Author

المعماري المقاول

|
نعيش هذه الأيام احتفالات تخرج الجامعيين بما يصاحبها من أفراح الخريجين بنجاحهم، وتطلعاتهم نحو مستقبلهم المهني. ويتخرج المعماري أو "المهندس المعماري" في كليات العمارة، وهو في الغالب لا يفكر إلا في الالتحاق بالعمل في مكتب هندسي، ليطلق من فوق طاولة رسمه أو من جهاز حاسبه الآلي أفكاره المعمارية، ويمارس إبداعاته التصميمية على الرسومات أو "المخططات" التي ينتجها، في بيئة المكتب المكيفة والمريحة، بعيداً عن موقع البناء، والاحتكاك بالعمال تحت أشعة الشمس الحارقة في الصيف، والأجواء الباردة في فصل الشتاء، ومن دون أن يستنشق غبار الحفر أو الردم، أو أن يتسلق السقالات ويصعد على السلالم، تاركاً المعالجات المعمارية والهندسية والفنية التي تظهر في مرحلة التنفيذ للمقاول، مهما تدنَّت خبرته وعلمه ومقدرته. والجميع يعلم أن غالبية المواطنين الذين يلعبون دور المطورين لمساكنهم؛ فيتولون الإشراف على إعداد تصاميمها مع المكتب الاستشاري أو "الهندسي"، ويتابعون تنفيذها بأنفسهم بعد اختيار المقاول والتعاقد معه؛ يضطرون في أغلب الأحيان إلى إجراء عديد من التعديلات التي لم تظهر لهم في مرحلة إعداد التصميم، ولم يتمكنوا من استيعابها إلا في مرحلة التنفيذ، بعد تحويل رسومات المخططات ثنائية الأبعاد، ذات المقياس الصغير؛ إلى كتل وفراغات مبنية ذات أبعاد ثلاثية، وبالمقياس الحقيقي.. عندها يتمكن أفراد الأسرة من التجول داخل المسكن، واستيعاب عناصره، وفهم مكوناته، وتحديد علاقات فراغاته بعضها ببعض، وتظهر لهم حينها العيوب والإشكالات التي خفيت عليهم في السابق، وهو ما يتطلب العمل على معالجتها وتلافيها، فتُجرى التعديلات المطلوبة باقتراحات وحلول مقدمة من قِبَل المقاول، وهو ما يجعلها إما غير آمنة، أو غير وظيفية، أو غير جمالية، أو ذات تكاليف باهظة ترفع من ميزانية التنفيذ. ولتلافي كثير من هذه الحالات يجب أن يوجد لدينا المعماري المقاول الذي يعمل مع المالك من بداية وضع الأفكار الأولية وإعداد التصاميم المعمارية وإنتاج الرسومات التنفيذية، وحتى استكمال أعمال البناء والتنفيذ للمرحلة الإنشائية "العظم"، ولمراحل الإنهاء اللاحقة. ويقدم المعماري المقاول للمالك - طوال الوقت وبشكل دائم - مشورته المعمارية والهندسية من واقع خبرته المبنية على البحث المعرفي والتجريبي، فنضمن بذلك بناء مساكن ذات جودة معمارية أفضل، وبتكلفة أقل، وتناسب احتياجات الأسرة ومتطلباتها الواقعية. كما أن العائد المادي والمعرفي الذي سيجنيه المعماري المقاول سيكون أكبر، ورصيد خبرته العملية ستكون أثرى وأعمق. وحينها ستصبح أفكاره التصميمية ومعالجاته الفنية والهندسية متوافقة مع رغبات السكان واحتياجاتهم، ومنسجمة مع مواد البناء وتقنياته المتوافرة في السوق المحلية، وبما يحقق مستوى أفضل من الجودة وبتكلفة أقل. وبوجود المعماري المقاول المزود بالمعرفة الأكاديمية، والمدرَّب على إجراء التجارب التطبيقة؛ ستظهر في السوق المحلية بدائل وتقنيات أخرى للبناء - غير تقنية الهيكل الإنشائي بالخرسانة المسلحة "المسلح" التي لا يجيد كثير من المقاولين غيرها - وهو ما سيعمل على خفض تكلفة تنفيذ المساكن، وسرعة إنجازها في وقت أقصر، وبعدد أقل من العمالة.
إنشرها