FINANCIAL TIMES

كيف يمكن منع حدوث زحام وتدافُع من أجل الخروج؟

كيف يمكن منع حدوث زحام وتدافُع من أجل الخروج؟

البلدان التي تلجأ إلى تشديد سياستها النقدية قبل غيرها ربما تجد أن قيمة عملتها ارتفعت. صناع السياسات في مجموعة البلدان العشرين ومنتقديهم الذين يستندون في آرائهم إلى اقتصاد السوق يخطئون الهدف بشأن « استراتيجيات الخروج». مجموعة العشرين مصيبة في إعلانها أنه لن يكون هناك خروج قبل الأوان من الرزم التي تم وضعها لتحفيز الاقتصاد الكلي وفي طمأنتنا بأن إدارة التشدد النقدي ستكون ممكنة من الناحية الفنية. ومع ذلك، فإنها تغفل المشكلة الأكثر تعقيداً التي يجب أن تتصدى لها السياسة الاقتصادية نتيجة للتدابير الطارئة التي تم اتخاذها منذ منتصف عام 2007. تحتاج استراتيجية الخروج إلى إجراءات تخفيف أوسع وإلى قدر أكبر من التنسيق الدولي. وهناك ثلاثة أبعاد لما ينبغي أن يتم القيام به – أبعاد نقدية، ومالية، وتمويلية - وليس بعداً واحداً. أي يجب أن يعود التخفيف النقدي إلى سياسة معدلات الفائدة العادية، ويجب أن يتحول التحفيز المالي إلى وضع الموازنات الحكومية على طريق قابل للدوام، ويجب أن يتم سحب ضمانات البنوك وحصص ملكية الدولة فيها. وقد تجاهلت المناقشات التي أجرتها مجموعة العشرين إلى حد بعيد التعقيدات التي تنطوي عليها هذه الأمور على صعيدين. أولاً هناك مشكلة التسلسل في ضوء التفاعل بين تدابير الخروج. فهل ينبغي تقديم التشدد المالي على التشدد النقدي أم العكس؟ متى ينبغي أن تحدث إعادة تخصيص البنوك؟ هل ينبغي أن يعمل سحب السيولة الاستثنائية الراهنة والضمانات الحالية للودائع على تصعيد التشدد النقدي أو تعويض آثاره؟ هل ينبغي لزيادة الضرائب أن تستهدف القطاع المالي أم توفره؟ ينبغي أن نتفق على هذه الأمور من خلال بعض أفضل الممارسات لمجموعة العشرين. ونستطيع هنا أن نقدم بعض الإرشادات التي تستند إلى الخبرة السابقة. وعليه ينبغي أن تأتي الالتزامات المعقولة بالتوحيد المالي في المدى المتوسط قبل تشديد السياسة النقدية تحوطاً ضد التباينات التي تنطوي عليها سياسة فولكر ريغان. ويجب اتخاذ قرار بشأن هيكل النظام المصرفي المرغوب قبل تغيير السياسات الضريبية، نظراً للدور المهم الذي يلعبه هذا النظام في توليد الإيرادات- لكن التخصيص الفعلي للبنوك يجب أن ينتظر حتى يتم تحديد السياسات الضريبية بشكل واضح وإلا انتهى بنا المطاف إلى إبعاد المشترين. وستكون هناك حاجة إلى إجراء مشاورات ودراسات مكثفة لإيضاح المسائل الأخرى. ثانياً، هناك حاجة ملحة إلى تنسيق دولي بشأن سياسات الخروج. إذ توضح عملية المسارعة إلى سلسلة الإجراءات الخاصة بزيادة ضمان الودائع التي جرت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي كيف يمكن أن تؤثر الضمانات المالية التي يقدمها أحد البلدان على جميع البلدان الأخرى. والآن لنتصور حدوث العكس: مبدئياً، لن يكون أي بلد راغباً في أن يكون أول من يرفع الضمانات، لكن ما إن يتم رفعها حتى يكون هناك سباق لتخفيف العبء الملقى على البنوك. ويمكن لدينامية مشابهة أن تحدث على صعيد تخصيص البنوك: لن يكون أي واحد راغباً في البيع قبل الأوان، لكن ما إن تبدأ عمليات البيع حتى تبادر كل حكومة إلى بيع حصتها قبل أن يتم إتخام السوق. ولذلك الاندفاع الجامح إلى الخروج في أزمة مالية عالمية ليس أفضل منه في مسرح مزدحم. وفيما يتعلق بالجانب النقدي، ربما تجد البلدان التي تلجأ إلى تشديد سياستها النقدية قبل غيرها أن قيمة عملتها ارتفعت، وبذلك تسحب رأس المال بعيداً عن البلدان التي لم تتعاف بقوة بعد. وفي المقابل، ربما يشتمل ذلك على تدخل الدولة في قيمة عملتها للتعويض عن الفروقات، الأمر الذي يمكن أن يساهم في حدوث صراع اقتصادي. وفي ضوء السياسة التجارية الراهنة، فإننا لا نريد مزيدا من الصراعات. وبفضل توقعات التضخم العالمية المتزنة على المستوى العالمي أمكن تخفيف السياسة بصورة جريئة، كما أمكن تجنب حدوث انكماش اقتصادي – لكن أحد أسباب هذا الاتزان هو وجود جميع البلدان الرئيسية في القارب نفسه: بمعنى أن أي اختلافات كبيرة في أهداف التضخم ستمحو ذلك بما يعود بالضرر على الجميع. إن الفروقات في السياسة النقدية هي الأقل بين الدول ولذلك ينبغي أن تتلقى أدنى قدر من الاهتمام. هذا النوع من التنسيق الدولي بشأن السياسات أمر ممكن ومرغوب فيه. والأسلوب العملي لتحقيقه له ثلاثة أبعاد. أولاً، يجب على زعماء مجموعة العشرين أن يتخلصوا من فكرة أن المكاسب التي يمكن أن تحققها من التنسيق ضئيلة ولذلك فإن الأفضل لكل منها أن يتخذ تدابير السياسات الخاصة به كما لو كان وحده. ثانياً، ينبغي أن ينصب التأكيد على مناقشة تدابير السياسات وتسلسلها وليس على استهداف النتائج (التي لا يمكن التحكم بها بأي حال). ثالثاً، ينبغي أن تتكون التدابير التي يتم الاتفاق عليها من خطوات عملية، وليس من محاولات سابقة لأوانها لإعادة هندسة السياسات بصورة جوهرية. هذه الأبعاد كلها تعني العمل من أجل التوصل إلى ميثاق أو معاهدة بشأن معضلة التدخل في أسعار العملات بدلاً من برنامج للإشراف المستمر، أو يوصلنا إلى وضعية المنسق المؤقت لعمليات البيع العام للموجودات المالية الخاصة بدلاً من أن يوصلنا إلى قاعدة عامة بشأن شروط رأس المال في البنوك. إن التحدي الماثل أمامنا هو أن نخرج معاً سالمين مما نحن فيه. وإذا نجحت مجموعة العشرين في إدارة هذه العملية، فستوفر التدابير التي يتم اتخاذها على صعيد السياسات دعائم قوية لنظام مستقبلي أفضل - لكن دعونا نتفق على استراتيجية الخروج أولاً.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES