Author

هدم القمم طريق لهدم القيم

|
[email protected] استأذن رجلان على أمير المؤمنين معاوية، رضي الله عنه، فأذن لأحدهما وكان أشرف منزلةً من الآخر، ثم أذن للآخر، فدخل عليه فجلس بمكان فوق الذي قبله، فقال له معاوية: إن الله قد ألزمنا تأديبكم كما ألزمنا رعايتكم، وإنا لم نأذن له قبلك ونحن نريد أن يكون مجلسه دونك، فقم لا أقام الله لك وزنا. * *** * مما قررته الشريعة الإسلامية أن من رفع الله منزلته وجعل له فضلاً في مجال من المجالات فإن حقه الإكرام والتوقير. ومن هؤلاء: العلماء. قال الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11]. وثبت عند الترمذي وغيره أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "ليس مِنَّا من لم يرحم صغيرنا، ويُوقِّر كبيرنا". وقال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: ذكر عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: أمرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن ننزل الناس منازلهم. فهذا مما أدب به المصطفى، صلى الله عليه وسلم، أمته من إيفاء الناس حقوقهم، من تعظيم أولي الأمر من الأمراء والعلماء وإكرام ذي الشيبة وإجلال الكبير ومن في حكمه، والالتفات إلى الضعفاء والمساكين والصغار بالرحمة والعطف. وفي المجتمع من أصحاب القامات الشامخة والقمم السامية من يكونون منارات للهدى ورعاة للفضائل، بل هم سد بين الهدى والضلال وبين الفضائل والرذائل، وعلى منهجهم الرشيد يكون ضبط مسالك الناس. فأصحاب البدع ومن يريدون إشاعة الرذائل يرون أهل الفضل من الأمراء والعلماء والمصلحين حاجزاً بينهم وبين باطلهم؛ فيعمدون إلى هدم تلك القمم السامية ليشقوا طريقهم نحو هدم القيم الكريمة والأخلاق الشريفة. وبهذا يعلم أن القدح في العلماء وتنقصهم والافتراء عليهم ذنبه عظيم وإثمه كبير، بل إنه من علامات التشكك فيمن جعل ديدنه القدح فيهم والشماتة بهم. ولم يزل المسلمون في كل العصور يستدلون على زيغ الإنسان بقدحه في العلماء والافتراء عليهم؛ لأن من مسالك الطاعنين في الإسلام أن يبتدئوا بالطعن في حملة الشريعة وعلمائها، كما فعل المنافقون والزنادقة في القديم، وكما درج على ذلك عدد من المستشرقين الذين جانبوا الإنصاف. قال الإمام يحيى بن معين: إذا رأيت الرجل يتكلم في حماد بن سلمة وعكرمة مولى ابن عباس؛ فاتهمه على الإسلام. وقال الإمام أحمد: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام؛ فإنه كان شديداً على المبتدعة.
إنشرها