معاً الكتاب إلى تجارة. بند التسويق بند ضائع أو عائم في أحسن الأحوال، فماذا نتوقّع من تاجر كتاب تمثّله مكتبة تبيع القرطاسية وأطقم الأقلام الجافة والتجليد الشفاف، وأنا هنا لا أعترض على هذه النوعية من النشاطات، ولكن مع كتب كيف تصبح مليارديراً في ثلاثة أيام!). وحول ما يتردد من اتهام الكتاب دور النشر اقتصارها على التوزيع بدل التسويق: (معه حقّ، لكنني سأسأله ماذا يريد من دور النشر غير التوزيع وترشيح الكتب التي تستحق للجوائز العربية والمهرجانات التي تتطلب ترشيحاً وتوزيعها على الصحف العربية وإيصالها للصفحات الثقافية؟ حتى الآن لم أتحدث عن الكاتب والكتاب السيئين وإلا فالحديث يحتمل أكثر من إجابة وأكثر من سؤال!).
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون