Author

متى تحتاج الدول الخليجية إلى فرض الضرائب؟!

|
تقوم النظرية الاقتصادية الرأسمالية التقليدية على عدم تدخل الدولة (القطاع الحكومي) في الاقتصاد (القطاع الخاص)، وبالتالي تجنب فرض الضرائب لأغراض الإنفاق لتكون في أضيق الحدود (الأمن، القضاء، الدفاع)، وهذا مبني على المقولة الفرنسية Laizes Faire أي دعه يعمل بحرية.. ولكن هذه النظرية التقليدية اصطدمت بواقع الاقتصادات الرأسمالية منذ أزمة الكساد الكبير وإلى اليوم، فأصبح التدخل الحكومي الكبير المستمر لإصلاح اختلالات الاقتصاد (في القطاع الخاص) لا مفر منه لاستقرار الدول والمجتمعات الرأسمالية الغربية ونما الاقتصاد العام (المساهمة الحكومية في الناتج المحلي) إلى ما يمثل 50 إلى 40 في المائة أو أكثر من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد.. وهذا يعني ارتفاع حجم الضرائب والاقتراض من الأموال الخاصة ومزاحمة القطاع الخاص في إدارة وتوجيه الموارد الاقتصادية وبالتالي تقليص هامش الحرية الاقتصادية لدرجة كبيرة. وسارت اقتصادات الخليج العربي بخلاف هذا الاتجاه العالمي للاقتصادات الرأسمالية نحو زيادة حجم الضرائب والاقتراض والسبب ببساطة هو ما تملكه هذه الحكومات من موارد ثروات هائلة في قطاع النفط والغاز والذي يمثل عصب الاقتصادات الخليجية. فعلى العكس من فرض الضرائب والاقتراض في الدول الرأسمالية فإن حكومات الدول الخليجية أخذت بمبدأ الإعانات الحكومية والخدمات والسلع العامة المجانية وشبه المجانية فهي لذلك اقتصادات تعمل لدرجة كبيرة دون ضرائب وبلا اقتراض. والنظرية الاقتصادية الإسلامية تتماشى في أحد جوانبها مع مبادئ النظرية الرأسمالية التقليدية في عدم التدخل في الحرية الاقتصادية للأفراد والمنشآت. ولهذا فالنظام الاقتصادي الإسلامي يمنع من فرض الضرائب لغير الضرورة القصوى الاستثنائية المؤقتة. ويتوقع ألا يواجه تطبيق النظرية الاقتصادية الإسلامية اختلالات رئيسة مستمرة تؤدي إلى التدخل الدائم للحكومة (كما حدث في الغرب)، وذلك لدور (القطاع العام الحر). ويقصد بالقطاع العام الحر القطاع الخيري والتعاوني المبني على قواعد ومبادئ الإحسان والتعاون التكافلي بين مختلف وحدات المجتمع الاقتصادية الاستهلاكية والإنتاجية. ولكن هل واقع اقتصادات الدول المسلمة (غير البترولية) ينبئ عن إمكانية استغناء حكوماتها من فرض الضرائب والاقتراض بواسطة استناد مجتمعاتها إلى أنظمة إسلامية حرة للتعاون والتكافل والإحسان؟ لا أتوقع أن يمكن ذلك بشكل فوري لأن حكومات هذه الاقتصادات قد تبنت منذ عقود وحتى الآن تطبيق تجارب النظريات الرأسمالية الغربية التي تمخضت (في المجتمعات الغربية) عن ضرورة إدخال أنظمة ضريبية واقتراضية وانفاقية لتساعد على استقرار الاقتصادات الرأسمالية الغربية وعدم اهتزازها وانهيارها. نعم يمكن البدء بتطبيق تدريجي للأنظمة التعاونية الإسلامية الحرة وبالتالي التقليل التدريجي من الاتكاء على الضريبة والقروض والإنفاق الحكومي. ويجب أن يستمر التدرج في زيادة ذلك حتى ينمو القطاع العام الإسلامي الحر بشكل كاف يمكنه من أن يصبح بديلا مؤثرا وقطاعا ثالثا بارزا مع القطاع الحكومي والقطاع الخاص. وفي النهاية يمكن تطبيق النظرية الاقتصادية الإسلامية في الحرية الاقتصادية للقطاع الخاص والقطاع العام الحر، وبالتالي سيعود القطاع الحكومي إلى دوره التقليدي والمحدود للتدخل في الحرية الاقتصادية للأفراد والمنشآت. ولقد أراد الله تعالى سبحانه لشعوب دول الخليج أن تكون بعيدة عن الأعباء الضريبية الثقيلة بأن منح ـ الله تعالى ـ حكوماتها ثروات القطاع البترولي التي تضمن اقتصادات بلا ضريبة وبلا اقتراض داخلي أو خارجي.. وهذا يضمن إضافة إلى الرخاء والرفاهية الاقتصادية للمواطنين انخفاض التكاليف للمنشآت الصناعية والزراعية والتجارية والذي يسهم في ارتفاع مستوى منافستها للمنتجات الدولية ويحمي الصناعات الناشئة في دولنا البترولية النامية دون الحاجة إلى فرض نظم حماية جمركية.. ولهذا يجب مقاومة أي أسباب تقف وراء الدعوات لفرض ضرائب داخلية أو ضرائب قيمة مضافة على المواطنين أو على المنشآت الوطنية. نعم ربما ينبغي أن تفرض رسوم خدمات ترشيدية استهلاكية أو لحماية البيئة أو تفرض على المواطنين والأجانب أو المنشآت غير الخليجية التي لا تفرض عليها الأنظمة الوطنية الزكاة. أخيرا لعلنا أن ننوه أن الاتجاه لعدم تطوير أنظمة ضريبية على الفعاليات الاقتصادية المحلية الوطنية هو الاتجاه الحديث الذي أخذت تنحو وتطمح إليه الاقتصادات الرأسمالية أخيرا في التركيز على اقتصادات العرضSupply Economy وتخفيف الضرائب وتبسيطها، ولكن هيهات أن تتمكن تلك الاقتصادات الغربية الرأسمالية من تحقيق انحسار كبير في التدخل الحكومي في شؤون القطاع الخاص لأنها لا تملك أسسا بديلة للاستقرار والتكامل كما هو في الاقتصادات الإسلامية.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها