السلوكيات اللائقة والعادات والأخلاق واختلاف نظرات الناس لها

السلوكيات اللائقة والعادات والأخلاق واختلاف نظرات الناس لها

طريقة تعامل الناس مع بعضهم البعض تبوح بالكثير عن خصائص المجتمع الذي يعيشون فيه. لا شك أن هناك اختلافا في السلوكيات من بلد لآخر ومن منطقة لأخرى داخل البلد نفسه ولكن السؤال هو:"أي العادات والأخلاق أفضل؟"، إنه خلاف لا مخرج منه. حاول البروفيسور الألماني كارل هاينس جوترت الأستاذ بجامعة كولونيا إيضاح مدى تعقد هذه القضية من خلال رصد قصة اللياقة والأدب في أوروبا في الكتاب الذي أصدرته له مؤخرا دار نشر فيليب ريكلام تحت عنوان:"الأزمان والأخلاق". اتضح من كتاب جوترت أن سلوكيات الناس بشكل عام لم تتحسن ولم تتدهور حتى وإن شهدت بعض الأزمان والحقب نشوزا أخلاقيا صارخا كما وقع من استفزازات أخلاقية شائنة على أيدي بعض أنصار مذهب الكلبية المتحلل أخلاقيا من اليونانيين القدماء والذين تعمدوا على سبيل المثال التغوط على قارعة الطريق ليؤكدوا على أن كل شيء جسدي "طبيعي" وأن الحياء ليس إلا آلية أخلاقية رجعية. ورصدت الألمانية زابيل جريفين شونفيلدت مثل هذه الانتهاكات البينة للأخلاق الإنسانية المتعارف عليها في كتابها الذي صدر العام الماضي بعنوان "اللياقة" ذكرت فيه أن الطلاب كانوا يبصقون عام 1968 في وجوه أساتذتهم في الجامعة و أن الأطفال "كانوا يمارسون الجنس" وصنفت ذلك على أنه تراجع عن القيم الأخلاقية السائدة في حين أن الاتصال الجنسي بين الأطفال أصبح اليوم شيئا عاديا في ألمانيا والعالم الغربي بشكل عام. وهناك تداخل بين الإيجابيات والسلبيات الأخلاقية في ألمانيا بشكل شبه يومي في عصرنا الحاضر. فالألمان يوفون حسب أحد الأجانب المحترفين لكرة القدم في ألمانيا بوعودهم ويلتزمون بدفع فواتير الفنادق والمطاعم حسبما يؤكد أصحاب الفنادق والمطاعم في إيطاليا ولكنهم يلفتون الأنظار إليهم سلبيا في سويسرا عند تدافعهم للتزلج على الجليد. كما لم ينس البعض حرص الألمان على مدى سنوات في جنوب سويسرا على نشر مناديلهم لحجز أماكن على الشواطئ المكتظة بالمصطافين لدرجة أنهم عرفوا بهذه المناديل مما جعل الصحف البريطانية تعلن قبل عدة سنوات عن "حرب المناديل". وتشير استطلاعات الرأي المتكررة إلى أن الناس مازالوا يعلقون أهمية كبيرة على الاحترام المتبادل بينهم و حسن الأدب في التعامل مع بعضهم البعض. فهذا استطلاع في كانون أول/ديسمبر 2008 لمجلة "أبوتيكن أومشاو" الموجهة بشكل رئيسي للصيادلة يبين أن 96% من الألمان فوق سن 14 عاما يرون أنه من اللائق النهوض من المقعد في الحافلة والقطار وتركه للنساء الحوامل أو كبار السن. كما ترى نفس النسبة تقريبا من الألمان أنه من حسن الخلق أن يعتذر المرء إذا احتك بشخص آخر أثناء المرور. غير أن الواقع اليومي يختلف عن نتائج هذه الاستطلاعات. وعزت مجلة "علم النفس اليوم" الألمانية ذلك مؤخرا إلى النظام الاقتصادي الذي يقوم على روح المنافسة وجاء في تقرير المجلة بهذا الشأن:"نحن نعيش في عصر اللامبالاة التي سادت معظم جوانب المجتمع". ولا يستبعد أن يكون الألمان معروفين في الخارج بشيء من الفظاظة حيث كتب فلوريان كولماس المدير السابق لمعهد شرق آسيا بجامعة ديوسبورج غرب ألمانيا كتابا عام 2001 بعنوان "الألمان يصيحون" بعد نحو عشرين عاما من العيش في اليابان جاء فيه:"اليابانيون أكثر حلما من الألمان، إن الألمان قد يربون أولادهم من خلال خشونتهم في التعامل على الفظاظة". استراليا من الدول التي تحظى بتقدير جيد من قبل الألمان بسبب ما عرف عن الأستراليين من الحياة بعيدا عن التوتر حيث لخص المؤرخ الألماني هانز مومسين انطباعه عن الأستراليين بعد إقامته في أستراليا بمقولة بسيطة مؤداها:"ليس هناك أحد يشعر بأنه أفضل عن الآخر بشيء"، هذا الوعي هو الذي حدد أسلوب تعامل الأستراليين مع بعضهم البعض. ويركز البروفيسور جوترت في كتابه المذكور على قصة العيب واللائق ومدى تطابق الواقع مع أقوال العقلاء وعما إذا كان الناس قد دأبوا على سبيل المثال على المصارحة بما يشعرونه دون مواربة وعلى أن تكون تصرفاتهم طبيعية بلا تكلف أو تجمل أم أنهم كانوا يضطرون أيضا إلى إخفاء مشاعرهم الحقيقية تجاه من يكنون لهم مشاعر الكراهية. هل على الإنسان أن يلجأ للمجاملة والمداهنة لأن معظم الناس يعجبهم ذلك؟ هل لابد من معاملة جميع الناس بنفس الشكل وأن يلتزم الإنسان بالتقاليد السائدة من حوله؟ رأى البريطاني فرانسيس بيكون في القرن السابع عشر ضرورة أن يجمع الإنسان بين أن يشتهر بالصراحة وأن يلزم الصمت والتكتم واللجوء لبعض المداراة والمداهنة إذا لم يكن هناك بد من ذلك. أما الهولندي اراسموس فون روتردام الذي عاش في القرن السادس عشر فكان يرى أنه من المدنية والتحضر أن تلتزم بالقواعد "ولكن من الأكثر تحضرا أن تغض الطرف عن المخالفات التي ترتكب في حق هذه القواعد". وتراجعت معظم قضايا اللياقة والأدب في العصور الوسطى حتى أصبحت شبه مختزلة في آداب المائدة. وجاء في أحد نصوص اللياقة والذي يعزى للشاعر الألماني تانهويزر الذي عاش في القرن الثالث عشر أن التجشؤ والتشدق بالطعام واستخدام السكين في تنظيف الأسنان وتتبع اللحم في العظم بالأسنان من أكثر التصرفات غير اللائقة في عصره.
إنشرها

أضف تعليق