السياسة الخارجية التركية في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية

السياسة الخارجية التركية في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية

في انتخابات 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2002م فاز حزب العدالة والتنمية بالأغلبية البرلمانية وبرزت نتائج لهذا الفوز من أبرزها: - حدوث هزة وقلق لدى صُناع القرار والمراقبين والخبراء في مراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية، وخاصة المهتمة بدراسة تطور الفكر الحضاري الإسلامي، لأن هذا الفوز كان له تاريخيته وخصوصيته وإشاراته ورسائله المتعددة، حيث استطاع وللمرة الأولى حزب إسلامي معتدل وذو زعامات شابة وبرجماتية ومنفتحة وعبر الوسائل الديمقراطية أن يفوز بأغلبية ساحقة، وأن يفرض نفسه على رأس الهرم السياسي والتشريعي في دولة ذات نظام علماني عريق كانت سياستها محاربة الدين طوال ما يقرب من ثمانية عقود. - كذلك أدى وصول الإسلاميين إلى رئاسة مجلس الوزراء والرئاسة ورئاسة البرلمان إلى إثبات إفلاس النخب العلمانية وفشلها في فرض ثقافة جديدة مطابقة للمفاهيم الغربية، كما أثبت ذلك رسوخ الموروث الإسلامي لدى الشعب التركي وعدم تأثره بأقسى الهجمات الممنهجة، سواء كانت من الداخل أو الخارج. - أيضا برز تطور جديد وهو أن النموذج التركي الحالي أصبح نموذجا مبهرا لشريحة كبيرة من الساسة والمثقفين والشباب المسلم، وقد يكون أحد النماذج الناجحة للمسلم المعاصر الذي يعتز بجذوره الإسلامية والوطنية ويحقق الإنجازات الاقتصادية ويحارب الفساد ويتطلع لأن يكون شريكا وندا في عولمة القرن الحادي والعشرين. انعكاس نتائج وصول حزب العدالة والتنمية على العلاقات العربية والخليجية والسعودية بعد تولي الحزب السلطة وانفراده بالسيطرة على البرلمان وبتشكيل الحكومة الجديدة تم البدء في تطبيق مبادئ السياسة التركية الجديدة والتي وضعها البروفسور أحمد داوود أوغلوا، الذي عُيِّن سفيرا في وزارة الخارجية وكبيرا لمستشاري رئيس الوزراء التركي في آذار (مارس) 2003م، وأدت إلى إظهار الود تجاه الدول العربية والإسلامية خاصة السعودية، حيث جاء مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002 فرصة تاريخية لتصحيح وضع العلاقات العربية التركية، خاصة بين تركيا والمملكة. وجاء التوجه الجديد الذي حمله حزب العدالة والتنمية باستراتيجية جديدة ترتكز على أن تركيا تستطيع من خلال موقعها كدولة ذات خصائص متعددة خلق البديل، وهذا لا يعني قطع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وبناء علاقات جديدة مع آسيا ومناطق أخرى، وهذا لا يعني أيضاً بناء علاقات مع دول وقطعها مع دول أخرى، فتركيا حاليا تسير ضمن المجرى الذي تختاره في الصورة الاستراتيجية التي رسمتها. وهنا تستطيع خلق البديل في سياساتها الخارجية ضمن إطار ديناميكياتها الطبيعية وهي تخطط الآن بقوة لتصبح جسراً بين الدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي. وكان من أهم نتائج وصول حزب العدالة والتنمية للحكم توثيق العلاقات مع الدول العربية، خاصة السعودية على جميع المستويات، وجاء تعزيز العلاقات نتيجة قناعات القيادة السعودية وقادة حزب العدالة والتنمية في ضرورة تسريع تنامي وتيرة العلاقات بين البلدين على أمل أن تتطور في المستقبل بشكل أكبر لتصبح علاقات استراتيجية، خاصة أن تركيا تتطلع إلى تجاوز الكثير من العقبات غير الضرورية التي حدت من تطوير العلاقات والتي تأتى في المقام الأول لصالح شعبي البلدين ولتعزيز وضع زعامتهما في العالم الإسلامي، باعتبار أن المملكة وتركيا أهم وأقوى دولتين في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، خاصة أنه في ظل الإدراك والاحتياج الاستراتيجي المشترك لكلا الطرفين تبرز الحاجة إلى ضرورة تفعيل علاقات الدولتين وتطويرها. وهناك حقيقة مهمة ذات بُعد ديني وحضاري، وهي أن التوجه التركي نحو تعزيز علاقاتها مع المملكة والدول العربية والعودة للجذور الإسلامية لم يأت فقط نتيجة مصالح سياسية أو اقتصادية، بل هو نتيجة قناعات النخبة السياسية المعتدلة والمتدينة وشعورها بأن مشروع اندماجها بالغرب والاتحاد الأوروبي غير ممكن لأنه ثبت لديها أن العوامل الحضارية والخلفيات الدينية هي الحاسمة في علاقاتها مع أوروبا المسيحية وليس العوامل السياسية أو الاقتصادية. خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود كان من أكثر القادة العرب فهما للتغير الذي حصل في تركيا، فكان أول زعيم عربي يقوم بزيارتين لتركيا في أقل من عامين وكانت زيارته لتركيا خلال آب (أغسطس) 2006 نقلة استراتيجية في تاريخ العلاقات، وهي أول زيارة رسمية لملك سعودي لتركيا في تاريخ العلاقات بين البلدين. ثم جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الثانية لأنقرة في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007م وذلك لتهنئة الرئيس التركي عبد الله غول بانتخابه رئيسا للجمهورية التركية، وانعكست هذه الزيارات على العلاقات العربية التركية فتمت دعوة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لأول مرة في تاريخ العلاقات العربية التركية لحضور القمة العربية في الخرطوم 2006 ثم القمة العربية في الرياض 2007. وكان اختيار الجمهورية التركية كأول ضيفة شرف في تاريخ المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية لعام 1429هـ، دليلا جديدا على مرحلة متطورة من العلاقات الخاصة بين البلدين. واستمرت الزيارات الثنائية بين البلدين ومنها زيارة رئيس الوزراء عبد الله غول للرياض مرتين وثلاث مرات كنائب لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية خلال الأعوام 2004 و2005 و2006، وكذلك زيارة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان للرياض ثلاث مرات. وفي 2 أيلول (سبتمبر) 2008م بدأ في مدينة جدة اللقاء الوزاري للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون والجمهورية التركية، وفي ختام اللقاء الوزاري الأول للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون والجمهورية التركية وقعت دول مجلس التعاون مذكرة تفاهم مع تركيا تتعلق بالاستراتيجية الحوارية بهدف تطوير العلاقات الإيجابية بين الطرفين على جميع الأصعدة، من جهة ثانية، وقعت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجمهورية تركيا في ختام اللقاء مذكرة تفاهم بشأن إقامة حوار استراتيجي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجمهورية تركيا، ووقع مذكرة التفاهم عن دول مجلس التعاون كل من الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء القطري ورئيس الدورة للمجلس الوزاري لمجلس التعاون وعبد الرحمن بن حمد العطية الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعن الجانب التركي معالي علي بابا جان وزير خارجية تركيا. وبموجب الاتفاقية فإنه يتم عقد اجتماع وزراء خارجية تركيا ودول المجلس مرة خلال العام الواحد على أن تعقد هذه الاجتماعات بشكل دوري في تركيا والدولة التي تترأس مجلس التعاون، كما سيتم عقد اجتماع كبار المسؤولين من المستوى الرفيع أيضا مرة خلال العام بهدف التحضير للاجتماع الوزاري، الأمر الذي يتيح المجال لوزراء الخارجية لتبادل وجهات النظر بشأن العلاقات الثنائية والمواضيع الإقليمية والدولية بشكل منتظم ومن المقرر أن يتم عقد الاجتماع المقبل في تركيا. وفي 29 آذار (مارس) قام رئيس (مجلس الأمة) التركي (كوكسال توبتين) بزيارة إلى الرياض التقى خلالها خادم الحرمين الشريفين، تلا ذلك زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض في 3 كانون الثاني (يناير) 2009م وزيارة الرئيس التركي عبد الله غول إلى الرياض في شباط (فبراير) 2009. وفي 16 حزيران (يونيو) 2009 قام رئيس مجلس الشورى السعودي الدكتور عبد الله آل الشيخ بزيارة لأنقرة التقى خلالها الرئيس التركي عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ورئيس مجلس الأمة التركي كوكسال توبتن. وفي 7 تموز (يوليو) 2009 عقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي اللقاء الوزاري الثاني للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون والجمهورية التركية، وقد التقوا رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والرئيس التركي عبد الله غول، وقد أعلن أن الاجتماع يهدف إلى تطوير التعاون في مجال السياسة والاقتصاد والدفاع والأمن والثقافة بين تركيا ودول الخليج العربي عبر تنظيم استشارات دائمة على مستويات رفيعة. ولعل موقف رئيس الوزراء التركي في 29 كانون الثاني (يناير) في دافوس مع الرئيس الإسرائيلي ووصفه له بالقاتل، والموقف الرسمي والشعبي والإعلامي المؤيد للشعب الفلسطيني في حرب غزة عكس بوضوح التوجه الجديد والرغبة في تعزيز العلاقات التركية العربية على المستويات كافة، وهذا التحول لم يفهمه العديد من رموز الصحافة والسياسة العربية والذين ربطوا الموقف التركي تجاه غزة بموقف حزب العدالة والتنمية وعلاقته مع «حماس»، وهذا الربط غير صحيح، وهو للأسف نتاج إما جهل أو تحامل، وهذا يعود إلى ضعف قراءة التاريخ وقلة مراكز الأبحاث العربية المختصة في الدراسات التركية في الوطن العربي، إضافة إلى ضعف التفاعل الشعبي مع تركيا وعدم فهم العقلية التركية. خاتمة إن المرحلة الحالية والمستقبلية تتطلب جهداً مخلصاً لتعزيز العلاقات بين الشعوب العربية والشعب التركي وزيادة انفتاحهما على بعضهما بعضا بعيداً عن حساسيات الماضي، الأمر الذي لا يتم إلا بخلق وتكثيف قنوات الاتصال الثقافي والإعلامي على أوسع نطاق لمنع سوء الفهم أو الجفاء، حيث إن الحلقة المفقودة في العلاقات الثقافية العربية التركية كانت محدودية التواصل ما بين النخب الثقافية والاجتماعية وقادة الرأي العام، وتجسد ذلك في قلة عدد الزيارات المتبادلة على المستوى النخبوي، وبالتالي فإن تحقيق زيادة التقارب العربي التركي يتم ببدء تعاون بناء وذي أبعاد استراتيجية بين قطاعات المثقفين ورجال الإعلام والأكاديميين العرب والأتراك على وجه الخصوص. عبد الله الشمري خبير في الشؤون التركية محاضرة ألقيت في ثلاثية الأمير أحمد السديري, وتنشر هنا بتصرف.
إنشرها

أضف تعليق