هل السعودة عنصرية؟

هل السعودة عنصرية؟

مدخل: بلغة الأرقام، وطبقا للبيانات الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، فإن نسبة الوافدين في المملكة العربية السعودية وصلت 27 في المائة من جملة السكان، وذلك حسب التعداد العام للسكان الذي أجرته المصلحة عام 1425هـ، أي أن نسبة السكان السعوديين لا تتجاوز 73 في المائة من جملة السكان في المملكة. وتشير البيانات المتوافرة لدى وزارة العمل إلى أن عدد العاملين الوافدين ومرافقيهم قد بلغ 9781536 وافدا بتاريخ 31/12/2008. وبلغ عدد العاملين الوافدين 6999339 وافدا عام 2008. ويمثل هذا العدد زيادة عما كانت عليه هذه العمالة في عام 2007 بما مقداره 882408 وافدين، أي 14.43 في المائة خلال عام واحد فقط! وقد ارتفع عدد العاملين الوافدين في منشآت القطاع الخاص من 4908899 عاملا عام 2007 إلى 5549049 عاملا عام 2008. وهذه الزيادة التي بلغت 640150 عاملا في عام واحد تمثل نسبة 13.04 في المائة. أما العمالة المنزلية فقد ارتفعت من 1021438 عاملا في عام 2007 إلى 1256360 عاملا في عام 2008 بزيادة قدرها 234922 عاملا وبنسبة 23 في المائة. وارتفع عدد العاملين الوافدين في القطاع الحكومي من 186594 عاملا عام 2007 إلى 193930 عاملا في عام 2008 بزيادة 7336 عاملا وبنسبة 3.93 في المائة. وقد تزايد عدد العمالة الوافدة ومرافقيها عبر السنوات الماضية تزايدا كبيرا. ففي النصف الأول من عقد السبعينيات الميلادية من القرن الماضي بدأت الطفرة الاقتصادية الأولى، وبرزت الحاجة لاستقدام الأيدي العاملة من خارج البلاد لمواجهة الاحتياجات التنموية وإقامة مشاريع البنية الأساسية عبر أرجاء المملكة، إذ إن سوق العمل السعودية لم تكن قادرة على الوفاء باحتياجات الاقتصاد والمجتمع من الأيدي العاملة، وكان التصور هو أن هذه العمالة الوافدة ستكون مؤقتة وستنتفي الحاجة إليها خلال سنوات معدودة تعود بعدها إلى بلدانها، وتكون الكوادر الوطنية قد أصبحت جاهزة للوفاء باحتياجات الاقتصاد. لكن ما حدث كان عكس ذلك. فقد تسارعت وتيرة الاستقدام، ولم يعد استقدام العمالة لغرض إقامة المشاريع التنموية فقط، إنما لجميع الأنشطة بما في ذلك جوانب الاستهلاك التفاخري والعمالة المنزلية التي تفيض في كثير من الأحيان عن الحاجة الفعلية. ليس ذلك فحسب، بل إن التستر على العمالة الوافدة والمتاجرة بتأشيراتها أصبحت مصدرا للدخل بالنسبة لعدد غير قليل من السعوديين! آثار العمالة الوافدة لا شك أن العمالة الوافدة قد أسهمت في التنمية الاقتصادية للمملكة وسدت النقص الفادح في الأيدي العاملة. فهي مثلما استفادت من وجود الفرص الوظيفية في المملكة التي حققت لها دخلا ماديا ولبلدانها تحويلات نقدية مهمة، فهي قد أفادت المملكة. وبمعنى آخر فإن هناك منفعة متبادلة للطرفين من وجود العمالة الوافدة في المملكة. وبهذا المعنى فإن العمالة الوافدة قد تركت أثرا إيجابيا يجب الاعتراف به وتقديره. غير أن وجود العمالة الوافدة ترك أيضا آثارا سلبية كثيرة يمكن إيجاز بعضها على النحو الآتي: * اختلال التركيبة السكانية: أدى تزايد أعداد العمالة الوافدة ومرافقيها في المملكة إلى تغيير الخريطة الديموغرافية على نحو أخل بالتركيبة السكانية، فليس من المقبول في أي مجتمع أن يكون ثلث السكان من الوافدين بكل ما يشكله ذلك من آثار على هوية المجتمع، خصوصا مجتمعا كالمجتمع السعودي المتجانس والمحافظ. * اختلال تركيبة سوق العمل: إن وجود عمالة وافدة ذات تكلفة منخفضة نسبيا أربك سوق العمل وأوجد تشوهات عميقة في بنيته. فالعرض والطلب في سوق العمل السعودي لا يتحددان وفق مفهوم طبيعة الموارد البشرية ومبدأ الندرة الاقتصادية اللذين يحددان مستوى الأجور وأنواع النشاطات الاقتصادية المناسبة للبلاد، وإنما يتحددان بما يحدث في أسواق العمل الأجنبية التي يتم استقدام العمالة الوافدة منها. ومثل هذه الظروف تفرز آثارا اقتصادية سلبية، خصوصا في المدى الطويل على صعيد إنتاجية المجتمع وتنافسيته. * ارتفاع معدل البطالة: أدى وجود العمالة الوافدة ذات الأجور الزهيدة إلى مزاحمة العامل السعودي. فالمستثمر يفضل العمالة الوافدة لأن تكلفتها أقل من تكلفة العمالة المحلية، كما أنها تقبل العمل في ظروف لا يقبل بها العامل المحلي، ما يعني أن العوائد المالية المتحققة للمستثمر تكون أعلى عندما يوظف هذه العمالة الوافدة. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع معدل البطالة بين السعوديين. وطبقا لتقديرات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات فقد بلغ المعدل العام للبطالة في شعبان 1429هـ، 10 في المائة من إجمالي قوة العمل السعودية، أي ما يعادل 416350 متعطلا، وبلغ معدل بطالة الذكور 6.8 في المائة، أي ما يعادل 239176 متعطلا، وبلغ معدل بطالة الإناث 26.9 في المائة، أي ما يعادل 177174 متعطلة. وبالتأكيد فإن هذه المعدلات المرتفعة غير مقبولة في بلد يستقدم ملايين العمالة الوافدة. * التحويلات المالية الهائلة: تقوم العمالة الوافدة بتحويل عشرات المليارات من الريالات كل عام إلى بلدانها. وتمثل التحويلات النقدية إلى الخارج نزيفا للاقتصاد السعودي يؤثر سلبا في ميزان المدفوعات ويحرم الاقتصاد من الانتفاع من هذه الأموال التي كان بالإمكان ضخها في شرايين الاقتصاد الوطني وتوليد قيمة مضافة. وقد بلغت هذه التحويلات المالية في عام 2007 ما يصل إلى 60 مليار ريال. كما أن هذه التحويلات النقدية تجاوزت تريليون ريال (ألف مليار ريال) خلال الفترة من عام 1990 إلى عام 2007. وتعد المملكة العربية السعودية هي الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة في حجم تحويلات العمالة الوافدة! * آثار أمنية: ثبت أن بعض شرائح العمالة الوافدة تتورط في ارتكاب أعمال إجرامية مخلة بالأمن. وهناك أسباب عديدة، منها أن بعض هذه العمالة غير مناسبة أساسا، وقد يكون بعضها متورطا في أعمال إجرامية في بلدانها. كما أن بعضها يفشل في التأقلم مع الظروف الجديدة، وبعضها يتعرض لتجارب صعبة يرى أنها تبرر له ارتكاب مخالفات أو جرائم. وهناك مَن يعتبر أن قدومه إلى المملكة يمثل فرصة ذهبية لجمع المال بأي طريقة. وطبقا لما تنشره الصحف المحلية فإن ارتكاب الجرائم من قِبل بعض العمالة الوافدة أصبح ممارسة يومية. كما أن نتائج الدراسات والبحوث التي قامت بها بعض الجهات المتخصصة تؤكد ذلك. ولا يتوقف الأمر على قيام العمالة الوافدة بارتكاب الجرائم بأنفسهم وإنما يتجاوز ذلك إلى تجنيد بعض المواطنين السعوديين للقيام بهذه الأعمال. * آثار ثقافية: لا شك بأن أحد النتائج المترتبة على اختلال التركيبة السكانية هو حدوث آثار ثقافية سلبية على المجتمع السعودي. فمن الملاحظ أن هناك تأثيرا في اللغة التي يتخاطب بها الناس وزحف المفردات الأجنبية والتعبيرات الوافدة على اللغة العربية. وتوجد دراسات عديدة تؤكد هذا الأثر السلبي. * آثار اجتماعية: تغلغلت العمالة الوافدة إلى منازل السعوديين وأصبحت العمالة المنزلية الوافدة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها. فهناك المربية والخادمة والطباخة والسائق وغيرهم ممن يعيشون مع الأسر السعودية داخل منازلها. وتترك هذه العمالة المنزلية آثارا عميقة في حياة السعوديين وقد أدى وجودها إلى اعتماد الأسر السعودية عليها في أداء معظم الأعمال المنزلية بدءا بالطبخ وتنظيف المنزل وانتهاء بتربية الأطفال، وتسبب في إيجاد اعتمادية تكاد تكون مطلقة على هذه العمالة لأداء كل أنواع العمل لدرجة أن الكثير من الفتيات اللاتي في سن الزواج يجهلن أبسط الأمور المتعلقة بتدبير الأمور المنزلية، كما أن إقحام الخادمات والمربيات الوافدات في أمور تربية الأطفال أدى إلى تشويه التركيبة النفسية لهم. وفي المجمل، فإن قيم العمل نفسها لدى الفرد السعودي قد تعرضت للكثير من التدمير والهشاشة ما السعودة؟ باختصار هي إحلال المواطنين مكان غير المواطنين في سوق العمل. لكن هذا لا يعني الاستغناء عن غير السعوديين، لأن الحاجة لهم الآن وفي المستقبل المنظور ستكون كبيرة ولو تم توظيف كل العاطلين السعوديين عن العمل فلن يكفي ذلك لوقف الاستقدام. والمقصود أنه عندما يكون هناك مواطن لشغل وظيفة ما في الاقتصاد السعودي، فيجب أن تكون الأولوية له، فقد نصت المادة الثالثة من نظام العمل الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/51 وتاريخ 23/8/1426هـ على أن "العمل حق للمواطن، لا يجوز لغيره ممارسته إلا بعد توافر الشروط المنصوص عليها في هذا النظام"، بمعنى أنه عندما تتوافر شروط معينة فإنه يمكن لغير المواطن أن يعمل في سوق العمل السعودية. ومن أشهر قرارات السعودة القرار الصادر عن مجلس الوزراء برقم 50 وتاريخ 21/4/1415هـ، الذي ينص على أن تقوم كل منشأة تستخدم 20 شخصا فأكثر بزيادة العمالة السعودية لديها بما لا يقل عن 5 في المائة من مجموع عمالتها سنويا، إضافة إلى قصر التوظيف في بعض المهن والوظائف على السعوديين. السعودة .. ليست اختراعا سعوديا! سعودة الوظائف التي تعني توطين الوظائف ليست اختراعا سعوديا فقبل أن يشيع مصطلح السعودة كانت هناك مصطلحات مثل "التمصير" و"السودنة" والتكويت" والتعمين" بل وحتى "السنغفرة" Singaporzation وغيرها من المصطلحات المماثلة. يقول وزير الطاقة والتعدين السوداني في تصريح لجريدة عكاظ السعودية بتاريخ 13 رمضان 1424هـ (8 نوفمبر 2005م) إن "سودنة الوظائف بقطاع النفط" صارت من أولويات وزارته التي أفردت لها نصا يلزم الشركات الأجنبية بسودنة الوظائف تدريجيا حسب خطة منصوص عليها". كما أن الرئيس السوداني أشار في ثنايا حديثه لقناة العربية التلفزيونية مساء الأحد 15 رمضان 1424هـ إلى أن السودان خاض تجربة "سودنة الوظائف" بعد حصول السودان على الاستقلال. وفي الولايات المتحدة توجد منظمة باسم "أنقذوا الوظائف الأمريكية" وشعارها هو "الوظائف الأمريكية للأمريكان أولا". وفي مصر ثار في الصحافة المصرية جدل كبير حول العمالة الأجنبية التي تنافس العمالة المصرية وقد تبنى النائب المصري حيدر بغدادي هذه القضية في مجلس الشعب المصري وقال في أحد تصريحاته إن عدد العمالة الأجنبية في مصر بلغ نحو مليوني عامل من الدول الإفريقية والآسيوية ودول البلقان وبعض دول أوروبا الشرقية. وعلى هامش المناقشات التي دارت في لجنة القوى العاملة بمجلس الشعب نشرت جريدة الأهرام مقالا بقلم عبد الجواد علي بتاريخ 13 أغسطس عام 2003 جاء فيه: "لقد أظهرت المناقشات أن العمالة الأجنبية غير الشرعية والتي اتخذت من مصر مأوى وملجأ أصبحت تنافس العمالة المصرية بطريقة شرسة، فهم ينعمون في بلادنا ويطاردوننا في بلادهم، ويرفعون رؤوسهم كخبراء بينما يهرب شبابنا من ملاحقة شرطتهم في شوارعهم، وهم في بلادنا يتقاضون آلاف الدولارات ويحرمون أبناءنا من فرص العمل القليلة ذات الراتب المحدود". وفي دولة عربية أخرى تعتبر من الدول المرسلة للعمالة، وهي الأردن، يقول محمود الخطيب عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات عمال الأردن، في ورقة قدمها إلى اللقاء الثالث للتوظيف والسعودة بالرياض بتاريخ 16-17/12/2003م، عن تجربة الأردن مع العمالة الأجنبية: "كان تدخل الحكومة في آلية سوق العمل المحلية لوقف التناقض الحاصل في معادلة العرض والطلب، وذلك من حيث أنها تعمل لصالح العمالة الوافدة، مما نجم عنه تزايد واستمرار معدلات البطالة في صفوف العمالة المحلية، فالعمالة الوافدة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي أصبحت هي العامل الرئيسي في استمرار البطالة في صفوف العمالة المحلية، فوجود 250 - 300 ألف عامل وافد في سوق العمل المحلية يبحثون عن فرصة عمل, أمر كبير يستحق بل يوجب تدخل الحكومة. فهذه الازدواجية في سوق العمل المحلية ينبغي تصويبها بما يخدم مصلحة العمالة الوطنية أولا". إنني لا أعرف دولة واحدة في العالم لا تجعل الأولوية في التوظيف لمواطنيها. وفي الحقيقة، وبعيدا عن أي مثاليات لا مكان لها إلا في الخيال، فإن دول العالم قاطبة لا تفتح أبواب أسواق عملها لكل من أراد الدخول والعمل فيها. ولو كانت الأمور بهذه البساطة التي نلمسها في بعض الطروحات لما وجدنا في اليابان، على سبيل المثال، عاملا واحدا من الجنسية اليابانية لأن الشركات اليابانية ستجد أن من المربح لها توظيف العمالة الآسيوية ذات الأجور الزهيدة بدلا من العمالة اليابانية المكلفة. وما ينطبق على اليابان ينطبق على الدول الأخرى، بما فيها الدول الصناعية الكبرى. (انظر: عبد الواحد الحميد، السعودة أو الطوفان). ما العنصرية؟ هناك تعريفات عديدة للعنصرية وللتمييز العنصري. كما أن هناك أنواعا مختلفة من العنصرية مثل العنصرية القائمة على أنواع الأجناس البشرية والعنصرية الثقافية والعنصرية العلمية والعنصرية الإثنية والعنصرية الاقتصادية والعنصرية الاجتماعية والعنصرية الدينية والعنصرية الجنسية (عنصرية الجندر)، والعنصرية الفردية مقابل العنصرية المنظمة، وغيرها من أنواع العنصرية. وجميع هذه الأنواع من العنصرية ترتكز على عامل مشترك وهو الاعتقاد بتفوق أفراد أو مجموعة بشرية مقابل أفراد آخرين أو مجموعات أخرى من البشر تبعا للجنس أو الجنسية أو الدين أو اللون أو المجموعة الثقافية أو الإثنية أو العنصر الذي ينتمي إليه ذلك الفرد أو تلك المجموعة. وليس من السهل تحديد ما إذا كان سلوك ما ينطوي على العنصرية أم لا، فهناك عنصرية مباشرة واضحة وعنصرية غير مباشرة غامضة وخفية. كما أن من يرتكبون ممارسات عنصرية قد لا يشعرون بأن ممارساتهم عنصرية ويجدون ما يكفي من الذرائع لتبرير سلوكهم العنصري. وترى الباحثة باربرا تريباجنير Barbara trepagnier أن جميع الأفراد البيض يحملون انطباعات وتصورات سلبية تعميمية مقولبة عن الأمريكيين ذوي البشرة السوداء، وتسمي ذلك "العنصرية الصامتة" وتسهب في وصف السلوكيات والممارسات التي تدخل تحت هذا التصنيف في كتابها Silent Racism: How Weel-Meaning White People Perpetuat the Racial Divide. وفي خضم التعريفات المتعددة للعنصرية، وكذلك الأنواع المتعددة من العنصرية، تصعب الإجابة عن السؤال المطروح: هل السعودة عنصرية؟ ويضاعف من هذه الصعوبة أن مفردة "السعودة" قد تعني أشياء مختلفة لدى من يستخدمون هذه المفردة تبعا لخلفياتهم الثقافية أو الاجتماعية أو تبعا لتجاربهم الشخصية. السعودة ليست عنصرية: أجل, السعودة في الأساس والجوهر، ليست عنصرية. هي ضرورة تمليها الحاجة ولا يمكن النكوص عنها وهي لا تمثل موقفا سلبيا تجاه غير السعوديين. السعودة تمثل استراتيجية وطنية تسعى الحكومة من خلالها إلى استثمار الموارد البشرية الوطنية التي يعاني بعضها من البطالة في الوقت الذي يغص سوق العمل السعودي بملايين العمالة الوافدة من كل أصقاع العالم، بكل ما تشكله هذه الظاهرة من مخاطر أمنية واقتصادية وثقافية واجتماعية على النحو الذي تمت الإشارة إليه سابقا. ومع ذلك يجب أن نعترف أنه على صعيد الممارسة تبرز بين الحين والآخر مواقف سلبية يمكن وصف بعضها أحيانا بأنها أشبه ما تكون بالعنصرية. وفي الغالب هي رد فعل للآثار السلبية للتواجد المفرط للعمالة الوافدة. ومثل هذا يحدث في كل المجتمعات التي يوجد فيها وافدون بأعداد كبيرة وخصوصا عندما تكون هناك بطالة أو ممارسات للجماعات الوافدة تختلف عن السائد الاجتماعي. فإذا أضفنا إلى ذلك أن المجتمع السعودي أميل إلى المحافظة ورفض أي ممارسات لم يتعود عليها فإن رد الفعل قد يكون سلبيا وقد يولد مشاعر أشبه ما تكون بالعنصرية إن لم تكن عنصرية حقا. هذه الممارسات لا يمكن قبولها. وهي تتفاوت في مداها بين ممارسات هامشية من فئات اجتماعية قد تفتقر إلى الوعي الكافي لتصل إلى ممارسات من أفراد محسوبين على الشريحة المثقفة. وقد يكون في بعض الممارسات ما يصل إلى درجة خطيرة وجرائم يعاقب عليها القانون. ومن أمثلة الممارسات التي لا تمثل سياسة السعودة كاستراتيجية رسمية ترعاها الحكومة، ما يلي: - قامت وزارة العمل وبعض الجهات الحكومية الأخرى بإعداد لائحة تنظم عمل العمالة المنزلية حيث لا يوجد حاليا أي نظام يحكم عمل هذه العمالة إذ إن نظام العمل لا ينطبق عليها. وعند مناقشتها في مجلس الشورى ثارت ثائرة بعض الأعضاء بسبب تضمين هذه اللائحة بعض الحقوق التي تعتبر أساسية لهذه العمالة وفق معايير منظمة العمل الدولية. وكان من اللافت أن بعض التعليقات قاسية جدا وتقترب من أن تكون عنصرية. كما أن الصحافة تناولت موضوع اللائحة وكان بعض ما نشر لا يخلو من نبرة استعلائية تنظر إلى العمالة المنزلية نظرة دونية. - تحدث اعتداءات عابثة من بعض المراهقين على العاملة الوافدة وخصوصا الدنيا مثل عمال النظافة في الشوارع حيث يتعرضون للمضايقة وللإيذاء وحتى الضرب أحيانا. - يتعامل البعض بفوقية مع العمالة الوافدة بسبب انطباعات خاطئة عن هذه العمالة. هذه الانطباعات ترسخت لدى البعض كنتيجة لتعاملها مع فئات من العمالة الدنيا غير المتعلمة والتي غالبا ما تكون قد جاءت من قرى وأرياف من بعض البلدان الآسيوية، فيكون الانطباع العام سلبيا ربما حتى عن البلد الذي قدمت منه هذه العمالة. مثل هذه الممارسات التي لا تحسب ضد السعودة نفسها وإنما ضد من يمارسونها دفعت وزير العمل الدكتور غازي القصيبي إلى انتقاد ممارسيها وذلك في كلمة ألقاها خلال لقائه مع مديري مكاتب العمل في ديسمبر 2008م بالرياض حيث قال: "كنا عندما يأتي إلينا الأجنبي ننظر إليه نظرة تكاد تقترب من التبجيل. فهو إما طبيب نطلب منه العلاج أو أستاذ نطلب منه المعرفة أو محاسب نطلب منه أن ينظم أعمالنا. أما الآن فقد انقلبت هذه الصورة أصبحنا ننظر إليهم وكأنهم أتوا كي ينهبونا أو يفسدوا مجتمعنا أو ينشروا فيه الجريمة, ونحن الذين أتينا بهم. للأسف الشديد استبد بنا شيء من الغرور بل ومن العنصرية وبدأنا نتصور أننا أفضل من أولئك الذين أتونا كي يشاركونا عبء التنمية". وقد أثارت كلمة الوزير جدلاً واسعاً عبر الصحافة ومواقع الإنترنت شارك فيها سعوديون ووافدون. وكان من اللافت أن الغالبية الساحقة من تعليقات الوافدين كانت تؤكد على عنصرية السعوديين في حين أن تعليقات السعوديين كانت متباينة. وتزامنت كلمة الدكتور القصيبي مع حملة إعلامية عبر التلفزيون والصحافة ضد انتهاكات حقوق العمالة المنزلية تحت عنوان "حملة الرحمة". وقد أثارت هذه الحملة، بدورها، جدلاً واسعاً حيث رأى البعض أنها تسيء للمجتمع السعودي. عمالة مؤقتة .. أم عمالة مهاجرة؟ هناك فرق بين سوق عمل يتكون من عمالة محلية فقط أو من أغلبية كبيرة من العمالة الوطنية وأقلية صغيرة من العمالة غير الوطنية. كذلك يجب التفريق بين سوق عمل يسمح بقدوم عمالة مهاجرة وبين سوق عمل آخر يستقدم عمالة مؤقتة وفق عقد يغطي مدة محددة. ومن الملاحظ أن الكثير من الجدل الذي يثور في بعض المحافل يخلط بين العمالة المهاجرة وبين العمالة الوافدة المستقدمة لفترة محدودة وفق عقد يتم توقيعه بين العامل وصاحب العمل. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، فإن العمالة الوافدة التي تعمل فيها ليست عمالة مهاجرة وإنما عمالة مؤقتة تعود إلى بلادها عندما تنتهي الفترة المحددة لعملها وفق العقود الموقعة بين الأطراف ذات العلاقة. هذا الأمر تؤكده المملكة ودول المجلس في كل المحافل وخصوصاً في منظمة العمل الدولية. لقد نصت الاتفاقية رقم 111 بشأن "التمييز في الاستخدام والمهنة" الصادرة عن مؤتمر العمل الدولي عام 1958م في مادتها الأولى على أن مصطلح التمييز في مفهوم هذه الاتفاقية يعني "أي تفريق أو استبعاد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي، ويكون من شأنه إبطال أو إضعاف تطبيق تكافؤ الفرص أو المعاملة في الاستخدام أو المهنة". ولكن في الفقرة الثانية من المادة الخامسة ورد أنه "يجوز لأي دولة عضو، بعد التشاور مع ممثلي أصحاب العمل ومنظمات العمال، إن وجدت، ألا تعتبر من قبيل التمييز تدابير خاصة أخرى المقصود منها مراعاة احتياجات خاصة لأشخاص يُعترف عموماً بأنهم في حاجة إلى حماية أو مساعدة خاصة لأسباب مثل الجنس أو السن أو العجز أو المسؤوليات العائلية أو المستوى الاجتماعي أو الثقافي". ونحن نرى أن السعودة هي من التدابير التي يجوز أن تتخذها الدولة لحماية المواطن من البطالة وتدفق العمالة الوافدة وما يؤدي إليه ذلك من معاناة اقتصادية للمواطن وآثار اجتماعية سلبية. وفي حقيقة الأمر فإن معظم التقارير الدولية لا تنتقد المملكة في موضوع السعودة، وإنما تركز على الجوانب المتعلقة بالحقوق النظامية للعمالة الوافدة وما يحدث في بعض الأحيان من انتهاكات لهذه الحقوق. وهذه الجوانب تحديداً هي ما تسعى أنظمة العمل في المملكة لمعالجتها ولا تفرق في ذلك بين السعودي وغير السعودي. إن نظام العمل السعودي لا يفرق بين العامل السعودي والعامل الوافد. فالنظام يهدف إلى إيجاد توازن عادل في الحقوق والواجبات بين أطراف العلاقة ويحمي هذه الأطراف جميعاً، وهو يحمي العامل الوافد كما يحمي العامل السعودي. ولكن تبقى فئة العمالة المنزلية غير مشمولة بنظام العمل، إلا أن المادة السابعة من هذا النظام تنص على الآتي: "تقوم الوزارة (أي وزارة العمل) بالتنسيق مع الجهات المختصة بوضع لائحة خاصة لخدم المنازل ومن في حكمهم تحكم علاقتهم مع مستخدميهم، وتحدد حقوق وواجبات كل طرف منهم، وترفعها لمجلس الوزراء". وقد تم الانتهاء من اللائحة وهي الآن في مجلس الشورى مطروحة للنقاش. وفي الوقت الحاضر يتم التعامل مع قضايا العمالة المنزلية وفق قرارات وأنظمة أخرى غير نظام العمل. عنصرية مضادة إذا كان الحديث يدور في معظم الأحيان عن عنصرية السعوديين ضد الوافدين، فهناك بالمقابل وافدون يتعاملون مع السعوديين بشيء من العنصرية سواء داخل بيئات العمل أو عندما يغادرون المملكة أو حتى من بعض الأشخاص الذين ربما لم يعملوا في المملكة. وبعضهم كتاب وصحافيون وأدباء. وهناك مواقع في الإنترنت مسخرة لتوجيه الشتائم العنصرية للسعوديين من قبل بعض الأشقاء العرب. وقد يكون ذلك ردة فعل لتجارب قاسية مر بها أشخاص عملوا في المملكة أو بسبب النظرة المقولبة (ستيريو تايب) عن الخليجيين بمن فيهم السعوديون. سعوديون يرفضون السعودة! لا أتحدث عن بعض رجال الأعمال وإنما عن سعوديين يعارضون فكرة السعودة من منطلق ديني فيرون أن المملكة هي بلد لكل المسلمين وإن الإسلام لا يفرق بين المسلمين على أساس جنسية المسلم فلا فرق بين السعودي وبين أي مسلم وافد. وهؤلاء قلة، ولكنهم موجودون! ومن المؤكد أن أصحاب هذه النظرة يحملون نظرة مشوشة عن السعودة، وفي كل الأحوال فإن الأقربين أولى بالمعروف. ومن اللافت للنظر أن هؤلاء الأشخاص هم أيضا من يرفض تدريس مادة للتربية الوطنية في المدارس أو استخدام النشيد الوطني. هل السعودي عنصري بطبيعته؟ يرى البعض أن السعوديين عنصريون بطبعهم حتى مع بعضهم البعض وليس مع الوافدين فقط. وسبب ذلك هو الطبيعة المحافظة للمجتمع والعصبيات القبلية ورفض الرأي الآخر والنفور من كل فكرة مختلفة عن السائد. ويلاحظ أن مواقع الإنترنت تزخر بالسجالات المناطقية والقبلية والطائفية وأحياناً ينحدر فيها السجال إلى مستويات مؤسفة ومسفة. ولكي نؤكد أو نرفض مقولة أن السعودي عنصري بطبعه دون الآخرين من البشر, فإن الأمر يحتاج إلى دراسات تستخدم منهجية البحث العلمي. لكن المؤكد أن العنصرية موجودة لدى معظم أو كل البشر بأشكال متفاوتة. وعندما نقرأ تاريخ العنصرية دون قناع نجد أن العديد من العلماء والمفكرين أوجدوا لها مبررات وأحياناً مبررات علمية فسيولوجية. وقد تبنتها بعض الأنظمة السياسية وألهبت حماس شعوبها بفكرة التفوق العرقي فقامت الحروب والنزاعات المدمرة ومات ملايين البشر بسبب ذلك مثلما حدث في فترة الحكم النازي في ألمانيا! والعنصرية موجودة بين العرب أنفسهم. فهي موجودة، مثلا، بين الخليجيين، وبين المغاربيين، وبين الأردنيين والفلسطينيين. وأحياناً تتدثر هذه العنصرية بغطاء النكتة البريئة، لكنها تؤكد أن هذه العنصرية موجودة بشكل ما. الخلاصة: يمكن القول إن السعودة – كسياسة وتنظيم – ليست عنصرية، فهي ليست أكثر من سياسة تعمل الحكومة السعودية على تطبيقها لمعالجة اختلال فادح في سوق العمل وفي المجتمع. غير أن هناك ممارسات ترتكب من قبل أفراد سعوديين يمكن وصفها بالعنصرية. وإذا كانت هناك عنصرية فهي مظهر من مظاهر العنصرية العامة المتبادلة بين السعوديين والوافدين وبين السعوديين أنفسهم وبين العرب والعرب. وللأسف يبدو أن العنصرية دائماً موجودة لدى البشر، وعلينا ألا نحمل السعودة وزر هذه العنصرية. ولا شك أن تعريف العنصرية وفهم معنى السعودة يلعبان دوراً مهماً في الإجابة عن السؤال الذي تطرحه هذه الورقة. فإذا ما توسعنا في تعريف العنصرية وتعاملنا مع مفهوم السعودة على أنه يشمل سلوك ونظرة المواطن السعودي تجاه بعض شرائح العمالة الوافدة فإننا قد نخرج باستنتاجات تفضي إلى الاعتقاد بأن السعودة عنصرية. لكن هذا الفهم، في تقديري، يفتقر إلى الموضوعية، واعتساف لمفهوم السعودة بل جهل بما تعنيه السعودة. أما الحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها، والتي أكدتها الكثير من النظريات والأبحاث فهي أن جميع البشر عنصريون بشكل أو بآخر حتى وإن حاولوا التظاهر بعكس ذلك. إننا قد نكون عنصريين على نحو من الأنحاء. ولكن ليس لهذا علاقة بالسعودة. فالسعودة، كما قلنا، هي سياسة حكومية هدفها القضاء على البطالة بين أفراد الشعب السعودي بينما العنصرية تبرز أحيانا من تصرفاتنا العامة مع "الآخر" وفق رؤية معينة تضيق بأي اختلاف عما هو سائد في مجتمعنا من قيم سواء كانت تلك القيم نابعة من تقاليد المجتمع أو مما نعتقد أنه مقدس ديني. إن السعودة لا تختلف عن القوانين التي تسنها أي دولة من دول العالم لتنظيم الجوانب المختلفة من الحياة العامة والتي من خلالها قد تعطي امتيازات لمن يحمل جنسية تلك الدولة ولا تعطيها لغيره. فلو أراد السعودي أن يمارس العمل في بعض الدول العربية أو الأجنبية فلن يتاح له ذلك إلا وفق ترتيبات معينة تحددها أنظمة تلك الدول وقد تكون أصعب مما هو في المملكة ولم يقل أحد أن هذه الترتيبات والإجراءات تعني أن هناك تمييزاً عنصرياً ضد السعوديين. * نائب وزير العمل، والو رقة تم تقديمها في ندوة السبت في النادي الأدبي في الرياض.
إنشرها

أضف تعليق