Author

مجمع فقهاء التورق والمكانة الدينية

|
العنصر الذي يستند إليه العامة في رؤيتهم لأصحاب المكانات الدينية هو الثقة وهذه الثقة لا شك أنها تكونت بالمواقف وخاصة التي تتميز بالثبات والجرأة في الحق حتى لو كانت العواقب لا تحمد إضافة إلى القوة العلمية المقنعة التي لا تتسم بالتناقض، وقبل أسابيع صدر عن مجمع الفقه قرار مهم وهو استكمال لعدة قرارات صدرت سابقا في موضوع التورق والتورق العكسي لذلك جاء القرار مختصرا لكثرة الحديث فيه، لكن الذي يلفت الانتباه هي ردة الفعل التي حصلت من قبل ما يمكن تسميته مجمع فقهاء التورق وهو مجمع افتراضي ليس لديه إطار مؤسسي وقام كثير من أعضائه بالهجوم على قرار المجمع بعدة حجج, الأولى أن القرار صدر من غير المتخصصين, والثانية أن البديل مفقود خاصة في إدارة السيولة في المصارف الإسلامية والثالثة أن التورق جائز للتيسير على الناس والدين يسر, والرابعة من يقول إن أعضاء المجمع ممن يعينون بالواسطة والمحسوبية دون الاهتمام بالقدرة العلمية, والخامسة أن المتعاملين لا يتيسر لهم القرض الحسن فيلجأون إلى التورق، والواقع أن هذه الحجج هي ردة فعل أكثر مما هي حجج يمكن أن يقبل بها منصف، فالتورق كفكرة لا يقبلها المتعامل البسيط مع البنوك الإسلامية ويرى فيها محاكاة كبيرة للبنوك التقليدية وهو أيضا لم يكن مقتنعا بدرجة كبيرة بالمرابحة للآمر بالشراء فكيف نقنعه بالتورق الآن؟ وأما بخصوص الحجة الأولى فلعل المقصود هو أنهم غير متخصصين بتطبيقات التورق وليس بفهم التورق واستنباط حكمه وهذا ما يمكن أن نقبل به, وكان الأحرى بأعضاء مجمع فقهاء التورق وخاصة أن فتاواهم بالتورق منتشرة في المصارف الإسلامية ألا يلجأوا إلى هذه الحجة فهي عليهم لا لهم فالتخصص المطلوب هنا ليس الجانب التطبيقي وإنما الجانب الاستدلالي المنهجي القادر على الاجتهاد والاستنباط إضافة إلى الحياد وانتفاء المصلحة الشخصية, فلا يطلب من القاضي أن يكون متخصصا في مسألة ما بجوانبها التطبيقية وإنما يطلب منه أن يكون حياديا أولا ثم قادرا على إصدار الحكم باتباع القواعد المنهجية السليمة التي سيكون منها بالتأكيد فهم التطبيقات من أهل الخبرة والاختصاص، أما الحجة الثانية وهي عدم توافر البديل فكان أحرى أيضا بمجمع فقهاء التورق أن يعقدوا مؤتمرا لإنتاج بدائل للتورق وهو بالتأكيد لن يعجز عن ذلك خصوصا مع توافر أدوات أخرى مثل السلم فهي خطوة إلى الإمام لا أن يعقدوا اجتماعات لإثبات مشروعية التورق، أما الحجة الثالثة وهي حجة التيسير فهي حجة غريبة أيضا فالدين يسر ولم يمنع شيئا إلا لأن فيه يسرا ورفعا للحرج عن الناس، وهنا نسأل: هل من اليسر في الدين أن يتم تعظيم القيمة المالية للسلع سواء الدولية أو المحلية مقابل القيمة السوقية فتتفاوت تفاوتا كبيرا مما يسهم في الكثير من الأمراض الاقتصادية كما هو معلوم عند الاقتصاديين، وكما تأكد أيضا بعد حدوث الأزمة المالية العالمية؟ وأما الحجة الرابعة وهي أن أعضاء المجمع يعينون بالواسطة والمحسوبية فلو افترضنا جدلا وقوع ذلك فهل هذا معيار نهائي لتقييم عضو مجمع الفقه الإسلامي, وهل أسوأ درجات هذه التهمة وهي المصالح الشخصية المباشرة هي منفية عن أعضاء مجمع فقهاء التورق خاصة أن أغلبهم أعضاء في الهيئات الشرعية المجيزة للتورق؟ وكما قال أحد علماء الاقتصاد الإسلامي إنه لا يعين في الهيئات الشرعية اليوم إلا الألين والمعروف رأيه مسبقا في قضايا المؤسسة المالية، وأما الحجة الأخيرة وهي أن المتعاملين لا يجدون القرض الحسن فسبحان الله إن هذا الخطاب يجب أن يوجه من أعضاء الهيئات الشرعية إلى المؤسسات المالية ليس إلى المتعاملين كفتوى مع الدعوة أيضا لتوفير القرض الحسن من مؤسسات غير ربحية خيرية وهو المبنى السليم لتطبيقنا لأهداف الاقتصاد الإسلامي، إن قرارات المجمع الفقهي يجب أن يستعين بها أعضاء الهيئات الشرعية كناقلين ملزمين بها وليس مخيرين ناقدين لها لكي لا ينتشر سلوك الجرأة على الفتوى لأنه، كما قال عليه الصلاة والسلام أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار ـ أعاذنا الله وإياكم ـ منها، ومع ذلك نحن لا نهدف أن نكون مع فريق ضد فريق لكن نؤكد على أمرين الأول أن تكون الرؤية متوازنة وحيادية محترمة لعقول المخاطبين وألا تتزعزع المكانة الدينية لفقهائنا الذين أسهموا بشكل كبير في بناء الصناعة المالية الإسلامية لتحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي وهو ما ننشده جميعا.
إنشرها