المقالات

الاقتصاد الأسود

الاقتصاد الأسود

يعتبر غسل الأموال أضخم معضلة في عالمنا المعاصر، يقوم عليها اقتصاد أسود، خارج القانون والأقنية النظامية، يظل يعاظم قدراته على نحو يكاد يفسد ويهدد مسارات الاقتصاد الأبيض، أو النظيف في العالم. ومع ما يمثله غسل الأموال من مصدر جم للاقتصاد الأسود، فثمة مصادر أخرى تصب أيضا في مجرى هذا الاقتصاد الخارج على الشرعية الحقوقية بكل تفاصيلها. وهي مصادر واضحة للعيان، تمثلها أنشطة تمارس دورها تحت سمع وبصر السلطات، وفي وضح النهار ودون مواربة.. بل لها مؤسساتها وتجارها وباعتها ووسطاؤها موردوها ومصدروها وملايين الزبائن بالطبع، أي أن هذا الاقتصاد الأسود الرديف لغسل الأموال يتكاثر في ظل تراخي الرقابة العامة على قوة العمل التجاري ومكوناتها.. وهي قوة تزخر بالعديد من الدخلاء المستغلين للثقة أو المنتهزين للغفلة أو المتلاعبين بالأنظمة والقافزين عليها جراء عجزها عن أن تطول متجاوزيها بالعقاب الرادع الذي يجب المفسد ويفزع من قد تسول له نفسه المضي في ذلك الطريق. دونكم البضائع الرديئة والمغشوشة والمقلدة والرديئة والرخيصة، الإغراق، والتزوير، السلع الممنوعة، الإنتاج الخفي غير المصرح به، التستر، الاحتكار، (مافيا) العمالة المسيطرة على هذا النشاط أو ذاك، الرسائل الدعاية في الجوالات والإنترنت والبرامج الفضائية والقائمة على مخاطبة الغرائز وعلى النصب والاحتيال وبيع الوهم. علاوة على الأشخاص والمؤسسات أو الشركات التي تدير أنشطة خدمية أو علاجية أو استثمارية, وهي كلها مجرد أفخاخ للإيقاع بالناس ونهب أموالهم بمزاعم ظاهرها ناصع وحقيقتها خراب ديار. إذا.. الاقتصاد الأسود عالم واسع متنوع ضخم بسعة وتنويع وضخامة الاقتصاد النظيف، بل ربما يفوقه في بعض الدول. ونحن هنا.. في السعودية لسنا استثناء من العالم، فالاقتصاد الأسود ضارب أطنابه في معظم الأنشطة ويمارسه كل من هب ودب، فرغم نجاحنا في محاصرة الاقتصاد الأسود القادم من غسل الأموال، ونجاعة الأنظمة الرقابية المصرفية والقانونية في الحيلولة دون أن يجد غسل الأموال له مكانا في بلادنا، إلا أن الأنشطة والسلع والممارسات اللا قانونية وغير الصالحة للاستهلاك والتداول مازالت تسرح وتمرح على نحو يهدد سلامة البيئة التجارية وسوق العمل.. فالبضائع والأسواق والخدمات والمنتجات الجيدة في سوقنا التي يحرص التجار المخلصون على جودتها وكفاءتها تعاني تلويثا مسلكيا ومنافسة سعرية لا تقارن ووفرة لا تجابه من قبل السيئ والرديء والمتدني والزهيد من سلع أو خدمات تهرول عبر كل الدروب دن خوف أو حساب. إن عين المواطن العادي لا تخطئ حجم هذا الاقتصاد وحجم العاملين فيه من سعوديين وغير سعوديين، ولا يعقل أن تخطئ ملاحظة ذلك عيون الجهات الرقابية، فثمة فوضى عارمة في المواصفات والمقاييس، ثمة عمالة تحتكر، ثمة تستر، وغش وإغراق، ونصب واحتيال في مواد وأنشطة جوهرية ذات علامة مباشرة بصحة الإنسان وسلامة البيئة، ومع ذلك فالازدهار يسير في ركابها بلا عوائق تذكر، وتفتح عوائدها مليارات الريالات في حسابات معظمها لا تتقن إلا إعادة الكرة تلو الكرة في أنشطة تمارس بجزء من أرباح خيالية، معظمها يسافر في اتجاه الخارج. إننا نتطلع إلى أن تثابر وتبادر الجهات الرقابية المسؤولة عن الأنشطة التجارية وسوق العمل إلى إصدار تعميمات صريحة تحذيرية وبالأسماء عن كل السلع والخدمات والمؤسسات والأشخاص الذين لا ينضوون تحت مظلة القانون ولا يدخلون في نطاق شروط المواصفات والمقاييس المطلوبة، فضلا عن أننا ننتظر من هذه الجهات الرقابية النزول بكثافة إلى الشارع على نحو مستمر ويومي وعلى مدى 24 ساعة لكي يتسنى لها معرفة وضبط مصادر هذا الاقتصاد الأسود وتنقية مناخنا الاجتماعي منه، لكي لا تذهب رياحه الخبيثة بروائح اقتصادنا الطيبة!
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المقالات