Author

فكرةٌ تحولـَتْ لعابرةٍ لما وراءَ البحار

|
.. قبل أسبوعين كنت متكلما رئيساً في منتدى "التوستماسترز" الذي أقيم في فندق الموفنبيك بمدينة الخبر، وأعلنتُ على المنبر دعوة لتأسيس مجلس لفتح المعابر وبناء الجسور بين السعوديين والجاليات الأجنبية المقيمة في السعودية. وبعد الجلسة كان الازدحامُ على التسجيل للمجلس، والمشروعُ مازال كلاما احتضنه الهواء.. على أن ردود الفعل فاقت أقصى توقعاتي، فإذا العقولُ الموجودة امتصته كما تمتص الرئاتُ الهواءَ.. والفكرة سبق أن شرحتها في مقال هنا، عنوانه "هدية لمركز الحوار الوطني"، وجاءت الردودُ من كل مكان في المملكة، ومن دول كبرى في الخارج، ولكن لا أعلم حتى الآن ما وقـْعُ الاقتراح على الجماعة المقصودين وهم مركز الحوار، فإن كان المركزُ باستجابته بطيئا، فهذا مما يؤكد أن مجالسَ وهيئاتٍ أهلية مرخّصة يجب أن تؤدي ما ينقص بهذا الدور المهم. وهي رسالة لكل جهة رسمية ألا تعتقد أن الأمورَ ستقف عند عتبات بواباتها الإجرائية طويلا، بل كالماءِ ستبحث عن مسارب أخرى ولو تحت السطح لتسقي الجذورَ الغضّة المنتشرة لتصبح أشجاراً مثمرة وافرة الظل والغذاء.. هذا قانون الحياة، كما هو قانون ديناميكية السوائل. وبالفعل تلقف الفكرةَ الأستاذ عبد الله العلمي، ومن دافع وطني، ومن وعيه الإنساني الأعم، قرر تطوعا أن يوسع دائرة التواصل في الحشد للفكرة، وأظن حتى عبد الله العلمي نفسه فوجئ بحجم الردود، وحماستها، وإضافاتها العقلية المذهلة، ومن يتابع بريد السيد العلمي لظن أن المسألة ليست مجرد فكرة نبعتْ في صالة فندق في مؤتمر لم تحضره وسيلة إعلامٍ واحدة، ولكن لقوة أثر هذا المؤتمر، ولاستحسان الفكرة التي ألقيت في المكان الصحيح في الظرف الصحيح أمام المهمتمين الصحيحين، كان لها أن تتعدى النمو الطبيعي للانفجار الواسع الإشعاع، إشعاعٌ حميدٌ لا يحمل إلا صفاءَ النور.. نعم لن يظن المُطـَّلِعُ على بريد العلمي أنه مجرد تجمع نحو فكرة بزغت، فقد يظن، ولا يُلام، أن هناك تشكيلاً أمَمِيـّاً تحت التشييدِ والإعداد. ولعلك – إن دار في خلدك أنه جرفتني الحماسةُ لتياراتِ المبالغة - فقد يخف اعتقادك هذا متى رأيتَ أن "العلمي" يتلقى الرسائلَ التي تتطوع بالالتحاق بمشروع الفكرة من داخل السعودية، ومن دول عربية، وغربية حتى الولايات المتحدة. انتشرت الفكرة لدرجة أني لم أستغرب أن يكون من ضمن من أرسلوا تحمسهم للفكرة أسماء عالمية، ومنهم الأمريكي العربي "جيمس زغبي".. تصوّر؟ وهنا نتعلم حكمة الحياة الكبرى، فإنك قد تعمل كل شيء كما يقول الكتابُ، ولا تحيد، ثم لا تأتي النتائج كما قدّمتَ.. لأن خللا فيمن يقرأ الكتابَ، سواء كان المرسل أو المتلقي .. وأحيانا نفاجأ بأكثر من ذلك، وهو أن أول من لا يتقيد بما في الكتاب هو واضع الكتاب ذاته! وتعلمنا حكمة الحياة الكبرى أن الأفكارَ التي تغذي تدفقات الحياة وتقدمها وتطورها ستجد المكان الأنسب كما تجد المياهُ أقوى الجذور لتنمو أقوى الأشجار. فسقطتْ الفكرةُ في فلـَكِها الصحيح والمناسب والمتأهِّب.. فكان السيد "العلمي" هناك، وتبناها، وستجد مع تعاقب الخطابات أن "العلمي" هو من يخاطبه الناس، وهو من يتعاملون معه، وهو من سيضع اللوائح التأسيسية الأولى، فللرجل قدرة تنظيمية وقيادية أظنهما وُلِدَتا معه.. وبقي "صاحبُ الفكرة" لا يُشار إليه إلا في معرض الاستشهاد، وهو أيضا درس من حكمة الحياة الكبرى: أن الأفكارَ تنبعُ في رؤوس أصحابها، ولا تنمو قوية صحيحة إن أشرف عليها فقط آباؤها.. دائما الأفكارُ تكبر برؤوس أخرى، رؤوسٌ تملك تفهم الفكرة بحياديةٍ تامةٍ، ثم القدرة اللوجستية والإصرار القيادي على الأرض لترويجها.. وانظر لكل فكرة أو عقيدة نمت، تجد المنظرين الذين يندثرون، والمتلقفين للأفكار القياديين، وهم الذين يبقون وتبقى معهم الأفكارُ لتصبح مشاريع تكبر مع الأيام .. حتى بعد أن يكون الأب والمتبني قد لفـَّهما المصيرُ الصائرُ والمحكوم. هذه الفكرة التي في أيامٍ جالت الكرة الأرضية، تجعلني أول المندهشين، أخوض سيلا لم أعد أستطيع السباحة به، أشعر وكأني أزلتُ حجرةً من سدٍّ عملاق فانهمَرَالفيضانُ.. وكلما رفعتُ رأسي ووجدت العلمي يقود المركبَ بانسياب فوق التيار، شعرتُ أن الذي جرى هو الذي كان يجب أن يجري. المجلسُ المقترحُ كفيلٌ برفع أدائنا العقلي والمعرفي كسعوديين وغير سعوديين، وسيوسع نظرتنا في التفهم والقبول، وسنعرف من خلال التواصل أننا مخاليق الله تعالى، لنا ذات الصفة وعين الإحساس والشعور. وسنعرف أن الحبَّ والكراهية ينطلقان من مكان واحد، حسب نوع الأرض التي نقف عليها، والمجلس سيكون الأرض التي تهدف للمحبة الإنسانية. وكما انتشرت الفكرةُ كانتشار الضوء في الهواء.. فلِمَ لا نتوقع يوما أن تكون سمعة السعودي في العالم من واقع ذاك الضوء؟ ويروجّها حَمـَلـَةُ مشاعل الضوء الذين كان روّادُهم أولئك الذين ركبوا متن عابرة التواصل وراء البحار.. عابرةٌ اسمها: مجموعة العلمي.
إنشرها