Author

كيف يمكن لقياديات التمريض أن يغيرن من أنفسهن؟

|
بصدور قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (م/30) وتاريخ 2/6/1430هـ بشأن الموافقة على سلم رواتب الوظائف الصحية، أُزيحت أحد أهم القضايا التي طال انتظارها من قبل منسوبي القطاع الصحي. هذه لاشك خطوة تنموية إنسانية نحمد الله عليها ونسأله تعالى أن يبارك في قيادتنا الرشيدة ويجعلهم لنا وللإسلام ذخرا ـ بإذن الله ـ. الآن وقد طوينا صفحة من الطلبات، فهل يمكن أن نتوجه إلى أداء الواجبات؟. الآن نحتاج إلى توجيه الاهتمام للنواحي النظامية والإدارية لتستقيم الخدمة ويجود الأداء، ولأن الزوايا عديدة فيمكن تناولها حسب الأهمية والأولوية. أعتقد أن التمريض في حاجة إلى أن يسلط عليه الضوء إداريا وخدميا وماليا أيضا. فمن المعروف أن الممرضة لم توجد لتحسين الصحة بل أيضا لتجميل الحياة في عيون المرضى فيقهروا الألم ويعودوا لحياتهم منتجين ومتفائلين ـ بأمر الله ـ، وبالتالي لا يمكن أن نهمش هذا الدور الإنساني الكبير. إحصائيا فئات التمريض تعددت تخصصا مهنيا على مستوى العالم ولكن في المملكة ما زلنا أمام ضغوط توظيف خريجات الكليات الصحية في المراكز الصحية! وخريجات المعاهد الصحية في المستشفيات!. هذا يدل على أنه لا توجد رؤى واضحة، ولا قواعد بيانات جيدة، ولا القيادات طورت أساليب التعامل مع الكوادر، ولا الكوادر نمت روح العمل وتغلبت على الظروف. لقد شغل الممرضون والممرضات السعوديون في وزارة الصحة ما نسبته 50 في المائة تقريبا من مجمل أعداد الفئة بين المراكز الصحية والمستشفيات (49850 ممرضة)، ولكنهن لا يزدن على 18 في المائة من إجمالي أعدادهن (21462 ممرضة) في القطاعات الحكومية الأخرى. بين تلك النسبة وهذه لم يكن هناك سياسة للقطاع الصحي في الاهتمام بالتمريض من النواحي الرئيسة أو أهم المرتكزات. فعلى مدى خمس سنوات مضت ما زالت النسبة تراوح في المعدل نفسه بالنسبة لعدد (عشرة آلاف من السكان ولم تختلف أو تصنف أو تخصص أو تغير مسميات الفئات لتحريك العمل والعاملين وتجديد الفكر والمنظور. أما بالنسبة للقطاع الخاص فإن (21085 ممرضة) ستجعل اللجان الصحية في الغرف التجارية في شغل دائم إذا ما بدأوا إعادة النظر في سياسة التأهيل والتوظيف والتطوير وإعادة الهيكلة وتنفيذ العمل باحتراف. لا أدري إن كانت الخطط تقود إلى توزيع القوى العاملة حسب الاحتياج أم استيعاب خريجات يتم قبولهن في المرفق الصحي حسب أهواء الرئيسة التي تحكم عليهن من واقع (50 سؤالا) تختبر فيها قدرات الممرضة (بعد الترخيص من الهيئة) في أول يوم تتسلم فيه العمل في المرفق الصحي لتحدد بعد ذلك مسارها، وللأسف قد يكون نهاية مشوارها المهني. لأنها ببساطة لم تتعلم الفرق بين الدارِسة والممارِسة كأبجديات العمل. في مواقع أخرى من العالم من صميم عمل الرئيسة أن تؤكد على (خمس نصائح) لا بد أن تهتم بها الممرضة في عملها منذ البداية. لا أعتقد أن هذا الذي يتم في مرافقنا الصحية المختلفة لأن أي ملاحظة من المجدة والمثابرة يجاب عليها بعبارة "وجدنا آباءنا كذلك". وبالتالي نضخ للعمل سنويا مئات منهن نصيحتنا لهن "العودة للوراء". جانب آخر هو إقامة اليوم العالمي للتمريض في المملكة. فعلى مدى سنوات طوال مازال عبارة عن نشاط حركي "ينتهي تأثيره بزوال المؤثر". هذا جعلني أتساءل هل هو مناسبة اجتماعية لتبادل التهاني وتعبير عن الفرح بالخروج من العمل؟، أم هو تعليق للوحات وتوزيع لأكواب الشاهي والادعاء بالانشغال بعديد من المناسبات؟. لقد سرى بين الممرضات أن الممرضة اليوم قيادية أو غير قيادية طالما أنها قضت عشرة أعوام في المهنة فهي متمكنة ولا موجب لها أن تطلع على النشر العلمي أو تلقي بحثا أو دراسة عن تجربتها في السنوات الماضية لأن إفادة الفريق من شؤون آخرين!. إن عدم متابعة ذلك على المستوى العملي والميداني، والتصرف الكيّس السريع حياله، سيجعل الآلاف منهن محركات بشرية عديمة النفع. فنكرس في أنفسهن الاتكالية والتسيب اللذين يؤديان إلى التهرب والتسرب. إذا حاولنا مقارنة ذلك بما تقوم به لجان اختيار الممرضات في ثلاث دول غربية، لوجدنا أن الدول المتقدمة لا تفوز بالنوعيات الجيدة من الممرضات لبرودة الطقس أو اخضرار الأرض أو سهولة الإجراءات أو جمال المنظر وإنما يبحثون عن: من يفهم القوانين والتعليمات، الأفضل معلوماتيا ومهاريا في التخصص وقياديا في إدارة فرق العمل والكوارث، القادر على العمل الدؤوب والمثابرة، وأخيرا من يعينهم على توفير البيئة الملائمة للإبداع وخلق أجواء عمل مليئة بالحيوية والإخلاص عمليا واجتماعيا. هذا يجعل الممرضة تشارك في حراك تطوير المهنة بحضور قوي في المرفق الصحي والمحافل العلمية أو الأكاديمية بل وتبهر الأطباء بقدرتها على مجاراتهم مهاريا ومعلوماتيا، وهذا ما نحتاج إليه في مسيرة التنمية. أعتقد أنه لابد أن تكون البداية بإدارات التمريض العليا والتنفيذية، التي تحتاج إلى إعادة هيكلة وتنظيم مع وضوح الرؤية، ففي النهاية نريد أن نجعل البيئة جاذبة لا طاردة. ثم أن تحديد عدد معين من الممرضات لكل (ألف أو عشرة آلاف من السكان) مسألة تتعلق بكفاية الأداء ومناسبة الأسلوب ولا تعتمد على اتباع ما تحقق في هذه الدولة أو تلك. لابد أن نسعى للعمل في كل اتجاه وإذا أردنا تحديد نسبة فلتكن بناء على دراسة كهدف لا بد أن يتحقق، ثم نتابع كل صغيرة وكبيرة في كل مرفق صحي لتحقيقه. ثم ندخل بعض التشويق بالاهتمام بتقنية الاتصالات والمعلومات لتسهيل العمل وتنظيمه وتقنينه، وبذلك يمكن أن نوجد قياديات تم ترشيحهن وتتسابق الزميلات للعمل معهن والاستفادة من خبراتهن، ولم يفرضن أنفسهن. من هنا يمكن لنا أن ننتقل للمرحلة التالية، والله ولي التوفيق.
إنشرها