Author

أعيدوا للمعلمين والمعلمات هيبتهم.. لإصلاح التعليم

|
قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا من هذا المنطلق كنا ننظر للمعلمين داخل المدارس وفي ساحات الشوارع بعد نهاية اليوم الدراسي، وحتى في إجازة الصيف كنا نتحاشى معلمينا حياء وخوفا، وهكذا كان منطوق العلاقة حيث كنا في المدارس في الثمانينيات من القرن الماضي، ولم يكن هذا المنطوق إلا رسما لمحتوى التعليم في ذلك الحين، حين كان المعلم يملك سلطة التربية إلى جانب حق التعليم وحين كانت عصا المعلم استكمالا لعصا المنزل، وحين كانت الوزارة تحمل اسم «المعارف»، لكنها كانت حريصة على التربية. غير أن الحال انقلب منذ مطلع التسعينيات، وكما يعلم الجميع، سلب المعلم (المعلمة) حقه في التربية وسلب أيضا كثير من حقوقه في التعليم، ولم يعد يملك مسوغا قانونيا ولا تربويا يجيز له استخدام العقوبة أو «الغلظة المطلوبة» لإجبار الطالب أو الطالبة على الانصياع الشرعي للتربية والتعليم. لا شك أن الوضع الآن يتطلب إعادة نظر في تلك القرارات التي عطلت قدرات المعلم التربوية، وأطلقت للطلاب والطالبات عنان سلوكهم داخل المدرسة، حتى بات المعلمون والمعلمات يشكون سوء المعاملة ليس خارج أسوار المدرسة بل داخل فصول الدراسة، وهو ما يقود إلى تعليم «مفرغ» من هدفه الأسمى وهو استكمال السلوكيات الحسنة في الطالب أو الطالبة. والمطالبة بإعادة الهيبة للمعلم تستند إلى دراسات تربوية تؤكد أن شكل علاقة المعلم أو المعلمة بالطالب أو الطالبة يشكل ركنا أساسيا في ملامح التعليم في أي بيئة، وهي لا تقل أهمية بل إنها تأتي على رأس القائمة، في أركان التعليم المتمثلة في المناهج وطرق التعليم وبيئته (المدرسة)، وحين يتعطل تطوير المناهج برؤى انعزالية ويتأخر استكمال بناء المدارس التعليمية لإحلالها بدل المستأجرة ليس لقلة الحيلة بل لأن الأخيرة تزيد على 80 في المائة من إجمالي المدارس الحكومية للبنين والبنات في جميع مراحل التعليم، وكون هذين الجانبين معطلين، فلا يعني أن نضيف إليهما عطبا ثالثا وهو لا يحتاج إلى أكثر من قرار وزاري (يمنح المعلم حق التربية بشروط) ويعطيه حق ضبط السلوكيات داخل المدرسة بدلا من أن يكون مقيدا بقرارات وزارته التي تمنعه من معاقبة الطالب. نقرأ ونسمع قصصا من داخل مدارس البنين والبنات، كان يمكن قبولها في إطار الحالات الخاصة لو أنها كانت نادرة وكان يمكن اعتبارها من فئة «مدرسة المشاغبين» لو كان الدارسون فيها من فئة المنحرفين، لكنها باتت قاعدة عامة حيث تنتصر الوزارة الموقرة للطالب أو الطالبة على حساب المعلم. وعلى خلفية هذا الانتصار الذي بات من حق الطالب والطالبة أيا كان السلوك الذي ارتكبه، سادت قاعدة في المدارس ربما في تعليم البنات على وجه الدقة تلك القاعدة توصي المعلمات بأن (يحتسبن الأجر وأن يحللن رواتبهن مقابل تحمل سلوكيات الطالبات)، أي سنة تلك التي سادت، ومن المشرع النظامي الذي همش دور المعلم والمعلمة من مهمة وطنية تقع عليه في تأديتها مسؤولية نظامية وقانونية وتربوية، من همش دور المعلم ليصبح دورا ثانويا مطلوبا منه أن «يحتسب» فيه أمام غلظة الطلاب والطالبات وانحرافات سلوكياتهم بدلا من تعديلها تنفيذا للمهمة التي أسندت إليه وهي «التربية والتعليم». في العقدين الماضيين، تفاقم الوضع في التعليم في حين كانت المعاناة تتعلق بالدراسة في مواقع غير مهيأة للعملية التعليمية، أي في المباني المستأجرة والتي تحتاج معها المدرسة إلى توزيع الفصول على المطابخ الموجودة في العمارة المعدة للسكن أصلا.. طال الحال العلاقة بين المعلم والطالب وباتت مأزومة موتورة. ونحن نتهيأ لإصلاح تعليمي واسع أسس له خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز باستئناف الابتعاث الواسع للخارج والشروع في تحويل المدارس المستأجرة إلى مبان تعليمية، وبوضع وزير أمير على رأس الوزارة (الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد)، نرى - استنادا إلى معطيات تربوية ودراسات عالمية – أن حال التعليم في الداخل يحتاج إلى إعادة نظر واسعة في علاقة المعلم والمعلمة بالطالب والطالبة، وصورة هذه العلاقة في وقتها الحالي مهتزة إلى درجة ليست مقلقة فحسب بل إنها تقود إلى اختلال في سلوكيات مخرجات التعليم، وإذا كانت مناهجنا وسياستنا التعليمية القائمة مسؤولتين إلى حد كبير عن الانحراف الفكري، فإن العلاقة بين المعلم والمعلمة من جهة والطالبة من جهة ثانية مسؤولة عن الانحراف السلوكي، فهي معطلة عن استكمال دور الأسرة في الوقت الذي يقضي الطالب والطالبة في المدرسة سبع ساعات يوميا بمعدل 35 ساعة أسبوعيا. وعندما نتحدث عن السلوكيات نعني السلوك الإنساني السوي.. الخلق القويم، فإجبار الطلاب والطالبات على الصلاة في وقتها داخل المدرسة ليس كافيا لبناء الأخلاق طالما يسمح لهم بممارسات سلوكية تتقاطع مع السلوك الإنساني القويم. ولا منفعة حقيقة من تكوين لجان تحت مسميات (المصلى والمجموعة الإسلامية)، طالما أن المعلم والمعلمة مقيدان أمام سلوكيات انحرافية داخل المدرسة مصدرها الطالب الذي يفترض أن يكون مقادا لا قائدا طالما كان مكانه على الكرسي الدراسي.
إنشرها