Author

حمى مبادرات الأعمال

|
النتائج التي نشرتها دراسة مركز غالوب الأمريكي على مستوى عشرين دولة عربية ونشرت الأسبوع الماضي تستحق التوقف حيث أظهرت الدراسة أن 65 في المائة من الشباب العربي يفضلون العمل في القطاع الخاص، وأن 32 في المائة من الشباب السعوديين يخططون لبدء عمل خاص ...، وفي اليوم التالي لنشر الدراسة أعلن مركز الملك فهد الوطني للتوظيف التابع لصندوق الموارد البشرية "هدف" أنه تواصل خلال خمسة أشهر من العام الحالي مع 29730 طالب عمل من المسجلين في قاعدة بيانات المركز وأن نسبة غير المتجاوبين بلغت 65 في المائة مما يدل بشكل غير مباشر على إحجام هذه العينة عن العمل في القطاع الخاص ...، العمل في وظيفة القطاع الخاص يبدو أمرا غير محبب لقطاع كبير من شباب العيِّنة، هذا هو الخبر السيئ الذي أعلنه صندوق الموارد، الخبر الجيد جاءت به دراسة غالوب حيث إن ثلث الشباب السعودي له رغبة في العمل في القطاع الخاص، ولكن ليس في وظيفة، بل بتأسيس مشروع خاص به وهذا الرقم يبعث على التفاؤل في ظل توجه عالمي قوي نحو مبادرات الأعمال الشبابية لتكون قوة الدفع للاقتصاد الجديد ولاسيما بعد أزمة 15/9 التي انطلقت من وول ستريت لتشمل كل (ستريت) في أنحاء الكون ...   ويبدو أن الأسبوع المنصرم كان أسبوع مبادرات الأعمال، حيث كان خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة يبعث برسالة للشباب العربي بأن أمريكا ستدعم وجود جسور للنجاح معهم من خلال تبني قمة مبادرات الأعمال في المنطقة ودعمها لكي تشكل جسوراً جديدة وبناءة بدلا من علاقة التوجس والعداء التي صبغت صورة أمريكا في أنحاء العالم عموما والعالم الإسلامي خصوصا... مبادرات الأعمال ـ أصبحت تشكل عنصراً مهماً للتنمية من خلال الابتكار والاعتماد على العنصر البشري المبادر لتعميق أهمية الاقتصاد المعرفي، هذا المثلث المهم المتمثل في المعرفة والابتكار ومبادرة الأعمال هو الذي أوجد في الثمانينيات والتسعينيات في أمريكا وأوربا وآسيا نموذجاً ولَّد ملايين الشركات الصغيرة والمتوسطة التي قامت على مبادرة جريئة من أشخاص مؤمنين بمغامراتهم مما غير وجه العالم بشكل جذري وما "جوجل" و"مايكروسوفت" و"أبل" في أمريكا إلا مثال على مبادرات أعمال تقف مثلها اليوم في الهند كيانات مشابهة مثل "انفو سيس" "يبرو" و "كاديلا" تمثل بحق صورة ناصعة لمبادرات أعمال بدأت صغيرة ثم أصبحت في غضون سنوات كيانات ضخمة لا يتجاوز أعمار مؤسسيها وقت نجاحها الثلاثين إلا قليلا ... مجلة "الإيكونومست" يبدو أنها أرادت أن تواكب هذا الزخم، حيث خصصت الأسبوع المنصرم دراسة عن ظاهرة مبادرة الأعمال عنونت لها بـ"أبطال عالميون" وأظهرت الدراسة أنه رغم الأزمة المالية الحالية إلا أن الشغف بظاهرة بدء أعمال جديدة بين الشباب آخذة في الازدياد وضربت لذلك مثلا لمؤتمر نظمته شركة "أندوس انتر برايز" في بنغالور في الهند، حيث زحف آلاف الشباب لحضور المؤتمر الذي يناقش سبل تعميق ثقافة ريادة الأعمال في الهند، وكان المشهد وكأنه مناسبة رياضية أو فنية .. لكن الحقيقة أن نجوم ريادة الأعمال لا يقلون شعبية عن نجوم الرياضة والفن في دول كثيرة. ماذا نستخلص من هذه الحمى المنبعثة من أنحاء مختلفة من العالم؟ وكيف نفهم تطلعات هذا الجيل من الشباب في منطقتنا وهو يراوح بين الوظيفة الحكومية المضمونة إلى حد الرتابة والمشروع الخاص إلى حد التهور؟ هل نقول إن شبابنا وصل إلى حد الانعتاق من وهم الوظيفة الحكومية وأنه متوجه إلى الانطلاق في دروب الحياة بشغف الشباب الهندي أو الأمريكي لتكوين مشروعه الخاص و"حلمه" الاستثماري؟ الإجابة معقدة لكن البرامج الحكومية والأهلية التي انطلقت في الأعوام الثلاثة الماضية محلياً تدل على أننا بدأنا نضع الموضوع على قائمة الحوار والمناقشة، لكن الأكيد أن العالم سيسير سريعا لكي يحصد قصب السبق في تهيئة شبابه (وهم رأسماله الحقيقي) ليكونوا رواداً في هذا النشاط المثير ... فهل نحن مهيأون لدخول السباق ؟؟ أخبار الأسبوع الماضي تجعلنا نبتسم قليلا....ونبكي كثيراً!!  
إنشرها