Author

حسابات هلال رمضان والعيد وبقرة بني إسرائيل!

|
[email protected] من خصائص الشريعة الإسلامية ما ميزها الله به من السماحة والرفق والتيسير، كما قال سبحانه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]. ومن سماحة الشريعة التيسير في عباداتها سواء أكان ذلك في شروطها أم صفاتها أم أوقاتها. وعند تأملنا في توقيت بدء شهر الصيام ونهايته فإنا نجده واضحاً ومحسوماً بحيث يدركه أي مسلم في أي عصر وأي مصر؛ كما توضحه النصوص الشرعية والتي علقت بداية الصيام ونهايته برؤية الهلال، بل وجاء البيان بأنه إذا لم يُرَ الهلال لأي سبب فيتم اعتبار الشهر 30 يوماً: هكذا بكل يسر وبعيداً عن العنت والتشدد. ففي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا " يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين. وفي لفظ عند مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فضرب بيديه فقال: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا ـ ثم عقد إبهامه في الثالثة ـ فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين". وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غَبِيَ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: "فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يوماً". وجاءت النصوص الصحيحة المصرحة بالعمل بالرؤية في عشرات الأحاديث ومن طرق متعددة في الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم الحديثية . فتبين بما تقدم من الأحاديث النبوية أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قطع الطريق على من أراد أن يطعن في هذا المنهج أو يستبدله بالحسابات الفلكية وأنه قد رد عليه ما أراد. هكذا وضوح المسألة وتيسيرها، وما زلت أعجب من الأطروحات التي تربك الناس وتشككهم ممن يعتمدون الحسابات الفلكية ويتجاوزون المنهج النبوي، فصاروا كبني إسرائيل الذين أمرهم الله بذبح أي بقرة لإظهار المعجزة، لكنهم تشدقوا وتشددوا: ما هي وما وصفها وما لونها؟ فلما تشددوا شدد الله عليهم حتى صار الوصف منطبقاً على بقرة واحدة في الدنيا. وهكذا بعض الفلكيين والحسَّابين الذين تعمى أعينهم عن سماحة وتيسير النهج النبوي في دخول الهلال ويأبون إلا حسابات فلكية لا يحيط بها معظم الناس، ولو اعتمد الناس عليهم لأفسدوا عليهم مواقيت عباداتهم أو أدخلوا عليهم الحرج الكبير. وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية أن المحققين من أهل الحساب والفلك كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب بحيث يحكم بأنه يُرى لا محالة، أو لا يُرى ألبتة على وجه مطرد، وإنما قد يتفق ذلك، أو لا يمكن بعض الأوقات. ثم شنَّع الشيخ على دعاة اعتماد الحساب دون الرؤية، وعدَّ ذلك منهم أنه إدخال لشيء في الإسلام ليس منه. وقال سماحة شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز، رحمه الله: "وهو سبحانه يعلم أن الفلكيين قد يخالفون ما يشهد به الثقات من رؤية الأهلة، ولم يأمر عباده في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالاعتماد على الحساب الفلكي، أو اعتباره شرطاً في صحة الرؤية، ومن اعتبر ذلك فقد استدرك على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وألزم المسلمين بشرط لا أصل له في شرع الله المطهر، وهو ألا تخالف الرؤية ما يدعيه الفلكيون من عدم ولادة الهلال أو عدم إمكان رؤيته". وفق الله الجميع لما فيه الخير. وكل عام أنتم بخير.
إنشرها